عالمنا الآن

انتبه لجسدك فقد تتعرَّض للقرصنة من هذا الشاب الحالم بإطالة أعمار البشر، لكن مهلاً لقد وجدوه ميتاً!

كل مَن كان يعرف آرون ترايويك، الهاكر الحيوي، الذي تُوفي في شهر أبريل الماضي، في منتجعٍ صحي بالعاصمة الأميركية واشنطن، أصيب في بداية الأمر ببعض الريبة والشك بشأن ظروف وفاته.

بداية اعتقدوا أنه تظاهر بالموت وهرب بالأموال!

قال ديفيد إيشي، الباحث في شركة Ascendance Biomedical التي أطلقها ترايويك، إنَّ أول ما فكر فيه عندما سمع أنَّ جثة ترايويك وُجِدت في أحد خزانات الحرمان الحسي (عملية تتضمن حرمان الفرد من المؤثرات الخارجية والعزل الإدراكي والعزل الاجتماعي)، هو أنَّه تظاهر بالموت ليهرب بأموال عملائه.

ووافقه تريستان روبرتس، وهو “هاكر حيوي” آخر كان يعمل لدى الشركة أيضاً، الرأي ذاته، وقال مازحاً: “ربما كانت الجثة مجرد نسخة مستنسخة منه”.

والهاكر الحيوي هو “شخص يقوم بعملية “تهكير أو قرصنة” على جسمه أو أجسام غيره حتى يحسن أداءه”.

بينما كانت لدى كيلي مارتن، التي ساعدت في تأسيس الشركة، نظريةٌ مختلفة تلمح إلى وجود مؤامرة، إذ قالت: “تكهن الفيديو الأخير لآرون بأنَّه سوف يوفر تكنولوجيا شائكة من شأنها أن تحيد بصناعة الأدوية بعيداً. قال إنَّنا اقتربنا من طرح شيء ثوري للغاية”.

لكن سبب الوفاة مجهول

لا يوجد شكوك لدى الشرطة حول كونها جريمة قتل، وأفادت تقاريرها أنَّ سبب الوفاة مجهول. وقالت إدوينا روجرز، ابنة عم ترايويك بالتبني، إنَّ أحد مخبري الشرطة أخبرها أنَّه وجد عقار “الكيتامين”، (دواء يستخدم حالياً في تخدير الحيوانات في الطب البيطري)في جيبه. وظنت إدوينا أنَّه من المحتمل أنَّه تناول الدواء، ثم فقد وعيه في الخزان وغرق.

هذا الشخص سيئ السمعة اقتحم مجتمع القرصنة الحيوية

في غضون عامين، تحوَّل آرون ترايويك، الذي توفي في عامه الـ28، من شخصٍ مجهول إلى شخصية سيئة السمعة في مجتمع القرصنة الحيوية. وقبل وفاته، كان أقرب المتعاونين معه قد ابتعدوا عنه.

غير أنَّه ظلَّ مقرباً لعائلته بالتبني، مع أنَّهم لم يعرفوا الكثير عن عمله. وكانت والدته، ريتا ترايويك، مصدومة تماماً من خبر وفاته.

وقالت: “كان على ما يرام، رأيناه في أبريل/نيسان الماضي. كان ثرثاراً وفخوراً بما كان يحققه”.

لكنَّ تينا (70 عاماً)، قالت إنَّها كانت بالكاد تفهم طبيعة عمله “كان يخبرنا عن تلك الأشياء، وكنت أقف أمامه وأخبره أنَّ هذا رائع وأنَّنا فخورون به، لكن لا أخفيك سراً، لم أكن أفهم شيئاً مما يقول”.

من هم الهاكرز الحيويون؟

يهدف القراصنة الحيويون عموماً إلى تطوير أجسادهم على أمل الحصول على قدرات معززة. ويجري أولئك الذين يستخدمون أنواع المركبات التي خلقها ترايويك التجارب على أنفسهم في كثيرٍ من الأحيان، حتى لا يخرقوا أيَّاً من قوانين الرعاية الصحية.

تأسست شركة ترايويك في عام 2016 لتوفير التمويل، والمعدات المخبرية، وخدمات توزيع المواد على هؤلاء العلماء غير المتخصصين الذين يجرون تجاربهم بأنفسهم. كان يبدو أنَّه يكرس حياته للاستثمار في المركبات التجريبية (التركيبات التي كان يُفترض أن تعالج في نهاية الأمر الأمراض).

قبل عدة أشهر، كان العديد من المتخصصين في مجال القرصنة الحيوية ينظر إلى الشركة باعتبارها مكاناً محتملاً للاختراعات الرائدة.

لكن اتضح أنَّ ترايويك كان شخصاً كتوماً وعدوانياً. إذ أبقى الأشخاص الذين كانوا يعملون معه بعيداً عن بعضهم البعض، لضمان أن يكون هو الشخص الوحيد في شركته الذي يملك كل المعلومات؛ فيما حاول الحصول على السيطرة المالية على اختراعات المتعاونين معه، وبيعها قبل اختبارها بالكامل.

كان يستغل الاختراعات ويبيعها قبل اختبارها

ذكر ريتش لي، الذي ابتكر جهازاً يُزرع في القضيب يُدعى Lovetron 9000، أنَّ ترايويك أراد الاستيلاء على 75% من أرباح مبيعات جهازه مقابل توفير التمويل له، وقال إنَّ ترايويك عرض عليه أن يدفع له 5 آلاف دولار فقط، وكان يصر على أن يبيع ريتش الجهاز قبل الانتهاء منه واختباره، يقول: “رحلت بغصةٍ في حلقي”.

وقال روبرتس المتعاقد لدى الشركة: “بدا أنَّه يعِد كلَّ من يبحث عن شيء ما بشيء معين. كان في الواقع يطور بعض الأشياء التي كان يقول إنه يطورها. لكن من ناحيةٍ أخرى، بدا الأمر وكأنَّه سيأخذ أي أموال سلَّمها الناس له دون أي اهتمام بإيفاء وعوده”.

فكرهه كل من تعامل معه

 

في الوقت الذي توفي فيه ترايويك، كان القراصنة الحيويون، والباحثون، والمهندسون، الذين عينهم قد كرهوا منهجه في العمل.

بدأ والت كرومبتون، وهو مهندس متحمس لأبحاث إطالة العمر كان يعمل متعاقداً لدى شركة Boston Scientific وشركات صناعة الأجهزة الطبية الأخرى، في إجراء أبحاثٍ لشركة ترايويك في خريف عام 2016.

وقال كرومبتون: “كان يُفترض أنَّني مؤسس مشارك. في البداية، كانت هناك وعود كبيرة بمشاركة الأسهم وما إلى ذلك، لكنَّ تلك الأشياء لم تتحقق أبداً”.

وبعد وفاة ترايويك بوقتٍ قصير، كتب كرومبتون رسالة بريد إلكتروني إلى أحد الأصدقاء حول تناقض شخصيته، قال فيها إنَّه بينما أقنعه سلوك مؤسس الشركة (أي ترايويك) بمغادرتها، وجد نفسه “يغادرها رغماً عنه، متوقعاً مع ذلك أن يصبح آرون ثرياً ومشهوراً، بينما لن يقدر العديد من المساهمين الكبار في الشركة أن يحققوا المثل بسبب الطريقة التي يشق طريقه بها عنوةً إلى المقدمة”.

ومع ذلك، كتب أيضاً:

“بالنسبة لي، يكفي أنَّه على الأقل كان يخترق الجمود الكئيب المحيط بحركة القرصنة الحيوية وإعادة الشباب. فحين يبلغ المرء من العمر 65 عاماً، ويجد أنَّ التقدم في العمر يخلف مرارة في الحلق يزداد مذاقها شيئاً فشيئاً، ويشعر بأنَّ الجداول الزمنية لإدارة الأغذية والأدوية ليست جيدة بما يكفي، عندها فقط يسهل الاحتفاء بأي تقدم يحرزه “القراصنة الحيويون”.

لكنَّ النكتة المضحكة هنا هي كيف أحدث موته ضجة عكسية حول القرصنة الحيوية، مع أنَّ كل الأمور تشير إلى عدم تدخل أي من عناصرها في موته. يشبه ذلك الطريقة التي اندلعت بها شرارة الحرب العالمية الأولى على يد فوضويٍ مُهمَّش باغتيال الأرشيدوق. تماماً كالسياسة، لا يمكننا توقع أن يكون المنطق والرحمة قوتين أوليين في هذا المجال”.

كانت لديه أوهام كبيرة

أُسِّست شركة Ascendance Biomedical في ربيع عام 2016، بعد مرور وقتٍ ليس بطويل أجبر ترايويك، الذي بلغ آنذاك 26 عاماً، على ترك مؤسسة Global Healthspan Policy Institute غير الربحية التي تعمل تحت رعاية ابنة عمه بالتبني.

جديرٌ بالذكر أنَّ ابنة عمه إدوينا روجرز كانت مستشارةً اقتصادية سابقة في البيت الأبيض في عهد حكومة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن. وكانت أيضاً المديرة التنفيذية المؤسسة لمعهد السياسة العلمانية، وهي منظمة تروج للفصل بين الدين والسياسة العامة، وهي الرئيسة التنفيذية لمركز إصلاح السجون.

لم تكن تعرف ترايويك جيداً قبل تعيينه، إذ تبنَّته عمتها ريتا وعمها جيمس، ولم تكن تقابله إلَّا في الإجازات وتلاحظ أنَّه يكبر شيئاً فشيئاً.

كان مهتماً بتطوير الطبيعة الإنسانية و”النساء”

اتصل بابنة عمه بعد تخرجه في الكلية لطلب المشورة المهنية. سألته عن اهتماماته، وكان ضمنها تطوير الطبيعة الإنسانية الذي كان من اهتماماتها أيضاً.

كانت إدوينا مهتمةً ببدء منظمة أخرى مكرَّسة لإطالة عمر البشر مع الحفاظ على صحتهم. لذا أسَّست في يناير/كانون الثاني من عام 2016 معهد سياسة الصحة العالمية، وعيَّنت ابن عمها في منصب مسؤول التشغيل الرئيسي.

وسمحت له أيضاً بالانتقال إلى المنزل الذي كانت تتقاسمه مع زوجها في واشنطن، لكنَّها ندمت لاحقاً على هذا القرار.

وبعد ثلاثة أسابيع من إقامته، أخبر ترايويك نيماير أنَّه كان يعيش بعد انتهاء المرحلة الجامعية في منزلٍ مختص بممارسة التانترا في ولاية كولورادو الأميركية وبدأ يتحدث عن تجربته هناك. كان الحوار مربكاً على حد قول نيماير.

قال نيماير إنَّ ترايويك “كانت لديه أوهام بأنَّ النساء يرغبن فيه، كان يذهب للتحدث معهن، ويعدهن بعقد لقاءات مع أعضاء مجلس الشيوخ”. وأضاف أنَّه في مرحلةٍ ما وصف النساء اللواتي كان يضاجعهن بـ”عاهراتي”.

وأضاف نيماير: “كان موهوباً في اختيار الكلام المعسول، لكنَّه كان يُخفي داخله تحت تلك اللهجة الرقيقة قِدراً يغلي بالعداء والافتراس”.

كان يختلس النظر على المراسلات المهنية

بدأ الزوجان أيضاً يدركان أنَّ ترايويك كان يكذب عليهما. إذ كان يطلع على المراسلات المهنية التي كان من المفترض أنَّها موجهة لإدوينا، وقَبِل ذات مرة تذكرة طائرة، ودعوةً لحضور مؤتمر نيابةً عنها. وفي إحدى الليالي في أواخر شهر مارس/آذار، عندما كان نيماير خارج المدينة، حاول ترايويك أن يقتحم غرفة نوم إدوينا في الثانية صباحاً.

وبعد ذلك بوقتٍ قصير، نقلته الأسرة إلى شقةٍ جديدة.

قالت إدوينا: “كنا يائسين لدرجة أنَّنا ذهبنا واستأجرنا مكاناً له”. وقالا له: “هذا هو منزلك الجديد. أنت غير مرحب بك في منزلنا”.

وبعد عدة أشهر، أنهت إدوينا عقد عملها معه، وأرسلت له رسالة بالبريد الإلكتروني، في 17 يوليو/تموز 2016، قالت فيها: “لقد عارضت توجيهاتنا بأسلوبٍ عدواني وغير مهني وعنيد، وأظهرت إصرارك بوضوحٍ على التمرد وعدم السيطرة على أفعالك”.

وقالت: “وعدنا آرون أنَّه سيعمل بجد وسيكون متدرباً جاداً. تحدث عن مجموعة متنوعة من الخبرات التي كان يتمتع بها، لكن كل ذلك كان محض أوهام”.

استخدم شخصيته الجذابة لإقناع المئات بالعمل معه

وواصل ترايويك إخبار الناس أنَّه كان يعمل في المنظمة غير الربحية لمدة عام بعد فصله.

إحدى الطرق التي أقنع بها ترايويك الناس بالعمل معه -أو شراء ما كان يبيعه- كانت الشخصية التي خلقها لنفسه. إذ استخدم خبرته القصيرة في العمل مع ابنة عمه ليتظاهر بأنَّه محاربٌ قديم ثري في كابيتول هيلن على درايةٍ بسياسة الرعاية الصحية والقيود الهيكلية المفروضة على الباحثين من إدارة الغذاء والدواء الأميركية.

كان قد تواصل بالفعل مع العشرات، إن لم يكن المئات من الأشخاص، للتحدث عن طرق تجريبية لتطوير جسم الإنسان. وبدأت مجموعة من الأفراد تتجمع حوله، وكان من بينهم هولندي مؤمن بالفكر المستقبلي يُدعى دميان زيفكوفيتش، وعالم جينات بريطاني يدعى مات جونستون، ومسوِّقة لدى شركة OshKosh الأميركية بويسكونسن تُدعى كيلي مارتن.

حتى إنهم شبَّهوه بستيف جوبز

قالت كيلي (39 عاماً)، إنَّها بدأت تتحدث إلى ترايويك على الإنترنت في الفترة ما بين أواخر عام 2015 وأوائل عام 2016. وكان انطباعها عنه أنَّه مفكرٌ راديكالي يشبه ستيف جوبز، إذ قالت: “كانت أفكاره  ثورية نوعاً ما”.

وكان ترايويك يُعزِّز هذا الانطباع عن نفسه. ففي الحوارات الصحفية والمناسبات العامة، كان يقارن نفسه بجوناس سالك أو لويس باستور، صاحبي التجارب الجريئين اللذين كانا رائدين في مجال التكنولوجيا المنقذة للحياة.

وساعد عبر شركته في جلب علاج خصوبة تجريبي يُسمى Inovium إلى الولايات المتحدة. (قدَّرت كيلي عدد العملاء الذين كانوا يشترون عقاقير العقم من الشركة بعددٍ يتراوح بين 40 و50 عميلاً، لكنَّها قالت إنَّها ليست على دراية بالمبلغ الذي كانوا يدفعونه).

وقدَّم ترايويك أيضاً علاجاً جينياً تجريبياً يهدف إلى علاج فيروس العوز المناعي البشرين كان يخضع لاختبارات هيئة المعاهد الصحية الوطنية الأميركية. وقد تناول تريستان المتعاون معه هذا العلاج.

ولكن في الوقت نفسه كثيرون صدقوه!

كان غينادي ستولياروف الثاني، رئيس حزب ما بعد الإنسانية في الولايات المتحدة الذي يُعَد منظمةً سياسية تضم ما يقرب من 880 عضواً، وتدعم إطالة الحياة باستخدام العلم والتكنولوجيا، يراسل ترايويك منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

قال ستولياروف: “كان يشاركنا الكثير من قيمنا بالتأكيد. أعتقد أنَّ ترايويك كان صادقاً بشأن ما كان يفعله، ولا أظن أنَّه كان يحاول خداع أي شخص أو تضليله”.

“لم يكن أحد يفعل هذه الأشياء، حمض نووي لتضخيم العضلات

في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017، وصل اسم ترايويك إلى الإعلام التقليدي للمرة الأولى، وأصبح تريستان روبرتس أول فأر تجارب علني لدى شركة Ascendance.إذ حَقَن تريستان، الذي شُخِّصت إصابته بفيروس العوز المناعي البشري في عام 2010، نفسه بعلاجٍ جيني تجريبي يهدف إلى علاج المرض حين كان جالساً على أريكةٍ بجوار ترايويك وقرصان آخر. وصوَّر الحدث صحفيٌّ مستقل يُدعى فورد فيشر، وبث عملية الحقن مباشرة عبر فيسبوك.

وكان جوساياه زاينر -وهو عالمٌ بيولوجي بارز كان قد حقن نفسه في الشهر نفسه بحمضٍ نووي مُعدَّل لتضخيم عضلاته- يتصفح فيسبوك في اللحظة التي بدأ فيها البث المباشر وانبهر بما رأى.

قال زاينر: “في ذلك الوقت، لم يكن أحد يفعل هذه الأشياء سواي أنا وشخص، أو شخصين آخرين”.

فيما قال فيشر، المهتم بالتوثيق: “أعتقد أنَّهم كانوا متحمسين لتقديم الفكرة لأول مرة، تقريباً بقدر ما كانوا متحمسين لرؤية نتائجها. كان آرون يحمل أفكاراً كبيرة فعلاً حول ما يمكن فعله بهذه الأشياء في المستقبل، وشعر بأنَّ هذه هي الخطوة الأولى في سبيل أن يصبح قادراً على تغيير العالم”.

اجتذب العلاج اهتمام وسائل الإعلام، وأحدث ضجةً في مجتمع القرصنة الحيوية.

قال زاينر: “أتذكر أنَّني اتصلت على الفور بعدد كبير من الأشخاص لأخبرهم بأنَّهم يجب أن يتفقدوا ذلك الفيديو. وبعد ذلك كان الأمر مخيباً للآمال نوعاً ما، إذ ازدادت نسبة الفيروس المصاب به تريستان، ولم يكن العلاج فعالاً”.

كان العلماء المعتمدون متشككين أيضاً. إذ قال مارك كونورز قائد الفريق الذي اكتشف الجسم المضاد الذي حُقِن به روبرتس لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: “يبدو هؤلاء وكأنَّهم شباب أذكياء جداً، ولديهم معرفة جيدة ببعض الحقائق، لكن ليس جميعها”.

“شركة Ascendance غير شرعية”

بعد الحقن الذي جرى في شهر أكتوبر/تشرين الأول، اكتسب ترايويك قدراً من الشهرة. وأراد أن يستمر هذا الزخم، لذا خطَّط بعد عدة أشهر لحيلةٍ أخرى. هذه المرة، لم يكن أحدٌ يعرف بالضبط ما كان يدور في خلده حتى أقرب المتعاونين معه.

تواصل ترايويك مع مُنظِّمي مؤتمر BDYHAX للقرصنة الحيوية الذي كان من المنتظر أن يُعقَد لمدة ثلاثة أيام في مدينة أوستن، في شهر فبراير/شباط. وأخبرهم أنَّه يريد إجراء اختبار حي لما وصفه بأنَّه لقاح تجريبي لعلاج فيروس الهربس، لكنَّ العلاج الذي كان يعتزم حقن نفسه به لم يكن جاهزاً في الوقت المناسب.

وفي 4 فبراير/شباط، صعد ترايويك على منصة المسرح في المؤتمر وأخبر الحضور أنَّ شركته طوَّرت لقاحاً لعلاج الهربس، وأعلن أيضاً أنَّ تقنية الشركة يمكن استخدامها لمعالجة مجموعة من الأمراض الوراثية، ونصح الأشخاص المهتمين بالتواصل مع الشركة.

سألوه هل خضع لرقابة أخلاقية؟ أجاب لا!

وتجاهل سؤال الجمهور حول ما إن كان الإجراء قد خضع لرقابة أخلاقية رسمية (وكانت الإجابة هنا هي لا)، وأعلن أمام الحضور في القاعة أنَّ إصابته بالهربس شُخِّصَت قبل خمس سنوات، ثم خلع سرواله وحَقَن نفسه.

وقال زاينر: “لم يكن أحد يعرف ما الذي حَقَن به نفسه. كان يحاول تسويق هذا الشيء باعتباره علاجاً للهربس، وكان يسعى لترويج هذا الشيء الذي يُسمِّيه علاجاً وبيعه، وهو لا يعرف حتى ماهيته”.

وكتب زاينر منشوراً يتضمَّن كلاماً مشابهاً على فيسبوك، قال فيه: “إنَّ الفكرة القائلة إنَّ أي عالم، سواء كان هاكر حيوياً أم لا، أوجد علاجاً لمرض  ما دون أن يخضعه لأي اختبار، ودون جمع أي بيانات، هي أكثر مدعاةً إلى السخرية من اعتقاد أنَّ وقود الطائرات يذيب القضبان الفولاذية. شركة Ascendance غير شرعية بكل المقاييس”.

“عارٌ واضطراب نفسي”

أثارت الحيلة التي جرت في أوستن جدلاً كبيراً. التقى تريستان روبرتس وآخرون ممن كانوا يعملون متعاقدين لدى شركة Ascendance في الفترة التي سبقت عمليتي الحقن، في شهري أكتوبر/تشرين الأول، وفبراير/شباط في مدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا، حيث اختلفوا مع ترايويك بسبب مغالاته في الحديث عن إنجازات الشركة، ولأنَّه لم يدفع لهم ما وعدهم به.

وشعروا أيضاً بالاستياء حين اكتشفوا أنَّه دعا العديد من أطقم التصوير إلى جاكسونفيل لمشاهدة روبرتس في جولة ثانيةٍ، يتناول فيها علاجاً آخر لفيروس المناعة، لكنَّ روبرتس كان يعلم أنَّ المركب لم يكن جاهزاً، ولم يحقنه في جسده.

تكشَّف الخلاف بين المتعاونين، والتقطت كاميرا شبكة Vice الأميركية أجزاءً من الشجار الذي دار بينهم. واستولى ترايويك على مفتاح مختبر جاكسونفيل وغيَّر الأقفال، ما أدى إلى رحيل معظم فريق العمل عن فلوريدا مُصابين بالإحباط. قال روبرتس إنَّه لن يعمل مع آرون بعد ذلك ثانيةً، فيما نقلت صحفيةٌ تعمل لدى موقعGizmodoتُدعى كريستين براون كتبت تقريراً عن الشجار، عن ترايويك قوله إنَّه فصل المتعاونين معه، وأضاف: “أحب هؤلاء الرجال وأردنا أن نمضي قدماً معاً، لكنَّهم جعلوا ذلك أمراً بالغ الصعوبة”، إلا أنَّ القراصنة الآخرين أخبروها أنَّهم هم من تركوا العمل.

وبعد ذلك بشهر، رفع ترايويك دعوى قضائية في المحكمة الاتحادية. وترافَع عن نفسه قائلاً إنَّ منشور زاينر على فيسبوك ومقالة كريستين براون خلَّفا تأثيراً عميقاً في حياته الشخصية والمهنية ومصالحه التجارية. وقال إنَّهما ألحقا به وبشركته ضرراً كبيراً، “بما في ذلك خسائر مالية والإضرار بسمعته وإذلال وإحراج وضغط عصبي ووصمة عار واضطراب نفسي”.

وقال في الدعوى إنَّ “هذه الأضرار قائمة وسأظل أعاني منها في المستقبل”.

رُفضت الدعوى  في 23 أبريل/نيسان، وبعد ستة أيام ، عثر على ترايويك ميتاً.

“الموت خسارة”

قالت إدوينا، ابنة عمه بالتبني: “تسبب آرون بأذى بالغ لنفسه عندما دمر سمعته وعلاقاته واحدة تلو الأخرى. كان شخصاً مضطرباًن ولم أكن أدرك مدى عمق المشكلة، ليتني أظهرت مزيداً من التعاطف”.

وقالت ريتا تراويك: “كنا نعلم أنَّه كان يعاني بعض المشكلات العقلية. وكانت عائلته الأصلية تواجه مشكلاتٍ باستمرار”.

قال ديفيد إيشي، الذي بدأ يهتم بالتلاعب الوراثي عندما كان يزاوج بين الكلاب، إنَّ توجه ترايويك لمجال القرصنة الحيوية لم يكن قراراً موفقاً.

وأضاف: “يريد الكثير من الناس النجاح بسرعة فائقة، ويعتقد كل المبتدئين في هذا المجال أنَّهم سوف يستأنسون تنانين في غضون ستة أسابيع من بدء رحتلهم. لكنَّهم يُفاجأون بأنَّ علم الأحياء يتفوق عليهم، وأنَّ الأمر يستغرق وقتاً أطول مما كانوا يتوقعون. كنت مهتماً بتطوير جينات بعض الكلاب، لكنَّ الأمر استغرق سنواتٍ”.

ترك ترايويك ميراثاً مختلطاً. لكنَّ سيرته المهنية في القرصنة الحيوية ستظل ترمز إلى الأهداف غير المحققة للمجتمع الذي انتمى إليه لفترةٍ قصيرة. وبعد وفاته بفترة وجيزة، أصدر حزب ما بعد الإنسانية في الولايات المتحدة، الذي يديره ستولياروف، بياناً قال فيه: “بغض النظر عن السبب، يؤكد حزب ما بعد الإنسانية الأميركية أنَّ الموت خسارة. موت السيد ترايويك خسارةٌ كبيرة وسيظل كذلك. سيفتقده كل واحد منا. فلتحيا رؤيته أبداً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى