وجوه

نابغة عظيم أم شيطان مُجسَّد.. هكذا تكلَّم برنارد لويس معطياً التبرير الثقافي لغزو العراق وصدام الحضارات في الشرق الأوسط

من المعتاد أن نتحدَّث بشكل جيد وإيجابي عن الموتى، لكن قضية برنارد لويس مؤرخ الإسلام والشرق الأوسط، الذي توفِّي في عطلة نهاية الأسبوع الماضي عن عمر 101 سنة تبدو مختلفة، فأفكار الرجل البارز كان يمكن أن تخلق عالماً أفضل، لكنها عوضاً عن ذلك تسبَّبت بضرر بالغ لسكان المنطقة التي كان معنيّاً بدراستها بطريقة لم تحدث مع أي عالم آخر معاصر نعرفه ربما.

أصبح لويس كاهناً فكرياً للحروب الكارثية التي تسبَّبت في سفك الدماء في جميع أنحاء الشرق الأوسط، في الوقت الذي تسبَّب فيه أيضاً بإضرار غير محدود بموقف بلده الولايات المتحدة وصورتها أيضاً، حسب مقال للكاتب البريطاني بيتر أوبورن في صحيفة Middle East Eye.

نابغة عظيم أم شيطان مجسّد؟

وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة “كرونيكل أوف هاير ايدوكايشن”، العام 2012، قال لويس “البعض يعتبرني نابغة عظيماً، والبعض الآخر شيطاناً مجسداً”.

وبرنار لويس من مواليد لندن، مارَسَ التدريس لسنين طويلة في جامعة برنستون في ولاية نيوجيرسي، وكان من أشدِّ مؤيدي إسرائيل، ومقرباً من المحافظين الجدد الأميركيين.

نفوذ لويس لا يزال حتى يومنا هذا. أعلن وزير الخارجية الأميركي الجديد والرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية مايك بومبيو، في 20 مايو/أيار: “أنا أدين بقدر كبير من فهم الشرق الأوسط لأعماله”. كان تغيير النظام في إيران أحد مشاريع برنارد لويس السياسية، وقد يكون بومبيو على وشك تحقيقه، بوحي من بطله وملهمه الفكري.

نحن كنا هنا من قبل. كان لويس الزعيم الأخلاقي للمجموعة الصغيرة من المثقفين الذين جادلوا بغزو العراق عام 2003. وخلال أيام من الهجمات على مركز التجارة العالمي، كان يحث على إسقاط صدام حسين، معرباً عن آرائه التي أثارت اهتمام المحافظين الجدد بالضغط على الجيش. للتدخل والعمل في الشرق الأوسط، يقول بيتر أوبورن. الذي كان كبير المعلقين السياسيين لصحيفة الديلي تلغراف في عام 2015.

كان خطأ لويس على العراق مجرد مظهر من مظاهر رؤية العالم البشعة، التي شملت نهجاً عنصرياً وعسكرياً صارماً تجاه الشرق الأوسط.

بندقية لويس

ادَّعى لويس في وقت لاحقٍ أنه كان ضدَّ غزو العراق. وكان هذا محض خداع بالطبع، فقد كان متورطاً بشكل مباشر، حتى قبل 11-9 ضَغَط على تغيير النظام في العراق، وبعد الهجوم استغلَّ فرصته. كان لويس هناك عندما عقد مجلس سياسات الدفاع في البنتاغون اجتماعَه السيِّئ السمعة، للنظر في العمل العسكري ضدَّ العراق، في نهاية سبتمبر/أيلول 2001.

وأخبر لويس المجلس أنه ينبغي على الولايات المتحدة دعم ما يسمى بالمصلحين الديمقراطيين في الشرق الأوسط، مثل صديقي أحمد الجلبي. كخبير بارز في العالم حول الإسلام، لم يكن لدى برنارد لويس أيُّ عذرٍ لأن يُخدع في الجلبي، الدجال الذي قاد المؤتمر الوطني العراقي، حسب تقرير صحيفة Middle East Eye.

ومع ذلك، فقد فعل ذلك وتسبَّب بعواقب وخيمة يعيشها الشرق الأوسط حتى يومنا هذا. وقال لويس لنائب الرئيس ديك تشيني: “أعتقد أن أحد الأشياء التي عليك فعلها تجاه العرب هو ضربهم بين العيون بعصا كبيرة. إنهم يحترمون السلطة”.

مبرر فكري للحرب

توسَّع لويس في هذا الرأي في سلسلة من الكتب والمحاضرات التي رسمت العالم الإسلامي المتخلّف المليء بالكراهية ضد الغرب المتحضر والفاضل. كان هو، وليس صمويل هنتنغتون، الذي صاغ عبارة “صراع الحضارات”.

“نحن نواجه حالةً مزاجيةً وحركةً تتجاوز مستوى القضايا والسياسات والحكومات التي تسعى وراءها”، يلاحظ لويس في عام 1990. مضيفاً: “هذا ليس أقل من صراع الحضارات، وربما رد فعل تاريخي غير عقلاني، ولكن بالتأكيد من منافس قديم ضد تراثنا اليهودي المسيحي، وحاضرنا العلماني، والتوسع العالمي في كليهما”.

 

 

وقد برهنت وجهة النظر القائلة بأن الإسلام والغرب متورطان في معركة وجوديّة من أجل البقاء، تأثيراً كبيراً على جانبي المحيط الأطلسي. إنها تشكل التفكير الرسمي حتى يومنا هذا لدى كثيرين من أبناء التيارات اليمينية والعنصرية المتصاعدة في أوروبا وأميركا على حد سواء، حسب المؤلف بيتر أوبورن الذي ألَّف كتابي “صعود الكذب السياسي”، و”لماذا يخطئ الغرب عن إيران النووية”.

ومع ذلك فهذه الآراء العنيفة محمَّلة بالتناقضات. إذا كان العالم يواجه حرب حضارات، فلماذا تظل الدول هي القوى الفاعلة القوية في الشؤون العالمية؟ إذا كان الإسلام في حالة حرب مع الغرب، فلماذا تكون الدول الإسلامية الكبرى (مصر، ماليزيا، تركيا، المملكة العربية السعودية، إلخ) بالنسبة للغالبية العظمى من الغربيين تعتبر دولاً حليفة للغرب.

هكذا تكلَّم لويس، أصول الغضب الإسلامي

في محاضرته الشهيرة عام 1990 بدأ لويس بمدح الإسلام، ثم ذمّ المسلمين. الإسلام واحد من أديان العالم العظيمة. اسمحوا لي أن أكون صريحاً، بصفتي مؤرخاً للإسلام من غير المسلم، يعني ذلك. لقد جلب الإسلام الراحة وراحة البال إلى ملايين لا حصر لها من الرجال والنساء. لقد أعطى الكرامة والمعنى للحياة المريعة والفقيرة.

لقد ألهمت الحضارة العظيمة التي عاش فيها آخرون إلى جانب المسلمين حياة إبداعية ومفيدة، ويعيشون كإخوة رغم خلافهم، ولقد أثرى ذلك العالم بأسره. لكن الإسلام، كغيره من الديانات الأخرى، عرف أيضاً فترات كان مصدر إلهام لبعض أتباعه، وأعطى مزاجاً من الكراهية والعنف. إنه لسوء حظنا أن الجزء، رغم أنه ليس كل أو حتى أكثر العالم الإسلامي يمرُّ الآن بمثل هذه الفترة، وأن الكثير من الكراهية موجهة ضدنا.

سيكون هناك صراع شرس، أعني صراع الحضارات

Illustration of a Battle on the Lesser Town of Prague.

 

يعتبر لويس أن الجذور التاريخية لتلك المشكلات هي بين المسيحية والإسلام كمصدر رئيسي لصراع ما بعد الحرب الباردة. وجادل لويس بأن جذور المعركة تكمن في أوجه التشابه في جوهر الديانتين، وتميزها عن الأديان الرئيسية الأخرى، وهذا التشابه هو سبب الصراع!

“كان لديكم ديانتان بأيديولوجية مشتركة تعيشان جنباً إلى جنب”. ويضيف “كان الصراع بينهما حتمياً”.

يقول لويس إن “القرآن هو بالتأكيد توحيدي تماماً، ويعترف بإله واحد، قوة عالمية واحدة فقط. هناك صراع في قلوب البشر بين الخير والشر، وهذه الفكرة الثنائية عن صراع كوني من الخير والشر، والضوء والظلام، والنظام والفوضى، والحقيقة والباطل، والله والشيطان” هي التي تحكم فهم لويس للعلاقة بين العالم الإسلامي والغربي، فهو يرى أن الصراع بينهما ديني وحتمي وحضاري وثقافي.

يقول لويس “لم تكن هناك حاجة للعلمانية في الإسلام، وحتى تعددها كان مختلفاً تماماً عن الإمبراطورية الرومانية الوثنية، لكن إعجاب المسلمين الحديث بالحضارة الغربية الحديثة واحترامهم لمنجزاتها ورغبتهم في تقليدها تحول لعداء رفض وشعور بالإذلال”.

يقول لويس إن هناك حرباً إسلامية ضد العلمانية الغربية الحديثة، وإن “هناك الآن أدبيات كاملة تندد بالعلمانية باعتبارها قوةً شريرةً وثنية جديدة في العالم الحديث، وتنسبها بشكل مختلف إلى اليهود والغرب والولايات المتحدة”، وإن هذه الفكرة ستصل للمواجهة والصراع الحضاري العنيف.

داعية ضد الإسلام

لويس كان أيضاً متورطاً بخلل فكري كارثي. وبعبارة معتدلة، فإن ما يقدر بـ1.8 مليار مسلم في العالم لا يفكرون بطريقة متشابهة، ولويس لا يستطيع تمييز الفروق. أو كان يتعمَّد تجاهلها ربما، فلا يمكن إلقاء اللوم على أي شخص بسبب جميع الوفيات والدمار التي نشهدها في الشرق الأوسط. لكن لويس يحمل نصيبه لأنه قدم المبرّر الفكري والأخلاقي للتعصب والحرب.

ولن تدرك من قراءة صحف اليوم. تحمل صحيفة وول ستريت جورنال، ذا تايمز، الديلي تلغراف، نعيات طويلة مليئة بالثناء على واحدة من أعظم حكماء عصرنا.

لكن قبل أكثر من 30 عاماً، كان لويس يشارك في سلسلة من المحاورات الجدلية مع الناقد الأدبي الفلسطيني إدوارد سعيد.

سعيد ولويس وجهاً لوجه

 

لقد وجَّها لبعضهما البعض ردوداً عنيفة في المناقشة، لكن سعيد قال شيئاً مهماً هو أن “لويس ببساطة لا يستطيع التعامل مع تنوع حياة المسلمين، لأنه يراهم كلهم مختلفين بشكل جذري ولا يميز بينهم”.

اتهم سعيد لويس وغيره من المستشرقين بتشويه الإسلام، وخدمته لأغراض الهيمنة الإمبريالية. وردَّ لويس بدفاعه عن الاستشراق على أنه وجه من مظاهر الإنسانية، واتَّهم سعيد بتسييس الموضوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى