تقارير وتحليلات

فورين أفيرز: التصعيد مع إيران قد يقود لكارثة غير مقصودة

نشر موقع “فورين أفيرز” تحليلا تحت عنوان “الطريق للحرب مع إيران” حذر فيه كاتبه فيليب غوردون من التصعيد الذي قد يقود إلى كارثة غير مقصودة. وناقش جوردون الزميل في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي والمساعد الخاص لللرئيس ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج في عهد باراك أوباما إن الرئيس ترامب عندما خرج من الإتفاقية النووية في مايو قال النقاد إنه وضع الطريق أمام الحرب. ويعلق أن الإتفاقية لم تكن كاملة وهو ما اعترف بها مؤيدو الخطة ولكن لو خرجت الولايات المتحدة بطريقة متهورة من الإتفاقية وانهارت فقد تعود إيران إلى برامجها وتخصيب اليورانيوم، ومن أجل وقفها على الولايات المتحدة أن تستخدم القوة. وهو ما سيؤدي إلى إشعال حرب واسعة. إلا أن المسؤولين في الإدارة والمعارضين الآخرين رفضوا مظاهر القلق هذه، حتى عندما أكدوا أنه في غياب الإتفاق فالطريقة الوحيدة لوقف البرنامج النووي هو استخدام الخيار العسكري. ويبدو أن دورة التصعيد هي في الطريق الآن. فكجزء من “الضغوط القصوى” قامت الإدارة الإمريكية في هذا الشهر وحده بتصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية وألغت الإعفاءات التي منحتها لدول كي تستورد النفط الإيراني وفرضت عقوبات أخري لشل الإقتصاد بل وأرسلت مقاتلات وحاملات طائرات إلى الخليج كي ترسل رسالة لا غموض فيها لإيران حتى لا تفكر بالتعرض للولايات المتحدة. وكما هو متوقع لم ترد إيران من خلال الخنوع للولايات المتحدة ولا الإنهيار بل ردت بحملة ضغط. ففي 8 مايو لن الرئيس حسن روحاني عن خروج إيران من بعض بنود العقد ومنح الدول الأوروبية 60 يوما التحرك للحفاظ على المعاهدة النووية، وهو أمر يستحيل عمله. وبعد أربعة أيام تم تخريب أربع ناقلات نفط سعودية قرب ساحل الإمارات وتبع بعد يومين ضربات بالطائرات المسيرة على خطوط نفط. ولم يتم إثبات دور إيراني في كل الأحداث، مع أن الحرس الثوري لجأ في الماضي لهجمات منسقة لا يمكن تتبع أثرها. ولهذا السبب حذر الجيش الأمريكي والمخابرات من إمكانية حدوث هجمات انتقامية.

ويقول غوردون إن الولايات المتحدة سربت معلومات أمنية عن قيام إيران بتحضير صواريخ فوق قوارب. وذهبت الحكومة الأمريكية أبعد من هذا عندما قامت بإجلاء موظفين من السفارة في بغداد وسربت الخطط التي قدمتها البنتاغون وتقضي بإرسال 120.000 جندي إلى الخليج. ووصف ترامب الخطط هذه بأنها “أخبار مزيفة” مضيفا إلى أنه “سيرسل قوات أكثر من هذه”. وأشار غوردون إلى تصريحات المسؤولين في الإدارة مثل مايك بومبيو الذي أكد رد أمريكا على أي هجوم ضد المصالح الأمريكية. ودعوات صحف سعودية مقربة من الدولة إلى عملية “جراحية” ضد إيران. في وقت تكهن أنصار ترامب في الكونغرس، مثل السناتور عن أركنساس توم كوتون أن أمريكا ستنتصر بضربتين فقط “الأولى والأخيرة”.

ويرى الكاتب أن تجنب تصعيد جديد ليس سهلا خاصة أن أي من الطرفين لا يريد التنازل. والطريقة الوحيدة لتجنب النزاع هي صفقة جديدة كما يريد ترامب. وفي المقابل لن تدخل طهران في محادثات مع إدارة لا تثق بها أو حتى تتوصل إلى اتفاقية أوسع يقول ترامب إنها ضرورية، معاهدة تمنع كل عمليات التخصيب ودائمة وببرنامج تفتيش أكثر صرامة وتشمل على منع الإختبارات الباليستية وتحد من سلوك إيران. وهناك سيناريو الإنتظار على أمل هزيمة ترامب في الإنتخابات الرئاسية عام 2020 ولكن 18 شهرا هي وقت طويل تعاني خلالها من العقوبات المشددة. وعلى أي حال فقد أغلقت إيران هذا الخيار وهددت بخرق الإتفاقية النووية لو لم يتم تحصل على المساعدة الإقتصادية.

ولا يمنع هذا من زيادة التصعيد لو قررت إيران استئناف برامجها النووية واستخدام جماعاتها الوكيلة، مما سيضع أمريكا أمام تراجع عن مواقفها وتلجأ للقوة العسكرية. ويعتقد غوردون أن خيار ترامب تجاه إيران ومسيرته نحو نزاع غير مقصود يجب ألا يفاجئ أحد. فمنذ وصوله إلى البيت الأبيض خاف الكثيرون من الرئيس الذي يعتمد على نزواته والمتهور الذي لا يحترم السياسات ولا يفكر بعواقب خطاباته النارية نحو الحرب. وكشف الكاتب في مقالة نشرها عام 2017 عن إمكانية تعثر هذا الرئيس في حرب مع إيران، الصين وكوريا الشمالية. وكتب فيه وإن بطريقة افتراضية ماذا سيحدث لو حاول ترامب الحصول على صفقات أفضل من خلال المواجهة والتصعيد وبدون تقييم لما يمكن تحقيقه أو الطريقة التي سيرد فيها أعداءه.

منذ وصوله إلى البيت الأبيض خاف الكثيرون من الرئيس الذي يعتمد على نزواته والمتهور الذي لا يحترم السياسات ولا يفكر بعواقب خطاباته النارية نحو الحرب

وبعد عامين لم يتحقق أي من هذه الحروب إلا أن الأخبار السيئة هي أن الرئيس لا يزال على طريقته التي قد تؤدي لحدوثها. ويبدو أكثر استعدادا لخرق الأعراف واستعداء الحلفاء والأعداء على حد سواء. وأكثر من هذا فالمستشارون المحيطون به لا يريدون ضبطه كما فعل المسؤولون قبلهم. وفي الحقيقة ليس لديهم ذلك التصميم لتشجيعه على الإنضباط لأنه لا يخدم أهدافهم. وتعتبر إيران هي الأخطر على المدى القريب ولكنها ليست المكان الذي قد ينجر فيه ترامب لحرب غير مقصودة. ففي الصين وضع ترامب نفسه في الزاوية التي حشر نفسه فيها مع إيران.

وذلك من خلال فرض العقوبات من طرف واحد وسوء قراءته لمعارضيه وتضليل الرأي العام الأمريكي حول الكلفة والمخاطر وعواقب نهجه. ففي البداية وضع تعرفة على 50 مليار من الصادرات الصينية على أمل موافقة بيجين على صفقة أفضل، إلا أن الصين ردت بتعرفة جمركية على البضائع الأمريكية وهو الآن مستعد لفرض تعرفة على كل الصادرات الصينية التي تصل إلى 540 مليار دولار. وحتى مع زيادة الكلفة على المزارعين والمستهلكين يعتقد ترامب أنه سيواصل الحملة حتى الإنتخابات الرئاسية عام 2022.

ولا أحد يستبعد صفقة جديدة مع الصين كما هو الحال مع إيران وكذا التصعيد. وتخيل الكاتب في مقالته السابقة حربا تجارية تنزلق نحو حرب عسكرية يسبقها تصعيد كلامي، كما يحدث الآن في الصين التي بدأت صحافتها بمواجهة الولايات المتحدة واتهامها بالتنمر ونمر على الورق والإستعمارية. فنهج ترامب نحو كوريا الشمالية بدأ بتبجح وشتائم وتهديدات أدى عام 2018 لتقارب لدرجة تحدث فيها ترامب عن علاقة حب مع كيم جونغ أون. وأدت العلاقة لمنع الحرب النووية، وهذا لا يمنع تحول ترامب حالة شعر أن كوريا الشمالية أدارت ظهرها له. فعودة كوريا الشمالية لفحص أنواع جديدة من الأسلحة التكتيكية الموجهة ومصادرة الولايات المتحدة لسفينة تهريب كورية هي تذكير بإمكانية تدهور العلاقات.

وأشار الكاتب إلى فنزويلا التي دعم فيها ترامب زعيم المعارضة هناك في دعوة واضحة لتغيير النظام. وكان واثقا أنه سيطيح بحكومة نيكولاس مادورو الفاسدة. ولم يفكر ترامب أن مادورو قد يلجأ إلى العنف وبمساعدة من الصين وروسيا وكوبا. ويجد اليوم ترامب نفسه أمام خيار التراجع المهين أو البحث عن تدخل عسكري، وهو خيار لا يستبعده. وفي النهاية يرى غوردون أن ترامب يبحث على ما يبدو عن مخرج مع الصين وكوريا الشمالية رغم عنادهما، ربما لأنه فهم مخاطر التصعيد. ومع إيران قال الأسبوع الماضي إنه ينتظر مكالمة من القادة الإيرانيين. وربما توقع ترامب مستقبلا لا يخلو من نزاع غير مقصود. ولكن المخاطر لا تزال قائمة من الطريقة التي تعاملت فيها الإدارة مع هذه الملفات الثلاثة. فلم تتغير طريقة صنع الصفقات عند الرئيس حيث تنتهي المخاطرة دائما بفشل كارثي. فالنهج صار معروفا ويقوم على التهديد والتلويح بالحرب وإجبار العدو على الخنوع والقبول بالصفقة الأمريكية. وعندما تكتشف الولايات المتحدة أنها لم تأخذ بعين الإعتبار طريقة رد العدو تعود إلى الزواية بدون طريق للخروج. وفي الوقت الذي لا يبحث فيه ترامب عن الحرب إلا أن أصوات العقل التي أحاطت به قد ذهبت، فجيمس ماتيس الذي عرف الحرب وجربها ترك وزارة الدفاع منذ ستة أشهر. وليس لخليفته باتريك شانهان الموقع ولا القدرة على وقف نزعات الرئيس. أما مستشاريه في الشؤون الخارجية، مايك بومبيو، وزير الخارجية فهو متشدد يهمس في أذن ترامب ما يريد سماعه. والثاني جون بولتون، مستشار الأمن القومي الذي قال إن الوسيلة المثلي لمواجهة إيران هي قصفها. ودعا لدعم الأقليات والجماعات المتمردة فيها وخلق ظروف تقود لتغيير النظام. وفي الصين دعا لمراجعة السياسة معها وانتظار الطريقة التي سترد فيها. وطالب في فنزويلا باستخدام القوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى