آراء

التجديد بين الخطاب الديني والفكري بقلم محمد أرسلان علي

 

الحالة المجتمعية التي تعيشها منطقتنا في الوقت الراهن تحتم علينا إعادة الدراسة والبحث والتنقيب عن أساس المشاكل التي نعاني منها في معظم النواحي والأصعدة. التقدم في المسيرة الحياتية بشكل روتيني وتكرار ما تم وضعه منذ قرون أو عقود من الزمن لا يساعد في الوصول للجديد الذي هو طموح كل إنسان يعيش ضمن مجتمعه.

تطورت الحضارات الانسانية على تجديد ذاتها بشكل مستمر من أجل التغلب على المجهول الذي كانت تخاف منه أو لا تدركه. وكذلك تطورت عبر البحث عن الجديد دائماً نظراً لزيادة الإنتاج الفكري والإنساني، ولم تكتفِ بما هو موجود تقتات عليه في الأيام القادمة وكأن كل شيء على ما يرام. وكذلك المدنية التي هي التعبير الفظ للتطور الحضاري، أي بمعنى أن الحضارة ما هي إلا عبارة عن تطور المخزون الثقافي المجتمعي للبشر من لغة وفن وثقافة وأخلاق وعادات وتقاليد وعلوم، بينما المدنية ما هي إلا استغلال لهذه القيم المجتمعية والانسانية بشكل فظ لتحقيق الربح الأعظم بالاعتماد على استغلال الانسان وتصييره عبداً.

بهذا الشكل ظهرت الدولة التي هي في الأساس تقوم على تنظيم العمل ما بين المؤسسات الفوقية والتحتية وذلك من خلال جعل الشعوب تعمل أكثر لزيادة الانتاج والرفاهية للمؤسسات الفوقية التي تصون الشخوص التي تؤمن سيرورة الحكم والسلطة. ظهور مفهوم الدولة منذ آلاف السنين له مدلولاته التاريخية في استمراريتها حتى راهننا بأشكال مختلفة مع الحفاظ على جوهرها بكل الامكانيات.

من الواضح أن المعبد السومري ومن بعد المعابد الفرعونية شكلت الرحم الاساسي لنشوء وتشكل الدولة. وهذا يعني ان الدولة ليست التعبير العلمي لعقل الانسان بقدر ما هي التعبير اللاهوتي والدوغمائي له، إن الدولة كمدنية، وجوهر هذه المدنية هي التعبير اللاهوتي للمفهوم الدوغمائي الذي لم يتكون فيه الفكر العلمي في المرحلة البدائية للفرز الطبقي. وتقبع في أساسها دوغمائية الإيمان وليس العلم. وفي إطار هذ المفهوم فأن الدولة ربما هي أكثر أداة خارج المجتمع ولا سيما أشكالها الكلاسيكية غير الشعبية.

وإن كان علينا من القيام بعملية التجديد حينها ينبغي البدء من التعريف الصحيح للحاضر ومدى علاقته بالتاريخ كي نعي مستقبلنا بشكل أفضل. ونظراً للتداخل القوي بين الدين والدولة بكل أشكالها لا بد لنا حينها معرفة الروابط التاريخية والمعرفية بين هذين المصطلحين المقدسين في راهننا، مثلما حصل في الثورة في أوروبا حينما اعتمدت التنوير والاصلاح ومن ثم النهضة والتي عملت على ابعاد الدين عن الدولة ولو بشكل لا بأس به.

وإذا كان لا بد لنا من التجديد حينها يتوجب علينا بما لا يقبل الجدل بأن نبدأ من ثالوث “الدين، الدولة، النقد”، من خلال فهم هذا الثالوث بكل أبعاده وتأثيراته المجتمعية ربما يحنها يمكننا البدء بالخطوة الأولى في عملية التجديد وبناء الجديد الذي نبتغيه.

تجديد الخطاب الفكري هو أساس التجديد في الخطاب الديني وكذلك الدولتية بكل أشكالها القوموية منها أو الدينوية. والتجديد الفكري لا يتم إلا من خلال إعادة فهم التاريخ الانساني والمجتمعي بشكله الحقيقي البعيد عن الزيف على أساس أن التاريخ “يكتبه المنتصرون في الحروب”. ولكن أين هو تاريخ المضطهدين والمقهورين الذي لم يعيره أحد الاهتمام والذي هو بنفس الوقت تاريخ مليء بالآهات والأحزان وإقصاء مجتمعات بشرية بأكملها كي يتم تحقيق النصر وبناء امبراطورية جديدة.

الفكر الانساني مرتبط مع بعضه البعض ولا يمكن لأي قوة فصلهما أبداً، لأن الثقافة الانسانية متداخلة مع بعضها البعض ولا يمكن التفريق بينهما مطلقاً. وهذا ما يجبرنا على إعادة تعريف الكثير من المصطلحات من جديد بعيداً عن التعريفات المعتمدة على العلوم الوضعية المغذية لثقافة الحداثة الرأسمالية الاستهلاكية وغير المنتجة.

المجتمع، الانسان، اللغة، الحضارة، المدنية، العلوم، التاريخ، الرب، المعابد، الكنيسة، الجامع، الوطن، الدولة، الأم، الأب، العائلة وووو الخ، الكثير من المصطلحات التي ينبغي تعريفها ووضعها في مكانها السليم. وهذا ما يوصلنا إلى حقيقة مفادها أنه لا يمكن القيام بأي عملية تجديد بشكل منفصل عن بعضها البعض، بل هي عملية متكاملة ومتممة لبعضها البعض. تجديد الخطاب الفكري هو أساس تجديد الخطاب الديني والقوموي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى