تقارير وتحليلات

أزمة إلهان عمر تكشف حجم نفوذ «الآيباك» بواشنطن

عندما نشرت العضوة المسلمة بمجلس النواب الأمريكي، إلهان عمر، تغريدة «متسرعة» عبر حسابها على تويتر، الأحد الماضي، فإنها، عن غير قصد، لم تنزع الغطاء فقط عن الحدود المسموح بها للمسؤولين الحكوميين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنها كشفت كذلك عن مدى قوة واحدة من أكثر جماعات الضغط في واشنطن.

جاءت التغريدة من جانب إلهان عمر رداً على دعوة من زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي كيفن ماكارثي، تهدف إلى معاقبتها هي وزميلتها المسلمة الأخرى رشيدة طليب، بسبب انتقادهما لإسرائيل.

وبدا أن إلهان عمر، وهي إحدى مسلمتين (بجانب رشيدة طليب) تم انتخابهما في الكونغرس مؤخراً، تحاول التصدي لهذا التهديد، وأشارت إلى تأثير المال من جانب اللوبي المؤيد لإسرائيل في واشنطن على النواب الأمريكيين، حيث قالت: «الأمر كله يتعلق بالمال».

 

وبمجرد أن فعلت ذلك فتحت «إلهان» على نفسها باباً لوابل من الانتقادات التي تتهمها بمعاداة السامية، وذلك من مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك من جانب زملائها الديمقراطيين، الذين قالوا إن هذا التعليق يُلمّح إلى مقولة قديمة تفيد بأن اليهود يستخدمون أموالَهم بشكل سري للتأثير على الأجندة العالمية، ودعوها للاعتذار.

والثلاثاء الماضي، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «إلهان عمر» للاستقالة من الكونجرس، على خلفية ذلك التعليق.

وفي تصريحات لصحفيين بالبيت الأبيض، قال ترامب إن على «عمر» الاستقالة من الكونجرس، أو من عضوية لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب.  وأضاف: «لا مكان لمعاداة السامية في الكونجرس الأمريكي، والاعتذار الذي قدمته ليس كافياً».

الإيباك.. أقوى جماعات الضغط في واشنطن

تحت الضغط المتواصل، استجابت «إلهان» لتلك النداءات، واعتذرت «بشكل صريح» عن هذا التعليق، لكنَّها أصرَّت على أنها «ستُواصل التصدي للدور المثير للإشكاليات لجماعات الضغط في واشنطن، ولا سيما النفوذ الذي تمارسه لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)«.

هذه الجماعة، التي تجذب شريحة متنوعة من السياسيين في مؤتمرها السنوي الذي يحظى باهتمام واسع في واشنطن، ليست لجنة عمل سياسية بالمعنى التقليدي.

 

ولكن ليس من الضروري أن تكون منافسة لتأثير بعض من أكبر مجموعات المصالح في الكونجرس، بما في ذلك «الاتحاد القومي الأمريكي للأسلحة»، التي تنادي بحقوق حيازة السلاح.

ولا تساهم «إيباك» بشكل مباشر في الحملات السياسية، كما يفعل اتحاد الأسلحة بشكل تقليدي، ولكنها قادرة بدلاً من ذلك على حشد مجموعات من المساهمين الماليين الأساسيين الذين يمكن أن يكونوا بمثابة مسألة حياة أو موت لمرشح ما، وهنا تكمن قوة تلك الجماعة.

ولا يساور القيادة العليا في الجماعة أي شك في مدى نفوذها على الدوائر السياسية في واشنطن. وكان ستيفن روزن، مدير شؤون السياسة الخارجية السابق لـ «أيباك»، قد تفاخر في مقابلة أجراها معه جيفري جولدبرج من مجلة «نيويوركر» عام 2005، بأن بإمكانه جمع توقيعات 70% من أعضاء مجلس الشيوخ على ورقة مناديل فارغة، بمجرد أن يطلب منهم ذلك.

وجاءت هذه الواقعة بعد الكشف عن تسجيل صوتي عام 1992، لمحادثة بين رئيس «إيباك» السابق ديفيد شتاينر، ورجل الأعمال في نيويورك حاييم كاتز، حيث تفاخر شتاينر بأنه «أبرم صفقة» مع إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش (الأب)، لتزويد إسرائيل بما يقرب من 13 مليار دولار في شكل قروض ومساعدات عسكرية.

وقال شتاينر حينها، إن ذلك جاء «بالإضافة إلى أشياء أخرى لا يعرفها الناس». وتحدَّث عن «التفاوض» مع حملة الرئيس الأسبق بيل كلينتون الرئاسية، من أجل تعيين وزير للخارجية، ومستشار للأمن القومي مواليَين لإسرائيل.

واستقال شتاينر في نهاية المطاف من رئاسة تلك الجماعة، وسط غضب بشأن تلك التسريبات.

وعندما سأل غولدبرغ عمَّا إذا كانت تلك التسريبات قد أثَّرت في قدرة إيباك على التأثير على سياسة واشنطن، كان ردّ روزن هو أن الأمر لا يعدو «ورقة مناديل»، في إشارة إلى سهولة الحصول على التوقيعات المطلوبة لتمرير قرار ما بالكونجرس، بمجرد أن تطلب الجماعة ذلك.

كيف أوقعت «الإيباك» بين أعضاء الحزب الديمقراطي؟

يقول جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي، في مقالة كتبها بموقع Lobe Log الأمريكي، إن أنصار إسرائيل «المخلصين» يمرون بحالة من الهلع بعد الموقف الأخير مع إلهان عمر، إذ استخدم الجمهوريون القضية ككبش فداء، على أمل تحويلها إلى مصدر للانقسام، لإظهار أن الديمقراطيين لم يعد من الممكن الوثوق بهم كمؤيدين مخلصين لكل السياسات الإسرائيلية. وللأسف انضم بعض الديمقراطيين الخائفين للهجوم.

وتُظهر الاستطلاعات انقساماً حزبياً/ديموجرافياً عميقاً حول الدعم الأمريكي لإسرائيل، إذ يدير جيل الألفية والأقلية ظهورهم إلى إسرائيل، ويمضون نحو اتجاه أكثر توازناً، بل مؤيد للفلسطينيين. وعلى الرغم من أن الجمهوريين يشعرون بسعادة كبيرة إزاء هذا الصدع، ويسعون إلى استغلاله لصالحهم، يريد بعض الديمقراطيين أن يجمعوا بين هدفين متناقضين. إذ يريدون الاحتفاظ بدعم هاتين المجموعتين من الناخبين، وفي الوقت نفسه إسكات معارضتهم للسياسات الإسرائيلية.

لكن، خلال الأسبوع الماضي، أيَّد تشاك شومر، زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، مشروع قانون مناهض لحركة «مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها» المدعوم من لجنة «إيباك»، في حين عارضه المرشحون الأبرز في السباق الانتخابي 2020، من بينهم بيرني ساندرز وكمالا هاريس وكوري بوكر، بحسب Middle East Eye البريطاني.

وفي هذا الصدد، يقول خالد الجندي، الباحث في مركز سياسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنغز في بواشنطن، إنَّه من المزمع أن يصبح النقاش الدائر حول سياسات الحزب المعهودة المؤيدة لإسرائيل مسألة خلافية بارزة في الانتخابات التمهيدية، وقد تُسفر عن مواجهة داخل الحزب الديمقراطي بين أعضائه القدامى والأعضاء التقدميين المرشحين حديثاً.

 

وصرَّح الجندي لموقع Middle East Eye: «بدأت الركيزة الأساسية لدعم إسرائيل في التصدع». وأضاف: «بدأ يتعين على الديمقراطيين تبرير سياسات لم يكن عليهم تفسيرها من قبل، وأصبحت القيادة تتعرض لانتقادات».

وقال الجندي إنَّ إسرائيل أخذت تتقدم صوب اليمين على الساحة السياسية؛ مما جعل من الصعب على الديمقراطيين الحفاظ على التزامهم نحو حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصوصاً حين اصطدمت بمصالحهم السياسية الداخلية.

وكان الانقسام بين الديمقراطيين ونتنياهو جلياً لبعض الوقت. ففي تحدٍّ للرئيس الأمريكي السابق الديمقراطي باراك أوباما، ألقى نتنياهو خطاباً في الكونغرس مناهضاً للاتفاقية النووية مع إيران عام 2015.

وقد ازداد التقارب بين إسرائيل والجمهوريين وضوحاً منذ وصول ترامب للرئاسة؛ مما وضع الديمقراطيين المؤيدين لإسرائيل في موقفٍ محرج، مع محاولاتهم الدفاع عن إسرائيل دون أن يبدو أنهم يساندون ترامب.

ومثال على هذا، إعلانات حملة نتنياهو الضخمة التي انتشرت في القدس وتل أبيب هذا الشهر، التي يظهر فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي جنباً إلى جنب مع ترامب.

يقول الجندي، إنَّه سواءٌ كان التغير الحادث في الحزب الديمقراطي يأتي استجابةً لسياسات الحزب الجمهوري أم بسببه، يبدو أنَّ الجمهوريين لديهم الكثير ليربحوه من الأرضية المهزوزة التي وجد الديمقراطيون أنفسهم عليها.

وتابع: «إما سينهار الديمقراطيون ويتبنون تعريف الجمهوريين لما يعنيه أن تكون مؤيداً لإسرائيل، وإما سيتعيَّن عليهم وضع خطوط حمراء وإعلان رفضهم لهذا التعريف، لكن عليهم تحضير أنفسهم للتعرض لانتقادات، لكونهم لا يدعمون إسرائيل بالشكل الكافي».

هل وقعت إلهان عمر ورشيدة طليب فريستين للآيباك؟

يقول تقرير الموقع البريطاني، إنَّ عمر وطُليب وقعتا فريستين سهلتين لمثل هذا الانتقاد، بسبب دعمهما لحقوق الفلسطينيين والدين الإسلامي. وتُعتَبر العضوتان في الكونغرس المسلمتان أول من يعرب علناً على الإطلاق عن دعمه لحركة «مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها»، وهي حملة سلمية تسعى للضغط على إسرائيل سياسياً واقتصادياً لوقف انتهاكاتها ضد الفلسطينيين.

يُذكَّر أنه في الشهر الماضي، قدّم ثلاثة أعضاء جمهوريين في مجلس النواب الأمريكي مشروع قرار رمزي لإدانة «مشاعر الكراهية المعادية للسامية ولإسرائيل، التي تسلَّلت إلى داخل السياسة الأمريكية وجدران الكونغرس»، مشيرين إلى عمر وطُليب شخصياً.

 

وتستمر العضوتان في إدانة «معاداة السامية»، وتصران على أنَّ آراءهما تُعارض الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وليس اليهودية والشعب اليهودي.

وعقب القرار، تجاوز النواب الجمهوريون مجرد الإشارة تحديداً إلى عمر وطُليب إلى توجيه اللوم إلى الحزب الديمقراطي بأكمله، لما وصفوه بأنه «خطاب متحيز ضد إسرائيل». إذ جاء في بيان صدر عن قيادة الحزب الجمهوري في مجلس النواب الأسبوع الماضي: «أصبح هذا الموقف السائد للحزب الديمقراطي اليوم، وقيادته تعمل على تمكينه».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى