تقارير وتحليلات

هل يفتح تخلي ماكرون عن حفتر الباب أمام العودة للمسار الدبلوماسي في ليبيا؟

يبدو الملف الليبي في طريقه للعودة إلى المسار السياسي، في ظل مؤشرات عديدة على أن العقبة الرئيسية في هذا المسار تتم إزاحتها بالفعل، والحديث هنا عن التصريح غير المسبوق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن خليفة حفتر والدور الروسي في الصراع، فما القصة؟

ماكرون: فرنسا لا تدعم حفتر

أمس الإثنين 29 يونيو، أعلن ماكرون -أكثر زعماء أوروبا والعالم انشغالاً بليبيا من خلال تصريحاته شبه اليومية- أن بلاده لا تدعم زعيم ميليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس الفرنسي بهذا الشكل المباشر وينفي تقديم الدعم للجنرال المهزوم.

ماكرون قال نصاً: “أريد أن أوضح فكرة خاطئة، فرنسا لا تدعم حفتر لكنها تسعى بالأحرى إلى حل سلمي دائم”.

وتأتي هذه التصريحات بعد يوم واحد من نشر صحيفة الاندبندنت البريطانية مقالاً بعنوان: “دعم فرنسا لحفتر في ليبيا بدأت تظهر آثاره السيئة”، تناول المأزق الذي وضع ماكرون فرنسا فيه من خلال تقديم الدعم لزعيم الحرب الذي انقلب على الحكومة الشرعية المعترف بها أوروبياً وأممياً، والآن بعد الهزائم المتتالية لحفتر وعودته إلى بني غازي، أصبحت باريس في موقف لا تحسد عليه.

حفتر وماكرون/ رويترز

المقال رصد الدعم الفرنسي لحفتر تحت “زعم محاربة الإرهاب في ليبيا، وكيف أن ذلك تسبب في انتقادات كبيرة، خصوصاً لوزارة الخارجية الفرنسية تجاه استراتيجية دعمها لحفتر”، مضيفاً أن “فرنسا دعمت حفتر واثقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، لتجد نفسها وحيدة الآن، ولم تجن أية فائدة من دعمها السياسي والدبلوماسي الذي قامت به، بعد الخسائر المتكبدة لحفتر”.

اجتماع ماكرون وبوتين

تصريحات الرئيس الفرنسي بشأن الوضع في ليبيا والإعلان عن “عدم دعم حفتر” تأتي أيضاً بعد أيام قليلة من الاجتماع الذي عقده ماكرون مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الجمعة الماضية تناولا خلاله الأوضاع في ليبيا، بحسب بيان صدر قبل الاجتماع عن قصر الإليزيه.

بوتين وماكرون/ رويترز

وربما يكون تخلي ماكرون عن دعم حفتر المؤشر الأبرز حتى الآن على قرب انتهاء دور “رجل شرق ليبيا القوي” كما كانت تسميه وسائل الإعلام الفرنسية، في ظل الأنباء عن زيارة وشيكة لرئيس برلمان طبرق عقيلة صالح إلى موسكو، حيث بدأ نجم صالح يلمع كبديل لحفتر في الأسابيع الأخيرة بعد الهزائم المتتالية التي منيت بها ميليشيات شرق ليبيا المدعومة من الإمارات ومصر وروسيا وفرنسا أمام الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً والمدعومة من تركيا.

زيارة عقيلة صالح لموسكو

أنباء زيارة صالح إلى موسكو نقلتها وسائل إعلام مصرية نقلاً عن وكالة سبوتنيك الروسية، حيث صرح أحميدة حومه نائب عقيلة صالح أحميدة حومه بأن هناك ترتيبات لزيارة وفد برلماني برئاسة صالح إلى روسيا خلال الأيام المقبلة.

الزيارة تأتي استجابة لدعوة من الجانب الروسي إلى الطرف الليبي حيث قال “حومة” إن الزيارة تتضمن مناقشة عدد من القضايا، أبرزها “إعلان القاهرة”، ومخرجات مؤتمر برلين​​​: “هناك ترتيب في بداية يوليو المقبل لزيارة للمستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، إلى دولة روسيا للتحدث عن العديد من القضايا، على رأسها مناقشة مبادرة أو إعلان القاهرة، وكذلك مخرجات مؤتمر برلين، وأيضاً مبادرة رئيس مجلس النواب للمحاولة في الدفع بهذا الاتجاه، وهو وقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية، أو بما معناه دعم الجهود الروسية الرامية لهذا الاتجاه”.

عقيلة صالح وماكرون خلال مؤتمر حول ليبيا احتضنته فرنسا (أرشيف)/ رويترز

الوفاق لن تجلس مع حفتر

كانت الإمارات أيضاً قد وجهت انتقادات غير مسبوقة لحفتر قبل نحو عشرة أيام، وجاءت على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش: “لقد اتخذ بعض أصدقائنا قرارات فردية وأحادية الجانب، ولقد رأينا ذلك مع الجنرال حفتر في ليبيا”، وهو ما اعتبره المراقبون وقتها مؤشراً على انتهاء دور حفتر في ليبيا وفشل مشروعه بعد أن خسر داعموه رهانهم عليه.

وقد أعلنت حكومة الوفاق وتركيا أنها لن تجلس مع حفتر على طاولة المفاوضات بعد أن أثبتت التجارب السابقة أنه لا يحترم كلمته، وهذه النقطة تحديداً تعتبر روسيا شاهداً أساسياً عليها بعد الانسحاب المفاجئ لحفتر من موسكو في يناير/كانون الثاني الماضي قبل أن يوقع على اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه موسكو ووقعت عليه حكومة الوفاق بالفعل، مما سبب إحراجاً كبيراً لبوتين وقتها.

وبالتالي فإن غياب حفتر نهائياً عن المشهد الليبي ربما يمثل بارقة أمل في العودة لمائدة التفاوض مرة أخرى والتوصل لصيغة تفاهم تجنب الليبيين سفك الدماء وهو ما يتمناه الجميع، وربما لا يكون عقيلة صالح خياراً نموذجياً بالنسبة لفرص إقرار سلطة مدنية ديمقراطية على كامل التراب الليبي – الرجل كان يدعم حفتر ولم يتخل عنه إلا بعد أن أعلن الأخير نفسه حاكماً عسكرياً عاماً على ليبيا في أبريل/نيسان الماضي – لكنه، أي صالح، يظل أقل دموية من حفتر بالتأكيد.

المؤشرات الدالة على قرب انتهاء دور حفتر في ليبيا كثيرة، والمؤشرات على أن المسار السياسي بات الآن أقرب من المسار العسكري تبدو مرجحة نتيجة لغياب الرجل الذي انقلب بالأساس على العملية السياسية قبل أيام فقط من عقد المؤتمر الوطني برعاية الأمم المتحدة، التي كان أمينها العام في طرابلس وقت أن أعلن حفتر هجومه على العاصمة.

فعدة دول بدأت ترى في عقيلة صالح بديلاً مقبولاً يمكنه أن يفاوض الحكومة الشرعية، التي ترفض الجلوس مع حفتر، وخلال الأسابيع الأخيرة، استقبل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، عقيلة صالح، الذي زار القاهرة مرتين خلال فترة وجيزة، كما تواصل هاتفياً مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في 26 مايو/أيار الماضي.

وهذه الاتصالات الدولية إلى جانب حشد قبائل برقة إلى صفه، تهدف لإزاحة حفتر تدريجياً من المشهد الليبي حتى لا يحدث أي انهيار أمني في المنطقة الشرقية، وبالتالي فإن إعلان ماكرون أن بلاده لا تدعم حفتر – وهو ما لم يحدث مطلقاً من قبل – ربما يكون المؤشر الأقوى حتى الآن على أن تسوية سياسية للأزمة الليبية ربما باتت أقرب مما كانت عليه قبل أسابيع قليلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى