تقارير وتحليلات

Salma Arastu إنسانية التنوع جماليات التشكيل .. “لنجمع العالم معًا في الألوان والخطوط، ونحتفل بالحياة ونشيد بخالقنا”

Salma Arastu إنسانية التنوع جماليات التشكيل

 

“لنجمع العالم معًا في الألوان والخطوط، ونحتفل بالحياة ونشيد بخالقنا”

 

تحمل الهند في تصوراتها التعبيرية الثقافية خصوصية التنوع الفني البصري التشكيلي تلك التي من خلالها تنبثق الحكمة وهي تروّض الجمال وتفتح له منافذ التطويع المنسجم مع العالم والانسان بكل اتقان وحرفية ورؤى بصرية لها توافقاتها المفاهيمية المُنتصرة للذات الإنسانية، إنها التصورات التي آمنت بها التشكيلية الهندية سلمى أراستو وهي تنتقل من تجربة إلى تجربة ومن رحلة جمالية إلى أخرى شعارها الجمالي الأرض والانسان والتراث والحضارة والتاريخ فمن التجريد إلى الواقعية ومن الطبيعة إلى الخط العربي حملت رؤاها أبعد في تحمّل الصورة وتكثيف الجمال لتكوّن رحلة رشحت بألوانها عليها فأثّرت على المدرسة الفنية الغربية كما أثّرت في تطلّعاتها الشرقية المتماهية مع الاندماج والتكامل الفكري الفني البصري.

*مقتنيات Farhat Art Museum

وتعدّ سلمى أراستو واحدة من أبرز التشكيليات الهنديات من حيث التجريب والتنويع والتخصّص بين الرسم والنحت لها تصوّراتها المتنوّعة التي تعكس انتماءها وثقافتها التي أشبعتها بالحرف والكلمة والبحث والشعر طبعت خمس كتب فنية وشعرية وشغلت مناصب متعدّدة في اختصاصها فهي حاصلة على ماجستير في الفنون الجميلة سنة 1975 من جامعة مهراجا ساياجيراو في بارودا الهند، تركّزت لها عدة أعمال نحتية منها تمثالين بمدينة بيت لحم الفلسطينية وبكاليفورنيا.

 

 

في تجربتها الفنية تعيد أراستو اكتشاف الأرض في تلوّناتها من حيث المواسم والطبيعة والبيئة والاستمرار والاستدامة الكونية التي تجعل من حضورها الأخضر حاملا لكثافة الفعل المثالي كما تصوّرها ألوانها في رحلة صوفية ذهنية تشبّعت بها وهي تخوض في الفكر الإسلامي وفي آيات القرآن التي ترجمتها إلى صور مرئية شفافة مع الخط العربي والحرف التوضيحي بتقنية متعددة الوسائط فهي تقول عن هذه التجربة “من خلال هذه السلسلة الجديدة من اللوحات أرغب في تعزيز المفهوم العلمي لـ “سلسلة الحياة” مفهوم أن كل نوع يعتمد على نوع آخر يتكامل ليحافظ على توازن الحياة على هذه الأرض وهي الغاية من هذا المشروع الذي يهدف إلى زيادة الوعي بأن اختلال التوازن الذي أحدثه البشر في الطبيعة مرعب ومؤذي، لذلك من الضروري التشجيع على الاهتمام بالأرض والتعايش في وئام مع الكائنات الحية الأخرى التي يجب أن نفيدها كما نستفيد منها”.

تبدو علاقة أراستو بالأشياء التكوينية للفعل الجمالي مختلفة فكأنها في حلقة تدور مع عناصر الكون لتكون ولتجتمع في روحانياتها الفكرية كعمل تجتهد فيه لتُحقّق الوئام والسلام والصفاء وطاقة الحياة المبنية على المحبة التي تتدفّق لتهبها وتنشرها على نطاق واسع من التدفق التلقائي في الألوان والظلال والنور الساطع بينها من خلال البؤر التكوينية للفراغ وهندسة التلونات التي تتجادل لتٌبقي على هدوئها بين تلك التكوينات الصاخبة في العمق والهادئة على السطح المتكوّن في الحضور المتفاعل مع فكرة الأمان والسلام الداخلي الذي لا يكون من فراغ بل من صراع نافع وإيجابي.

 

 

*عمل فني بعنوان جائحة

تحمل أراستو في مفاهيمها الفنية الفكر الإنساني من أجل الابداع فهي تجمع الناس في اللوحة لتُبقي على التدّفق التلقائي من خلال اللون والطبيعة والتمازج الهادئ بينه وعن هذه الفلسفة المتكاملة تقول “إن نيتي في الجمع بين الناس من خلال روحانيتي وإبداعي واضحة في كل جهدي، يجب أن أُبقي لوحة قماشية كبيرة ممدودة على الحائط لأسمح للغضب بأن يمتدّ بانسياب مروّض على المشاعر، حتى أنشر المحبة على نطاق واسع مع التدفق التلقائي للطاقات التي تتلامس مع ضربات كبيرة من الخطوط المتناغمة.”

 

 

*عمل فني بعنوان كل موحّد

تحمل الأعمال في توافقاتها شبكة من الخطوط سواء المشتغلة بالارتكاز على الخط العربي أو تلك التي تشير إلى الطبيعة الإنسانية المتصلة بمنشأ الصور والمشاهد، فحتى الحالات النفسية الدقيقة التي تنتابها تحاول امتصاصها باللون والكلمة والمعنى الدقيق المنساق وراء الروحانيات الإسلامية في الحرف وانسجامه مع معنى الإنسانية في حكمة الطبيعة وبين تلك التمازجات ومزاجاتها والانحناءات التي ترتسم من خلال الذاكرة لديها وتنفعل لتتفعّل على واقع من الاستشراف المتكامل للمستقبل في تمشي المسار الذي تدور وفقه الحياة وسلسلة الكون، فالخطوط الدقيقة بالحبر والتفسير المنساق وراءه يتدعّم باللون في تدرجاته من الألوان الحارة والباردة والترابية التي تنسجم لتحدث السكون الروحاني في غنائية موقّعة بالإنسانية المندفعة نحو الطبيعة في حركة تستثير العلوّ والسموّ المتصاعد بالوعي والفكرة.

 

 

تعتمد أراستو تقنيات جمالية مختلفة لترتّب أفكارها وحالاتها بشكل متناسق مع تطلّعاتها لواقع الانسان والاحداث التي يعايشها بينه وبين ذاته وبينه وبين الآخر فهي تكثّف من حضور اللون وتشكلات الحرف لتستدرجه نحو القماش وهي تردّد أسماء الله الحسنى في طبقات وتصورات ومعان لها حكمتها الناضجة في تكثيف الهدوء والسكون من خلال معنى الاسم الرحمة العظمة المغفرة ترديدها المتكرّر على القماش يجعلها تتجاوز الروتين والضغوط بشكل يتردّد ويتفاعل مع تغيّرات الأحداث التي تتسابق فيها المشاعر لتتناقض وتتصارع وتتصادم ولتحدث ضجّة تستنطق الهدوء في العمل المنجز.

 

 

ابتكرت ألوان وتقاليد راجستان، الهند ، المنطقة التي ولدت فيها ، فكانت الملهمة الأساسية لعملها الفني والركيزة التي من خلالها اكتشفت عوالم اللون ومداها المؤثر الذي حملها إلى الطبيعة حيث قامت بالتعبير عنها من خلال طبقات من الألوان ذات الأنسجة المعقدة التي تكشف أحيانًا أو تخفي الخط المستمر، وهذا التفاعل الأصلي في تكوينها الأول تمازج مع الخصوصية الخطيّة التي اندمجت معها في تداخلات الحرف العربي والخطوط، “لقد استكشفت ووسعت التركيز على الخط المستمر والغنائي في عملي بقصد التعبير عن الفكر والشكل بالكامل بضربة فرشاة واحدة مستمرة ، ودمج الروحانية الشرقية مع شكل الفن الغربي،

أنا متأثرة بالشكل البشري وقد عبّرت عنه من خلال اللون والخطوط، لذلك هناك حشود من الناس تتحرك معًا في عملي، وتندمج معًا، وتتحدث أو ترقص معًا في حركة تشبه الحياة وقد ألهمتني الاختلافات والألوان والأقمشة والأنماط والإيماءات المختلفة”.

الاحتفال بالحياة موضوع متكرّر في أعمال سلمى أراستو الفنية تبنيه على الخط وتتعمّق فيه في المفاهيم الكبرى للمعنى في الحرف، “كان الخط المرسوم هو دليلي على السطح الفارغ للقماش، عشت في الشرق الأوسط لعدة سنوات، بينما كنت مشغولة بنسخ الخط العربي، وهناك تعرّفت على الحرف العربي بالتجريب الجمالي فأصبحت أكثر حرية، وأكثر غنائية وحيوية، لقد سمح لي بإنشاء تصميمات خطية أو تصوير تدفق البشرية، أريد أن أنشر محبة الله من خلال الجمع بين جميع الناس مع الطاقة الإيجابية لهذا الخط، لذلك جهّزت العديد من القطع التي تناغمت في احتشادها واحتفلت بالحياة  لقد عرضت مرارًا وتكرارًا النساء في مجموعات لأني أعتقد أنه إذا استخدمت المرأة فإنها ستنشر مع الحرف طاقاتها الإيجابية، إذ يمكنها محو أوجه القصور في المجتمع من خلال هبة الحب الطبيعي والقوة العقلية، أما الأشخاص المجهولون الذين يعيشون في عملي فلا يتم منحهم أي هوية، وبالتالي يمثلون البشرية بأكملها دون اختلافات، كلنا بشر نتوحّد في الروح، وقد تمت إضافة اللون والعرق والدين لاحقًا لأن الله يريدنا  أن نعيش معًا ونتشارك معًا ونشارك تنوّعنا.”

لا يمكن اعتبار تجربة سلمى أراستو مجرّد مرحلة تجريبية بل هي تكوين مبني على التنوّع الحضاري والبشري الذي عرفته في الهند وحملته معها إلى العالم لتقف عند نقطة التلاقي التي تبنيها المحبّة ويكثّفها التسامح والسلام في خلق بنائيّة التعايش على الأرض تلك التي سعى لها وتطبّقها بجماليات في أعمالها الفنية.

 

 

*الأعمال المرفقة:

عمل فني من مجموعة متحف فرحات

Farhat Art Museum Collections

أعمال خاصة بالفنانة Salma Arastu

https://salmaarastu.com/

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى