آراء

إنهم يغتالون مستقبلنا !

إذا كان الدافع الرئيسى لإنشاء منظمة الأمم المتحدة في عام 1947هو انقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب، فإن هذا الهدف يجب أن يكون ماثلا أمام الأعين، ويبقى هو الهدف الأساسي في التعامل مع كل النزاعات والحروب التي تمزق خارطة الدول التي تقع في براثن وأنياب القوى المتعطشة للدماء، والتي تحركها مصالح ذاتية ضيقة أو قوى خارجية، لا يهمها مستقبل الأجيال خارج أراضيها مهما تكن ادعاءتها في مجال حفظ حقوق الأطفال ورعايتهم وحمايتهم.

لقد تزايدت حدة النزاعات والحروب وحركات الإرهاب في أماكن كثيرة في العالم، والتي يمكن أن تؤدي الى حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر، ولاشك أن فئة الأطفال هي الأكثر تضررا ومعاناة في هذه الصراعات.

وقد أنتبهت الدول التي كانت ميدانا للحرب العالمية الثانية ( 1914 – 1945) مثل انجلترا إلى أهمية حماية الأطفال من مخاطر الحرب التي طالت كل مكان في العاصمة، مثل البيوت والمصانع والمدارس، ولهذا نظمت الحكومة حملة لإخراج الأطفال من العاصمة لندن. ورتبت بالفعل لأن تتبنى كل عائلة طفلًا أو أكثر حتى انتهاء الحرب، ووفرت لهم احتياجاتهم الضرورية.

و كان للحكومة رؤية في ذلك ، إذ اعتبرت أن تعرض الأطفال للقنابل أو الغازات السامة سواء في البيت أو الملاجئ أو المدارس يمكن أن يؤدي إلى ضياع جيلًا كاملًا ويؤدي إلى انهيار الدولة ومقوماتها من القوى البشرية، وحتى من ينجون من الموت فإن رؤية مشاهد القتل والدمار وسماع أصوات القنابل والطائرات يمكن أن يصيب الأطفال بحالات من الخوف والفزع والهلع تؤثر على نموهم وإدراكهم على المدى البعيد.

و دلت الأبحاث في مجال علم النفس أن الخبرات التي يعيشها الانسان في المرحلة المبكرة من عمره تختزن في عقله الباطن وثؤثر بقوة على سلوكه وأفكاره.

أطفال الشرق الأوسط وهذا يقودنا إلى التفكير في الأطفال الذين يتعرضون اليوم لشتى أصناف العنف والاستغلال والإساءة والتهاون في منطقة الشرق الأوسط خاصة في البلدان التي طالتها الحروب.

فهذه الحروب الدائرة اليوم ليست حروبا منظمة بين دول على أية حال، ولكنها حرب عصابات تقطع شرايين المجتمع من الداخل وتزرع بذور التطرف والكراهية والحقد والبغضاء بين الناس حتى يتقاتلوا فيما بينهم إلى مالا نهاية حتى لا تقوم لهم قائمة بعد ذلك.

هذا ما يحدث في سوريا وليبيا والعراق واليمن، فيتعرض الأطفال لخبرات بشعة ومخيفة على يد الجماعات الإرهابية ، تشمل رؤية القتل لأسرهم وذويهم ، تدمير بيوتهم ومدارسهم التي ثمثل لهم مركز الأمان ومنبع السكينة، نزوحهم إلى أماكن أخرى وما قد يتعرضون له في الطريق من أحداث مروعة كالاختطاف والتعذيب أو الاصابات الجسيمة ( كالتعرض للألغام المزروعة ) التي تؤدي بهم إلى إعاقة مستديمة.

كل هذا يأتي إضافة إلى سوء التغذية ونقص في الاحتياجات الضرورية ، توقف هؤلاء الأطفال عن الدراسة، ابتعادهم عن أصدقائهم وتشتت الأسرة الكبيرة وانقطاع التواصل بينهم، واستبدال بيوتهم بخيام، تعرضهم للبرد القارس أو الحر الشديد.

وحتى من سلم من كل هذه الأمور فهو معرض لجرعات كبيرة من مشاهد القتل والذبح والدماء والدمار في التلفزيون حتى يألفها الأطفال ولا ترفضها عقولهم ، أو تستنكرها أنفسهم، وبالتالي يعتبرونها مع الوقت من الأمور الطبيعية التي يمكن أن يقوموا بها بدون أي تردد أو خوف.

وربما الأشد مرارة في كل ما سبق، هو استغلال الأطفال في الهجمات الانتحارية كما في العراق أو الزج بالأطفال في هذه الحروب بتجنيدهم في من قبل الجماعات الارهابية كداعش و مليشيا الحوثي كما في اليمن وسوريا وليبيا والعراق، باستغلال حاجة أسرهم للنقود، أو قسرًا باختطافهم واغتصابهم وغسل أدمغتهم وتدريبهم على القتل والذبح، أو استخدامهم كرهائن ودروعٍ بشرية.

ولاشك أن تجنيد الأطفال وزجهم في صفوف المتمردين ليس بأمر جديد على البشرية إذ يستعرض الكاتب بي. دبليو.سينجر مؤلف كتاب (الأطفال في الحروب) تاريخ تجنيد الأطفال في كل حركات التمرد والمليشيات الخارجة عن القانون في العالم، واستخدامهم كافة أشكال العنف ضد الأطفال، ويروي الكاتب تجربة مريرة لأحد الأطفال عن سبب انضمامه للمتمردين: (طلب مني المتمردون أن أنضم اليهم فرفضت، قتلوا أخي الصغير أمامي .. فغيرت رأيي) واليوم تنادي المنظمات العالمية المهتمة بالطفل كاليونسيف بضرورة حماية الأطفال من أهوال العنف والنزاعات، وحذرت منظمة “أنقذوا الأطفال” البريطانية في تقريرها لشهر فبراير٢٠١٨ من ضياع جيل كامل من الأطفال في سوريا بسبب النزاع المحتدم في البلد منذ سنة 2011.

ورغم الإدانات والاستنكارات لكل ما يتعرض له الأطفال أثناء النزاعات، إلا أننا لم نرى أو نسمع برؤية واقعية وقابلة للتنفذ أساسها حماية الأجيال القادمة من ويلات الحروب.

وأعتقد أنه آن الآوان للتفكير العميق والعمل الجاد لوضع آليات تجنيب الأطفال وحمايتهم من شر الحروب وثأثيرها عليهم ، فالأطفال هم المستقبل وإذا أغتالوهم جسديًا أو معنويًا يكونوا قد أغتالوا المستقبل!

*خبيرة تربوية

admin2

موقع الديوان هو موقع إخباري تحليلي يهدف إلى تقديم الأخبار برؤية عصرية وأسلوب صحفي جذاب، هدفه الرئيسي البحث عن الحقيقية وتقديمها للجمهور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى