تقارير وتحليلات

ترامب يتحدى الجميع ويتناول علاج الملاريا، فهل يقي فعلاً من عدوى كورونا؟

مرة أخرى أثبت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه لا يهتم برأي العلماء في معركة الوباء، وأعلن أنه يتناول علاج الملاريا، معيداً للواجهة قصة هيدروكسي كلوروكين الذي كان قد شغل العالم واحتل الصدارة في حرب البشرية ضد كورونا، قبل أن تثبت عدة دراسات في البرازيل وفرنسا والصين والولايات المتحدة أنه غير مفيد في علاج كورونا.

انتقادات لا يعبأ بها ساكن البيت الأبيض

أمس الإثنين 18 مايو/أيار كشف ترامب للصحفيين أنه يتناول منذ حوالي عشرة أيام عقار هيدروكسي كلوروكين المضادّ للملاريا، على سبيل الوقاية، وأكّد ترامب للصحفيين في البيت الأبيض “أتناوله منذ حوالي أسبوع ونصف.. أتناول حبّة يومياً”، وردّاً على سؤال عن سبب تناوله للعقار قال ترامب “أعتقد أنّه جيد. لقد سمعت أموراً جيدة جداً عنه. أنتم تعرفون عبارة: ما الذي ستخسره؟”.

تصريحات ترامب أثارت انتقادات عنيفة في الأوساط العلمية والسياسية في الولايات المتحدة، حيث قالت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي في حديث مع قناة “سي إن إن”، “لا أعتقد أن هذه فكرة جيدة”، مضيفةً “إنه رئيسنا ومن الأفضل ألا يتناول شيئاً لم يوافق عليه العلماء، خصوصاً في مثل فئته العمرية، ولنقل بمثل فئة وزنه، المسماة السمنة المرضية”.

كما ندد زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر بتصريحات ترامب واصفاً إياها “بالخطيرة”، وموضحاً لقناة “إم إس إن بي سي” أن “ذلك يعطي الناس آمالاً خاطئة.. وقد يضعهم بخطر أيضاً”.

واستفاض ترامب أمام الصحفيين في شرح خياره تناول العقار كسبيل وقائي، وقال “ستفاجأون بعدد الأشخاص الذين يتناولونه، خصوصاً من هم في الخط الأمامي. قبل أن يصابوا (بالفيروس)”، مكرراً أن  تناول هيدروكسي كلوروكين “لن يؤدّي إلى ضرر”، ومؤكّداً أن هذا العقار “يتم استخدامه منذ 40 عاماً (…) الكثير من الأطباء يتناولونه”.

رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي /رويترز

وأشار إلى أن خياره تناول العقار يأتي بمبادرة شخصية لكنه تلقى الضوء الأخضر من طبيب البيت الأبيض شون كونلي، قائلاً: “قلت له: ماذا تعتقد؟ وأجاب: إذا شئت ذلك. وأجبته: نعم أود ذلك”.

وبعد ذلك، أكد كونلي أنه “بعد نقاشات عديدة” مع ساكن البيت الأبيض استنتج أن “الفوائد المحتملة لهذا العلاج تفوق المخاطر المتصلة به”.

ماذا أظهرت الدراسات الأمريكية؟

إعلان ترامب يأتي بعد نحو شهر من الكشف عن نتائج دراسة كانت الأكبر من نوعها وقتها، بشأن فاعلية دواء هيدروكسي كلوروكين في علاج مرضى كوفيد-19 أو فيروس كورونا، وجاءت النتيجة مخيبة لآمال ترامب، الذي كان قد وصف الدواء منذ منتصف مارس/آذار تقريباً بأنه “سيغير مسار الحرب ضد وباء كورونا”.

الدراسة التي موّلتها الحكومة الأمريكية قامت بتحليل استجابة الأفراد العسكريين الأمريكيين الأكبر سناً لعقار الكلوروكين، ورغم أن التجارب كانت محدودة فإنها أضافت إلى الشكوك حول فاعلية الدواء، التي تضم لائحة المؤمنين بقدراته على الشفاء؛ ترامب ومؤيديه من اليمين وشبكة فوكس نيوز، بحسب تقرير لفرانس برس.

الباحثون اطلعوا على السجلات الطبية لـ368 من العسكريين السابقين الذين تعرضوا للإصابة بالوباء ودخلوا المستشفيات في جميع أنحاء البلاد، بعضهم توفوا والبعض الآخر خرجوا من المستشفى بحلول 11 أبريل/نيسان الماضي، وكانت معدلات الوفيات للمرضى الذين تناولوا هيدروكسي كلوروكوين 28%، مقارنة مع 22% لأولئك الذين تناولوا العقار مع المضادات الحيوية أزيثروميسين، وهو مزيج يفضله العالم الفرنسي ديدييه رول ودراسة نشرت في مارس/آذار حفزت الاهتمام العالمي به، بينما كان معدل الوفيات لأولئك الذين يتلقون رعاية قياسية 11% فقط.

الهند مسؤولة عن 70% من الإمدادات العالمية من بعض الأدوية مثل دواء هيدروكسي كلوروكوين الذي وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه دواء محتمل لمرض كوفيد-19
الهند مسؤولة عن 70% من الإمدادات العالمية من بعض الأدوية مثل دواء هيدروكسي كلوروكوين الذي وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه دواء محتمل لمرض كوفيد-19

وتم وصف هيدروكسي كلوروكوين مع أو من دون أزيثروميسين للمرضى الذين يعانون من أعراض أكثر حدة، لكن الباحثين وجدوا أن زيادة معدل الوفيات استمرت حتى بعد تعديل النموذج إحصائياً بمعدلات استخدام أعلى.

أحد عيوب الدراسة أنها لم تحدد عشوائياً المرضى في مجموعات البحث، لأنها أجرت تحليلاً بأثر رجعي لما حدث بالفعل، بالإضافة إلى ذلك من الصعب تعميم النتائج لأن المستجيبين يتمتعون بخصائص محددة، حيث إن معظمهم من الذكور بمتوسط ​​عمر يزيد عن 65 عاماً، وهي مجموعة تتأثر بشكل غير متناسب بالأمراض الأساسية مثل مرض السكري وأمراض القلب.

دراسات في فرنسا والبرازيل والصين

لكن الدراسة الأمريكية لم تكن الأولى التي أجريت على العقار، الذي تحول لقضية سياسية منذ 19 مارس/آذار الماضي، عندما أعلن ترامب أنه علاج فعال ضد الفيروس، حيث نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز تقريراً بعنوان: “فشل علاج الملاريا في مساعدة مرضى كورونا”، تناولت فيه عدداً من الدراسات حول العالم.

أثبتت الأبحاث التي أجريت في فرنسا أن الهيدروكسي كلوروكين لم يساعد في تقليل وفيات كورونا، ولا تخفيض أعداد المصابين الذين تتدهور حالتهم ويتم نقلهم للعناية المركزة، بينما أظهرت دراسات أجريت في البرازيل والصين أن نفس العلاج فشل في مساعدة المرضى ذوي الأعراض الخفيفة والمتوسطة في التعافي من الفيروس بشكل أسرع من هؤلاء الذين لم يتعاطوه.

ففي البرازيل، استمرت التجارب باستخدام علاج الملاريا 13 يوماً فقط، نتج عنها حالتا وفاة ومشاكل تتعلق بالقلب لدى كل من خضعوا له، ما أدى لتغيير الجرعات أكثر من مرة، وأخيراً تم وقف التجارب بعد تزايد “حالات الخطر” بين من خضعوا للتجربة.

وقال الدكتور مايكل بيلينغر للصحيفة: “انطباعي حتى الآن هو أن تلك العلاجات عبارة عن احتمالية بعيدة الترجيح. والسؤال هو: هل هناك منفعة محتملة من وراء تلك التجارب، حيث نعطي العلاج للمريض وندعو أن ينجح في شفائه، أنا لست متشجعاً لتلك التجارب”.  بيلينغر أستاذ في جامعة نيويورك ورئيس قسم الروماتيزم في الرعاية الصحية لشؤون المحاربين القدامى في ميناء نيويورك.

وكتب الباحثون في الدراسة البرازيلية في تقرير النتائج أنهم لا يوصون باستخدام الكلوروكين بجرعات عالية لعلاج مرضى كورونا، نظراً للمخاطر الصحية المحتملة، وكان الرئيس البرازيلي هايير بولزونارو -أحد المتشبهين بترامب- قد روّج بشدة للعقار تماماً كما فعل ترامب، وعبر الباحثون عن استيائهم من أن تصريحات الرئيس قد تسببت في ضغوط كبيرة عليهم أثناء إجراء الدراسة.

وفي فرنسا أُجريت تجارب سريرية تقليدية على 181 من المصابين بالفيروس، في أربعة مستشفيات فرنسية خلال الأسبوعين الأخيرين من مارس/آذار، وتمت مقارنة حالة 84 شخصاً تناولوا جرعات هيدروكسي كلوروكين مقابل 91 مريضاً لم يتناولوا العلاج على الإطلاق، ووجد الباحثون أن علاج هيدروكسي كلوروكين لم يقلل احتمالات وفاة أي من المرضى أو تطور الأعراض لديهم بحيث تستدعي حالاتهم وضعهم على أجهزة التنفس.

الدكتورة ديبورا بيركس والمسؤولين في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها
الدكتورة ديبورا بيركس والمسؤولين في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها

لكن العلاج قد رفع من بعض المخاطر الصحية، حيث تعرض 8 من الـ84 مريضاً لمصاعب صحية تتعلق بضربات القلب وانتظامها، لدرجة اضطرت الباحثين لوقف الجرعات، كما ظهرت لدى مريض آخر صعوبات تتعلق أيضاً بانتظام نبضات القلب، وسجل الباحثون الفرنسيون في نتائج الدراسة أن “النتائج السريرية السلبية لهذه الدراسة تدفع بسلبية الاستعمال الكبير للهيدروكسي كلوروكين لعلاج مرضى كوفيد-19 الذين يعانون من الالتهاب الرئوي”.

ورغم أن الدراسة التي أُجريت في الصين استمرت 28 يوماً وحملت بعض الأنباء الجيدة، فإنها لم تتعدَ شعور بعض من تناولوا العلاج بتحسن حالتهم، أو بمعنى أدق قدرتهم على تحمل الأعراض، لكن لم تسجل الدراسة نجاحاً في علاج الأعراض أو التقليل من نسبة من تتطور لديهم الأعراض.

هل تتسبب السياسة في إضعاف موقف العلماء؟

الحقيقة أن قصة هذا العلاج تلقي الضوء على أحد أهم أسباب صعوبة وتعقيد الحرب ضد فيروس كورونا، وهي تسييس قضية طبية وعلمية بحتة من جانب القوتين الأكبر وهما الصين والولايات المتحدة، بينما العالم كله بما فيه الشعبان الصيني والأمريكي يدفعون حياتهم ذاتها ثمناً.

فالصين، حيث نشأ الفيروس في وقت ما، من نوفمبر/تشرين الثاني أو ديسمبر/كانون الأول الماضي، لم تتعامل مع الأمر كخطر صحي يجب أن يكون الأطباء وعلماء الفيروسات في مقدمة الصفوف الأولى لمحاربته، بل سعت لاعتقال وقمع الأطباء الذين دقوا ناقوس الخطر في البداية، حتى خرج الفيروس من معقله ووهان، وأخذ يتحور ويتوحش ليودي بحياة أكثر من 320 ألف مواطن حول العالم، وأصاب ما يقرب من خمسة ملايين حتى اليوم الثلاثاء 19 مايو/أيار.

وكان ترامب -من جانبه- قد تلقّف دراسة صغيرة محدودة (لو أردت القصة الكاملة وراء العقار السياسي لعلاج كورونا، اضغط الرابط لبعض الباحثين، وفي مراحلها الأولى تتحدث عن احتمالية كون عقار الهيدروكسي كلوروكين ذا مفعول جيد في علاج مصابي كورونا، وأعلن أن بلاده وجدت العلاج الناجع لكورونا والسلاح الذي سيقهر الفيروس، واستخدم سلطاته كرئيس لأقوى دولة في العالم كي تصدر هيئة الأغذية والعقاقير في بلاده “موافقة طارئة” على استخدام العقار كعلاج لمصابي الوباء “انتظاراً لمزيد من البيانات ونتائج التجارب”، وهي سابقة لم تحدث في التاريخ.

وقبل نحو عشرة أيام فقط، أظهرت دراسة أخرى نشرت في مجلة “نيو انغلاند” الطبية أنّ تناول عقار هيدروكسي كلوروكين لم يؤدّ إلى أيّ تحسّن كبير أو تدهور كبير في حالة مرضى بكوفيد-19 يعانون من عوارض خطرة، كما لم تثبت أي دراسة أو رأي علمي أن العقار قادر على وقاية من يتناوله من الإصابة بوباء كورونا، حيث كان البعض قد أشاع أن انخفاض عدد حالات الإصابة بكورونا في بعض دول الشرق الأوسط وإفريقيا والهند هو التطعيم ضد الملاريا، لكن تفشي الوباء في تلك الدول يؤكد أن ذلك غير صحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى