تقارير وتحليلات

أمريكا تسعى لتسلّم المديرة المالية لشركة هواوي من كندا

تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية، في غضون أسبوع، المطالبة رسمياً بتسليم كندا مسؤولة كبيرة بشركة «Huawei – هواوي» للمثول أمام المحكمة في اتهماتٍ متعلقة بانتهاك العقوبات الأمريكية على إيران.

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، إنَّ مسؤولين أمريكيين سيسعون لتسليم مينغ وانتشو، المديرة المالية لشركة الاتصالات الصينية هواوي التي احتُجِزَت في كندا في الأول من ديسمبر الماضي، للولايات المتحدة. ولدى المسؤولين الأمريكيين حتى الثلاثين من يناير الجاري لتقديم الطلب.

ويريدون أن تمثل المسؤولة الكبيرة في شركة «Huawei – هواوي» أمام المحكمة في اتهماتٍ متعلقة بانتهاك العقوبات الأمريكية على إيران.

يقول مارك رايموندي، المتحدث باسم وزارة العدل الأمريكية، في بيان: «سنواصل السعي لتسليم المُدَّعية عليها مينج وانتشو، وسنلتزم بكل المُهَل التي تحددها معاهدة تسليم المجرمين بين الولايات المتحدة وكندا. إنَّنا نُقدِّر كثيراً دعم كندا المتواصل في جهودنا المشتركة لإنفاذ سيادة القانون».

وسيأتي طلب الولايات المتحدة في الوقت الذي يبدأ فيه المسؤولون الأمريكيون والصينيون جولة حاسمة من المباحثات التجارية الأسبوع المقبل تهدف لتسوية خلافٍ بات بالفعل يتسبَّب في ضررٍ اقتصادي لكلا البلدين. ومن المتوقع أن تبدأ المباحثات في 30 يناير بواشنطن، حين يلتقي وفدٌ يقوده كبير المفاوضين التجاريين الصينيين ليو خه مع وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين والممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر.

ويحاول المسؤولون الأمريكيون والصينيون تصوير اعتقال مينغ باعتباره شأناً منفصلاً عن المباحثات التجارية، التي تجري على خلفية موعدٍ نهائي يوافق الثاني من مارس المقبل حدَّده كلٌ من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينج.

لكنَّ إدارة ترامب تخلط على نحوٍ متزايد الحديث عن مخاوف الأمن القومي المتعلقة بالشركات الصينية مع مواقفها بشأن التجارة. ويحاول المسؤولون الأمريكيون التضييق على أنشطة معينة لشركات الاتصالات الصينية مثل هواوي، الشركة الساعية لبناء شبكات الجيل القادم للهاتف الخلوي والبيانات في البلدان بمختلف أنحاء العالم.

مواطنة صينية وابنة مؤسس شركة هواوي

وعبَّرت الصين بالفعل عن قلقها من احتجاز مينغ، وهي مواطنة صينية وابنة مؤسس شركة هواوي، والتي فجَّر اعتقالها أزمةً دبلوماسية تنخرط فيها كلٌّ من الولايات المتحدة وكندا والصين. وتعيش مينغ حالياً مع أسرتها في أحد منازلها بمدينة فانكوفر الكندية. وأصدرت محكمة كندية في ديسمبر/كانون الأول حكمها بعدم توجُّب بقاء مينغ في السجن، لكنَّها قالت إنَّ السلطات قد تراقبها عن كثب، وإنَّه لا يمكنها دخول مناطق معينة في فانكوفر.

وقال مسؤولٌ كبير بوزارة الخارجية الكندية إنَّ الحكومة الكندية تتوقع أن تمضي الولايات المتحدة قدماً في طلبها لإرسال مينج إليها لتواجه اتهامات بأنَّها كذبت على مصارف أمريكية بشأن جهود هواوي للتهرب من العقوبات على إيران. وكان قد أُلقي القبض على مينغ في الأول من ديسمبر/كانون الأول بمطار فانكوفر أثناء توقفها هناك في رحلة بين الصين وأمريكا اللاتينية، وتنص المعاهدة على أنَّ الولايات المتحدة يتعين عليها تقديم طلب تسليمٍ رسمي في غضون 60 يوماً من توقيف المشتبه به.

وبمجرد تسلُّم كندا للطلب، ستنتقل العملية إلى المحاكم الكندية، التي ستحدد ما إن كان يمكن تسليم مينغ أم لا. وإن  أيَّدت المحاكم إمكانية تسليمها، فإنَّ وزير العدل الكندي سيتخذ القرار النهائي. وقال المسؤول الكندي إنَّ العملية قد تستغرق أشهراً أو سنوات؛ لأنَّ القرار الأول الذي تصدره المحكمة قابل للاستئناف أمام محكمة أعلى درجة.

وقال متحدثٌ باسم وزارة العدل الكندية، مساء أمس الثلاثاء 22 يناير، إنَّ المحكمة العليا بمقاطعة بريتيش كولومبيا حددت جلسة استماع تُعقَد يوم 6 فبراير/شباط المقبل لتأكيد أنَّ الولايات المتحدة قدَّمت طلب تسليمٍ رسمياً قبل انتهاء الموعد النهائي.

وأشارت وزارة الخارجية الصينية، الثلاثاء، إلى أنَّ مصير مينغ سيُؤخذ في الاعتبار عند استكمال المباحثات التجارية. وعند سؤال المتحدثة باسم الخارجية الصينيةهوا تشون ينغ مباشرةً عما إن إمكانية تأثير عملية التسليم على المفاوضات، قالت: «هذه القضية خطأٌ فادح، ونحث الولايات المتحدة على تصحيح خطئها فوراً».

وفي حين يُصِرُّ المسؤولون الأمريكيون على أنَّ قضية مينغ ليست موضع نظر في المفاوضات التجارية، أشار ترامب في ديسمبر/كانون الأول إلى أنَّه قد يتدخَّل في المسألة إن كان من شأن ذلك أن يساعد في التوصل إلى اتفاقٍ تجاري.

ويُحذِّر مسؤولو إدارة ترامب على نحوٍ متزايد من أنَّ الوصول إلى تسويةٍ للحرب التجارية المتبادلة سيكون صعباً.

فقال لاري كودلو، مدير المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض، الثلاثاء الماضي، في إشارةٍ لحجم التغييرات الهيكلية التي تطلبها الولايات المتحدة من الصين: «أعترف بدرجة الصعوبة. لكن في نهاية المطاف، ينبغي أن يكون الأمر في مصلحة أمريكا».

ويقول أعضاء مجتمع الأمن القومي في الولايات المتحدة إنَّ هناك مخاطرة بأن يصبح مصير مينغ مرتبطاً باعتباراتٍ تجارية.

وقال ديفيد لاوفمان، وهو محامٍ بواشنطن يتولى رئاسة قسم مكافحة التجسس والرقابة على الصادرات بوزارة العدل الأمريكية: «بالنظر إلى التقارير السابقة، قد تقرر الإدارة في أي لحظة أنَّ الحصول على تنازلات تجارية أمرٌ أكثر أهمية للمصالح الأمريكية من محاكمة هذا الشخص (مينج)». ورفض لوفمان التعليق على تفاصيل القضية.

جاء إلقاء القبض على مينغ بعد تحقيقٍ استمر سنوات من جانب مسؤولي وزارة العدل في بروكلين، الذين كانوا يبحثون في ما إن كانت شركة مرتبطة بهواوي مارست أعمالاً تجارية مع إيران على نحوٍ ينتهك العقوبات، وما إن كانت مينغ كذبت على المصارف الأمريكية بشأن صلات هواوي بشركةٍ أصغر، تُسمَّى Skycom. ويهدف مسؤولو وزارة العدل لاتهام مينغ بالاحتيال.

دوافع سياسية واقتصادية ضد انطلاق هواوي

ويقول المسؤولون الصينيون إنَّ إلقاء القبض على مينغ كان يستند إلى دوافع سياسية ومرتبطاً بحملةٍ أوسع من جانب إدارة ترامب ضد هواوي.

وتحث الولايات المتحدة الدولَ الأخرى لمنع هواوي من بناء شبكاتها، متذرِّعةً بمخاوف أمنية تفرضها الشركة. ويشير المسؤولون الأمريكيون كثيراً إلى أنَّ مؤسس هواوي ووالد مينغ، رين تشينغفاي، كان قبل عقود جندياً في جيش التحرير الشعبي الصيني. وعبَّر بعض حلفاء الولايات المتحدة، على رأسهم أستراليا، عن مخاوف أمنية شبيهة حيال هواوي.

 

وفي 15 يناير، سعى رين في مقابلةٍ نادرة مع مجموعة من الصحفيين الدوليين لتهدئة مخاوف البلدان الأخرى حول هواوي ونقاط الضعف الأمنية، قائلاً إنَّ هواوي لن ترضخ لأي طلبات من المسؤولين الصينيين لتقديم معلوماتٍ جرى الحصول عليها عبر تقنياتها إلى الحكومة الصينية والحزب الشيوعي.

وبعد أيام من إلقاء القبض على مينغ، احتجز مسؤولو الأمن الصينيون على نحوٍ منفصل رجلين كنديين، مايكل كوفريغ ومايكل سبافور، شمالي الصين. وكوفريغ هو دبلوماسي في عطلة عن العمل وباحث لدى مجموعة الأزمات الدولية، في حين أنَّ سبافور رائد أعمال ينظم جولات إلى كوريا الشمالية. وقال المسؤولون الصينيون إنَّ المسؤولين الأمنيين يحققون مع الرجلين في اتهاماتٍ محتملة متعلقة بالأمن القومي. وقالت كندا إنَّ إلقاء القبض علي مواطنيها تعسُّفيّ، ويقول محللون إنَّه من الواضح أنَّ الرجلين احتُجِزا رهائن لمقايضتهما بمينغ.

وفي يوم الإثنين 21 يناير، أصدر أكثر من 100 أكاديمي ودبلوماسي سابق رسالة مفتوحة يدعون فيها الصين للإفراج عن الرجلين فوراً.

وأصدرت محكمة صينية، الأسبوع الماضي، حكماً بالإعدام على روبرت لويد شيلينبيرغ، وهو رجل كندي أُدين بتهريب المخدرات، الأمر الذي زاد التوترات أكثر.

ونشرت صحيفة The Globe and Mail، وهي صحيفة تصدر في مدينة تورونتو الكندية، يوم الإثنين، مقالاً قال فيه السفير الكندي لدى الولايات المتحدة ديفيد ماكنوتون إنَّ المسؤولين الأمريكيين سيمضون قدماً بطلب التسليم.

وقالت وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند مراراً إنَّ المحاكم الكندية ستصدر قرارها استناداً فقط إلى الاعتبارات القانونية وليس السياسة. وشدَّدت فريلاند على هذا النهج بعدما صرَّح ترامب لوكالة رويترز في مقابلةٍ جرت في ديسمبر الماضي بأنَّه قد يُوقِف تسليم مينغ إذا عرضت الصين تنازلاتٍ كافية في المفاوضات المتواصلة الرامية لإنهاء الحرب التجارية الباهظة بين الولايات المتحدة والصين، والمستمرة منذ بدأها ترامب الصيف الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى