تقارير وتحليلات

أكثر من 30 مليون عبوة تفجيرية نشرها الحوثيون في اليمن

في محاولةٍ مستميتةٍ لاختراق صفوف الحوثيين، تُرسِل القوات المقاتلة في اليمن، بدعمٍ من المملكة السعودية، جنوداً غير مدرَّبين لأجل تفكيك حقول الأغلام، باستخدام حِرابِهم فقط في بعض الأحيان. يقول سلطان حمد، وهو جنديٌّ يمنيٌّ في الـ39 من عمره فقد إحدى ساقَيه في أثناء إزالة الألغام على خط المواجهة قرب مأرب، لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية: «أزلتُ اثنَين ثم انفجر الثالث».

كان حمد من بين ما يزيد على نصف دزينة جنودٍ ينتظرون حصولهم على أطرافٍ اصطناعيةٍ بإحدى العيادات في مأرب. بعد قرابة 4 أعوامٍ من انخراط المملكة السعودية في الحرب الأهلية اليمنية، يقول القادة السعوديون واليمنيون إنَّ مئات الآلاف من الألغام الأرضية غير محدَّدة المواقع التي زرعها خصومهم من الحوثيين قد تبيَّن أنَّها ربما أعتى حصونهم الدفاعية. وبيَّن القادة أنَّ المتفجرات الخفية قد ساعدت على اقتراب الصراع من الجمود، رغم القوة الجوية الفائقة والموارد الأخرى التي يتمتع بها التحالف بقيادة السعودية.

اليمن بالكامل قد يفخَّخ
أودت الألغام كذلك بحياة ما يصل إلى 920 مدنياً وأسفرت عن إصابة الآلاف، وفقاً لتصريحات خبراء إزالة الألغام. وتقول منظماتٌ حقوقيةٌ ومنظماتٌ أخرى غير حكوميةٍ إنَّ الألغام الأرضية ستغطِّي اليمن مدىً طويلاً بمتفجِّراتٍ خفيةٍ بإمكانها قتل المدنيين غير المنتبهين إلى وجودها، أو تشويههم عقوداً قادمةً، كما فعلت في أفغانستان وكولومبيا وكمبوديا، حتى تُزال جميعها. ومن جانبه، صرَّح لورين بيرسي فيسينتك، من منظمة Landmine Monitor المستقلة غير الربحية: «لقد بلغت المشكلة مستوىً استثنائياً، ولها مردودٌ شنيعٌ. إنَّ معظم الخسائر البشرية التي نراها في التقارير هي من المدنيين».

إلى جانب ذلك، تقدِّر شركةٌ غربيةٌ لإزالة الألغام استعان بها السعوديون، أنَّ الحوثيين قد زرعوا ما يزيد على مليون لغمٍ، أي أكثر من لغمٍ واحدٍ لكلّ 30 مواطناً يمنياً، وهو أعلى تركيز للألغام في أية دولةٍ أخرى منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب الصحيفة الأمريكية. قابعاً خلف جدارٍ حجريٍّ منخفضٍ على حافة نتوءٍ صخريٍّ في حي نهم وقت الظهيرة تحت سماءٍ ملبدةٍ بالغيوم، يكاد العميد محسن الخابي يرى الأضواء البعيدة في صنعاء، العاصمة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، على بُعد 23 ميلاً فحسب (37 كم). لكنَّه قال إنَّها كما لو تكون على بُعد 500 ميلٍ، إذ إنَّ الحوثيين قد زرعوا عدداً كبيراً من الألغام الأرضية بين الطرق المتعرجة والمستوطنات المتفرقة في الوادي، لدرجة أنَّ قواته اليمنية عجزت عن تحقيق أي تقدُّمٍ يُذكَر، عالقِين مدة 3 أعوامٍ في الموقع نفسه تقريباً. وأضاف: «تكمن المشكلة في أسلحة العدو غير الإنسانية: الألغام الأرضية والعبوات الناسفة». يُذكَر أن اتفاقيات جنيف تحظر استخدام الألغام الخفية والألغام المضادة للأفراد. ولم يرد الحوثيون المسيطرون على كثيرٍ من الأراضي شمال اليمن على أسئلة بخصوص تلك المسألة. ورغم الخسائر المدنية، صرَّح المسؤولون الحوثيون بأنَّهم لا يستخدمون إلا الألغام المضادة للدروع وفي ميادين الحرب فقط، لا الألغام المتفجِّرة بفعل خطوات الأقدام البشرية أو في المناطق المدنية.

إنها الحرب
وفي حديثٍ مع وكالة أنباء “أسوشيتدبرس”في شهر ديسمبر 2018، قال العميد يحيى الصاري، أحد المسؤولين الحوثيين: «هذه حربٌ، ماذا يتوقعون منا أن نفعل؟! أنستقبل الجانب الآخر بالورود؟!». في إبان رحلةٍ رتَّبها التحالف بقيادة السعودية إلى اليمن يناير 2019، فحصت صحيفة”نيويورك تايمز”  الأمريكية عشراتٍ من الألغام الأرضية المفكَّكة، وأجرت لقاءاتٍ صحفيةً مع أطباء وجنودٍ وضحايا بشأنها.

قد تكون المملكة السعودية حريصةً على لفت الانتباه إلى ألغام الحوثيين، بغية التصدي لمزاعم أنَّ المملكة وحليفتها الأولى، الإمارات العربية المتحدة، قد ارتكبتا جرائم حربٍ عن طريق شنِّ غاراتٍ جويةٍ أدت إلى مقتل آلاف المدنيين، وفرض حصارٍ جزئيٍّ هدَّد بإصابة اليمن بمجاعةٍ. علاوةً على أنَّ بعض غاراتهما الجوية قد استخدمت قنابل عنقوديةً، والتي من الممكن أن تمثِّل تهديداً على المدى الطويل مماثلاً لتهديد الألغام الأرضية، كما تقول الصحيفة الأمريكية. لكن، تقول جهات الرصد المستقلة إنَّ ما يبدو هو أنَّ الحوثيين قد زرعوا جميع الألغام الأرضية والمتفجرات الأخرى المدفونة في أرض اليمن، أو الجزء الأعظم منها.

وعادةً ما يُعَدُّ زرع الألغام تكتيكاً تستخدمه القوات العسكرية عند الدفاع عن أرضها أو عند التقهقر منها، كما فعل الحوثيون منذ بدء التدخل العسكري في اليمن بقيادة السعودية. ويزعم السعوديون كذلك أنَّ الألغام تُعتبَر دليلاً جديداً على العلاقات بين الحوثيين ودولة إيران، الخصم الإقليمي للمملكة.

فعلى مدار السنوات الأربع الماضية، استعاد السعوديون كثيراً من قطع الصواريخ الحوثية، التي يزعم المسؤولون السعوديون والغربيون أنَّ منشأها في إيران. والآن خلصت منظمة Conflict Armament Research المستقلة إلى أنَّ بعض مكوِّنات الألغام أو الفخاخ المماثلة التي صنعها الحوثيون «منشؤها في إيران» هي الأخرى.

وكان تقرير المنظمة تموله جزئياً دولة الإمارات إلى جانب حكوماتٍ غربيةٍ والاتحاد الأوروبي. وتشير العلامات الموجودة على كثيرٍ من الألغام الأقدم التي استرجعتها القوات التي تدعمها السعودية، إلى أنَّها قد صُنِّعَت في روسيا أو شرق أوروبا. ومن المحتمل أنَّ الحوثيين قد حصلوا عليها من المخزونات الاحتياطية التابعة للحكومة السابقة في صنعاء، التي استولى عليها الحوثيون في أواخر عام 2014، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ألغام بصناعة محلية
لكن، يبدو كذلك أن الحوثيين قد أسَّسوا مصانع بغرض إنتاج آلافٍ من ألغامهم الأرضية فطيرية الشكل بالجملة، على كلٍّ منها رقمٌ متسلسلٌ خاصٌّ باللغة العربية، وفقاً لمنظمة Conflict Armament Research وخبراء آخرين. وقد أطلقت فرق إزالة الألغام على الألغام محلية الصنع اسم «يمنية كبيرة»، بوزنٍ يقارب 5 كيلوغرامات، و»يمنية صغيرة»، بوزن 4 كيلوغرامات تقريباً. وفي زيارةٍ لحي حيران، بصحراء اليمن الشمالية، استعرض جنودٌ يمنيون تدعمهم السعودية ما زعموا أنَّها ألغامٌ أرضيةٌ تابعةٌ للحوثيين، بعضها منكَّرٌ في صورة صخورٍ صغيرةٍ ذات مستشعرات حركة خفية تعمل بالأشعة تحت الحمراء. وبالقرب كانت هناك كومةٌ مكدَّسةٌ مما قال الجنود إنَّها أكثر من 4 آلاف لغمٍ من النوع اليمني فطيري الشكل جرت إزالتها على مدار الشهرين الماضيَين. وعلى حد قول ضيف أحمد عبد الله صالح، أحد ضباط الجيش اليمني، كان الحوثيون «يكسون الأرض» بها. ومن ناحيتهم، أوضح ضباط عسكريون سعوديون أنَّ الحوثيين قد زرعوا كذلك ألغاماً أرضيةً على أرض المملكة السعودية، وهو ما قد يثير التساؤلات بشأن مدى فاعلية وسائل الأمن الحدودية في المملكة.

ووفقاً للعميد فيصل بن يحيى حكمي، الضابط السعودي المسؤول عن المنطقة الحدودية المحيطة بمنطقة جازان، فإنَّ الحوثيين «يتسلَّلون إلى داخل الحدود السعودية، ويزرعون ألغامهم، ثم يولُّون مدبِرين»، بحسب الصحيفة الأمريكية. وأضاف أنَّ هنالك «كثيراً، وكثيراً من الخسائر العسكرية داخل الحدود».

وفي الشهر الماضي (يناير 2019)، أدَّى أحد ألغام الحوثيين إلى تفجير سيارةٍ عائليةٍ داخل منطقة جازان، وهو ما أسفر عن مقتل طفلٍ في العاشرة من عمره، وفقاً لمتحدثٍ باسم الجيش السعودي وتقارير إخباريةٍ سعوديةٍ.

وقد صرَّح مسؤولون لوكالة الأنباء السعودية بأنَّ اللغم قد انجرف عبر الحدود قادماً من اليمن بفعل سقوط أمطارٍ غزيرةٍ. في إحدى عيادات مأرب، كان الجنود مصطفِّين بانتظار الأطراف الاصطناعية البدائية البديلة لأقدامهم أو سيقانهم المفقودة، وهي عبارةٌ عن قوالب بلاستيكيةٍ توضع على الجَدَعات وعمودٍ فولاذيٍّ ممتدٍّ من القوالب إلى الأرض، بحسب الصحيفة الأمريكية.

فقد محمد شوميلاء كلتا قدميه، وهو جنديٌّ في الثانية والثلاثين من عمره من محافظة البيضاء الجنوبية اليمنية. وقال: «لا نملك وقتاً لتفكيك الألغام الأرضية. إنَّما نفسح طريقاً. إذا ركَّزنا على نزع الألغام لما أحرزنا أي تقدُّمٍ». في السياق ذاته، أوضح ضباط يمنيون أن قواتهم غالباً لا تملك سبيلاً أفضل لنزع الألغام من نخزِها بالحِراب. وقال زيد الحارسي، أحد ضباط الجيش اليمني: «يرجع هذا إلى فقر القدرات»، إذ تفتقر قواته إلى كواشف الألغام الحديثة، بالإضافة إلى الأشخاص المدرَّبين على استخدامها، مضيفاً: «الطرق البدائية سهلةٌ ويمكن تعلُّمها بسرعةٍ أكبر».

بينما قال الدكتور محمد عبده القباطي، مدير العيادة، إنَّ 90% من مرضى الأطراف البديلة قد تعرضوا لانفجار ألغامٍ أرضيةٍ. وتابع قائلاً إن العيادة قد صنعت ما يفوق 900 طرفٍ اصطناعيٍّ لما يزيد على 600 شخصٍ على مدار العام ونصف العام الماضيَين. وجاء على لسانه: «الألغام هي مشكلتنا، وهي سبب الموقف البائس الذي نعانيه».

ضحايا الألغام
وكذلك صرَّح عفيف جميل، وهو جندي من مدينة تعز الواقعة جنوب غربي اليمن، قال إنَّ عمره تقريباً 21 أو 22 عاماً، بأنَّه كان ينصب خيمةً على أرضٍ مستولىً عليها حين قطع انفجار لغمٍ أرضيٍّ كلتا ساقيه أسفل الركبتَين. وكان هناك فتىً يُدعى صالح راكن، زعم أنَّه في العاشرة من عمره لكنَّه بدا أقرب إلى الخامسة، وقد قال إنه كان يركض لعباً برفقة صديقَين له قرب منزله في البيضاء حين أطاح لغمٌ أرضيٌّ بالجزء السفلي من ساقه. يتسلَّى صالح، العاجز عن القراءة، باللعب على هاتف أخيه المحمول، حين تكون بطاريته بالقوة الكافية. وقال متبسِّماً بفمٍ أفلج: «أشعر بالملل. لا أحد يلعب معي». وقد بيَّن الطبيب أنَّ الأطفال أمثال صالح يحتاجون أطرافاً اصطناعيةً جديدةً كل 6 أشهرٍ، لمواكبة نموِّهم.

تزعم المملكة السعودية أنَّها ستنفق 40 مليون دولار على برنامجٍ لأجل تعليم المدنيين اليمنيين أحدث الطرق لإزالة الألغام والبدء في استخراج الألغام من المناطق المأهولة بالسكان في أنحاء اليمن. وصرح مدير المشروع، أسامة القصيبي، بأنَّ المشروع هو بالشراكة مع الشركة البريطانية Dynasafe، التي استعانت بمختصِّين محنَّكين من جميع أنحاء العالم. وقد درَّبوا نحو 420 يمنيّاً، ويعمل حالياً المغتربون واليمنيون في 32 فريقاً متفرِّقين في أرجاء الدولة، وضمن ذلك المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.

وأعلن القصيبي قائلاً: «نحن لا نتحيز إلى أحدٍ». وأضاف أنَّ الفرق قد أزالت ما يقرب من 41 ألف لغمٍ خلال 7 أشهرٍ من إجمالي الألغام، المقدَّر عددها بما يزيد على مليون. وقد ارتحل كثيرٌ من الخبراء المغتربين هؤلاء معاً من إحدى مناطق الصراع إلى أخرى ما يزيد على 15 سنةً. وفي فريقٍ من نازعي المعادن المخضرمين العاملين قرب مأرب، كان يتكون من أشخاصٍ من البوسنة وكوسوفو وكرواتيا واثنين من جنوب إفريقيا، فقد اثنان منهم أطرافاً لهما في صراعاتٍ سابقةٍ. وفي الشهر الماضي (يناير 2019)، تفجَّرت مواد كانوا ينقلونها. ولقى الخمسة جميعهم مصرعهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى