آراء

الأنثى هي الأصل بقلم :بشرى علي

 

ما من شك في أن كل الكائنات الحية، من أبسط خلية وحتى أرقاها (الإنسان)، تعمل بمبادئ العقل الطبيعي التي لا تخطئ أبداً. ويكفينا أن نتأمل قليلاً في العلاقة بين الفعل ورد الفعل في عالم النبات والحيوان كي نخلص إلى أن نسبة الخطأ في هذا العقل الطبيعي-الفطري متدنية لدرجة العدم.
تتم الإشارة هنا بالتأكيد إلى العقل السليم غير الشاذ. فقد ولجت البشرية مساراً مختلفاً من تاريخها منذ تعرُّفها على العقل-الذكاء التحليلي، الذي بواسطته حلت الكثير من قضاياها. لكن، ومنذ أن عمل هذا العقل على حساب العقل-الذكاء العاطفي-الطبيعي، واختل التوازن بينهما، بدأ مسار البشرية يشذ عن مجراه الذي سار عليه لآلاف السنين بما يعادل 98% من عمرها.
فكان هذا الاختلال لصالح الرجل والذهنية الذكورية المترعرعة على ثقافة الصيد (المصائد، الإيقاع بالفريسة وقتلها، المكر، الغدر، الكذب…) وعلى حساب المرأة والذهنية الأنثوية الزراعية الأصيلة (الارتباط بالأرض، اكتشاف الطب الطبيعي، واختراع كل البدايات المقدسة التي ما تزال البشرية تقتات عليها وتطورها).
تؤكد كل البحوث البيولوجية الجارية على المنزلة الجذرية للمرأة، وأن المنقطع عن الجذع هو الرجل، لا المرأة. لذا، فانقلاب الغصن الذكوري على الجذع الأنثوي قد قلب شجرة الحياة رأساً على عقب، فحجب الشمس، واغتصب الأرض، وحوّل المرأة من إلهة الخصب والجمال إلى أَمَة تقبع في الحضيض. وتحول ذكاء الأنثى وعقلها العاطفي الأصيل إلى “عقل ناقص” يُقيم الرجل عليه فرضياته وفلسفاته، ويُدوِّن بموجبه تاريخه الدموي المريع؛ بعد أن سيّر العقل الذكوري عدة حملات كبرى ضد المرأة لآلاف السنين (وما يزال)، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه من وضع مأساوي على كل المستويات وفي كافة مناحي الحياة.
فأول حملة ذكورية بطرياركية ضد المرأة كان أن حوّلها إلى أول عبد منزلي، بعد تعريضها لحملات قمع واعتداء واغتصاب واضطهاد مريعة وصلت حد المجازر. وأناط هذا العبد-المُلك بدور “إنتاج الذُّرّية” لتأسيس مملكته السلالاتية الحربية الحاكمة، ثم جعلها عنواناً لشرفه!
وثاني حملة ضد المرأة كان أن جعلها أداة جنسية بامتياز، ليفجّر فيها شهواته الشاذة، بعد أَسرِها بين جدران المنزل. فبينما تَكون فترات التزاوج لدى أغلب الحيوانات محدودة جداً، فقد باتت ممارسة الجنس لدى الرجل الهدف الأول والأخير في مقاربته من المرأة، لدرجة أنه ينسى هموم الوطن في أحرج الأوقات، ويتفرغ لسن قوانين لصالح شهواته هذه وبأشنع الأشكال (قانون تعديل الأحوال الشخصية في العراق مؤخراً). وهكذا تتحول المرأة إلى أداة يُجرَّب عليها الشهوة والسلطة الجنسية على مدار الساعة، ودون ضابط أو رادع.
وثالث حملة كانت بتحويل المرأة إلى كادح مجاني رغم ممارستها لأصعب الأعمال المنزلية، فما بالك بإنجاب وتربية الأطفال؟ ومقابل هذا الكدح المجاني، يتم تلقينها بأنها “ناقصة” ومنحطة، لدرجة أنها قد تقتنع فعلاً بذلك، وتتشبث بسيادة الرجل وحاكميته طوعاً! فأية مفارقة هذه أن يرتأي الرجل هذه المعاملة بحق المرأة، رغم زعمه أنه لا يقدر على العيش بدونها؟!
إن إيقاف هذا العقل (الذهنية) البطرياركي وردعه غير ممكن، إلا بالعمل وفق الأخلاق المجتمعية الفاضلة، وبالتمرس في السياسة المجتمعية الديمقراطية السديدة كبداية لا بد منها. ذلك أن هذه الذهنية الذكورية قد أسست ذاتها في كافة مجالات الحياة، ولا بد من الكفاح ضدها في كافة تلك المجالات، ولكن بمنظور أنثوي أصيل ومنُقّى من الشوائب والتقاليد الذكورية المريعة.
بمعنى آخر، فالأصل هو العمل بالعقل الأنثوي المجتمعي السديد، وتنظيمه، وتوحيد صف وصوت المرأة أينما كانت؛ كي نعرف كيف نتشبث بالأمل ونطرد اليأس ونقول لكل ما هو شاذ “كفى”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى