آراء

هل سيكشف جانتس أكاذيب نتنياهو ويحسم أمره في مسألة الميزانية؟

قبل أن ينال منزل رئيس الوزراء لقب “بلفور”، كانت في إسرائيل محافل ضيقة شكلت غرفة حربية عملياتية – سياسية لرؤساء الوزراء؛ فقد كانت هناك عصبة ضيقة وغير رسمية تمسك بالخيوط من خلف الكواليس، وأشهرها “المطبخ الصغير” لجولدا، و”منتدى المزرعة” لأرئيل شارون.

وكان لإيهود أولمرت امرأة سره الخالدة شولا زاكين. وكانت قوتهم في التزامهم المطلق لرئيس الوزراء الذي يهدف إلى حماية حصانته السياسية. وفي سنوات ولاية نتنياهو الطويلة، كان المستشارون يأتون ويذهبون، وكان السياسيون الموالون يقربون ويبعدون.

أما “بلفور” فقد تبلور ليصبح الاسم السري لطاقم العائلة النووية، وحدة ذرة غير قابلة للانشطار. ذلك المنزل الذي في شارع سمولانسكن، زاوية بلفور، يختفي عن العيان. ستار أسود يغطي المداخل إلى الشارع، وكأنه مسرح شارع ضخم. قبله جدران عالية، يقف حواليها رجال وحدة حراسة الشخصيات من المخابرات.

ذات مرة، في عصر السذاجة ما قبل اغتيال رابين، كان منزل رئيس الوزراء من المنازل الجميلة في حي رحافيا التي بنيت بأسلوب دولي. كان يمكن المرور عنه دون عراقيل بل والتظاهر أيضاً. ولكن الأزمنة تغيرت. رئيس الوزراء هو من الزعماء الأكثر حراسة في العالم، مرفوع، مبعد ومنقطع عن الشعب. والواقع الحالي يدمج بين احتياجات الحراسة وهستيريا زائدة ورمز المكانة.

أصبح “بلفور” من ناحية سياسية إمبراطورية رجل واحد (وثمة من يقول عائلة واحدة). مصدر الكلمة يعود إلى الإنجليزية ومعناها المرجعية العليا. هكذا هو بنيامين نتنياهو. وهكذا هو في نظر نفسه على الأقل. ولكنه مثل زعماء آخرين في التاريخ البشري، لا يلاحظ علامات تفكك مملكة الأكاذيب التي أقامها.

بهذا المفهوم، تعدّ الحيطان المتقشرة في المنزل، التي حظيت بعلاقات عامة مبالغ فيها، وآلاف المتظاهرين في الشوارع الذين يدعونه إلى الاستقالة.. مجرد رمز للأفول التدريجي لإمبراطورية بلفور، أواخر حكم الرجل الذي غير وجه دولة إسرائيل والجينات التي حركت الحركة الصهيونية لتقيم مجتمعا مثالياً. ولكن ثمة بشرى طيبة.. فكلما كان هو ومن يحيط به منقطعين عن الجمهور سيوقظون فهم كثير من المواطنين بأن السياسة وسيلة لا غاية، قد تكون هدامة ولكنها مفتاح لإحداث التغيير.

في الوسط هناك بيني جانتس، قلبه مع المتظاهرين ولكن كرسيه إلى جانب طاولة الحكومة. لا يمكن الاستخفاف بضائقته وبالمتاهة السياسية التي يعيشها. لقد فقد السذاجة السياسية منذ زمن بعيد. وعليه، فإن التصويت ضد ميزانية لسنة واحدة هو فرصته الأخيرة للإبقاء على القليل من الكرامة التي تبقت له وللإثبات بأنه لم ينسَ التزامه بجعل إسرائيل قبل كل شيء آخر.

صعب أن نصدق أحداً ما من النواب في الكنيست، حتى في كتلة اليمين، “يشتري” ادعاء نتنياهو بأن المحافل المهنية كلها تؤيد ميزانية لسنة واحدة (أي لثلاثة أشهر)، أو ذلك التعليل بأن الميزانية لسنتين ستنطوي على إجراءات اقتصادية متشددة (التي ستكون على كل الأحوال)، ولكن يخيل أن كثيرين منهم يقبلون تسليماً بتهديده جر إسرائيل إلى انتخابات للمرة الرابعة. إذا ما وقع هذا السيناريو، فإن آلة الألاعيب المتطورة التي يستخدمها “بلفور” ستوقع المسؤولية على كاهل غانتس. هو سيكون المذنب دوماً. لهذا الدور وجد منذ البداية. هذه لحظة اختبار لـ”أزرق أبيض”. كل صيغة سياسية غير ميزانية لـ 15 شهراً ستكون فشلاً. إذا كان في نية غانتس أن يستسلم فالأفضل له أن يرفع العلم الأبيض ويتراجع فوراً. أما إذا كان استخلص الدروس من حملة الإهانات التي يجتازها في الأشهر الأخيرة وتسطح منحنى تعلمه تماماً، فعليه أن يضع أمام نتنياهو خطاً أحمر.
نعم، ثمة لحظات في حياة الزعيم ينبغي له فيها أن يقول: إلى هنا، وذلك بسبب الخرق الفظ للاتفاق الائتلافي الذي وقع قبل أقل من ثلاثة أشهر، وبسبب دوافع نتنياهو السياسية الخفية والعلنية، ولا سيما بسبب اعتبارات اقتصادية موضوعية ومفهومة من تلقاء نفسها في ذروة أزمة غير مسبوقة. إذا تصرف على هذا النحو، فقد تكون الخطوة الأهم الأخيرة في حياة بيني غانتس السياسية القصيرة، ولكنه بطريقته الرسمية المنضبطة سيسجل على الأقل كمن كشف خدعة بلفور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى