آراءثقافة وفنون

الأديب الليبي محمد المغبوب يكتب: الإنسانية بين الأخلاق وعدمها

الإنسانيّة هي البعد الأخر لآدم عليه السلام ولنسله مهما تعددت أبعاده إذ هي الخاصية المضافة لأدميته يمكن لها التمدد لأسباب عدة إلي درجة المثالية كما لها الإنحسار وأحيانا إلى حد التلاشي عند شدة الغضب وحالة الجنون وهي الحالات التي مرت بها البشرية عند مفترقات الطرق حيث لم تدر ماذا تفعل وهي تُساق إلى أتون الحروب كما عند الكوارث فتصل إلى حافة الإنهيار بسبب شدة ضعفها، وحينها بغابة دفع الضر عنها ترتكب من الجرائم أبشعها كردة فعل وخلال ذلك تنشط خلايا الأمراض لديها تمارس كل رذيلة وتفعل كل شر ويستوي الأدمي بالحيوان غير قادر على كبح شهواته وغرائزه .

كثيرًا ما وجدت البشرية عبر حقب متتالية ومتباعدة نفسها تخلع عنها الإنسانية وكأنها المعطف الشتوي في فصل الصيف يعيق حركتها ويزيد من حرارة جسدها، والأفضل لها خلعها.

هكذا قامت حضارات وبنفس الأسباب سقطت كحجرة صغيرة من قمة جبل شاهق وتعفرت بالتراب وما علق به من قاذورات،إذ تجاوزت الممنوع ومارست الإباحية بكل أنواعها ولم يعد للحدود وجودا حيث لم يعد لأي شيء له معنى إخلاقي.

الأخلاق للإنسانية هي العلامة البارزة لها التي تتجسد في الإنسان الواحد والذي بتعدده يكونها.

التعريفات الموجودة للإنسانية عديدة فهي مثلا ما يُميِّز الإنسان من خصائص وصفات، تجعله بدورها يختلف عن المخلوقات الناطقة الأخرى أي أنها ما يُضادّ البهيميّة أو الحيوانيّة.كما يعرفها البعض من كونها تعريفها ما يتميَّز بهالإنسان بالأعمال الصالحة التي يقوم بها ويرتقي بها عن الحالة البشري اتي هي غرائز وشهوات والفلاسفة يعنونبها (الحياة،والنُّطْق،والموت).فيما يرى كانط هي ما يُعبِّر عن هدف الأخلاق،كما أنّها أساس فكرة الواجب عند الإنسان ويعتبرها أوجست كونت مجموع الصفات التي تُكوِّن كائناً اجتماعيّاً يتطوَّر مع مرور الزمن وعندما يُقال عن شخص ما أنّه يقوم بعمل إنسانيّ،فمعنى ذلك أنّه يقوم بعمل يعود بالخير على البشر،وهو إنسانٌ قادرٌ على التجاوُب مع سلوك الإنسان الطبيعيّ.

وقد تتعدد المعاني لها لكنها في المجمل هي النشاط البشري في أفضل حالاته حيث يحاول السمو والإرتقاء والعلو عن كل التفاهات والسخافات البشرية.

هكذا فالأخلاق سمة لها حيث بها تنتظم العلاقات بين الناس كل يقف عند حده ولا يتجاوزه إلى غيره فيما التوادد والرأفة والمحبة تحقق السلام للجميع وينتج عن ذلك إحترام الأخر وتقدير الصالح ونبذ الطالح وتتكون مكانات للبعض بفعل أعمالهم الخيرة ويصير العطاء هدفا يتسابق عليه الجميع لممارسته.

كل التاريخ البشري كان بين جريمة وعقاب مرة تقل الجريمة وأخرى تسود الأرجاء دون تطبيق العقاب اللازم له بفعل غوغائية على نحو تكون فيه الأشياء أوحالا تلطخ الرداء الإنساني وتفوح رائحة العفن من كل مكان، تمتزج معها الفوضى العارمة في البلد الواحد أو بين بلد وأكثر وحين يكون ذلك فإن أخلاق الطيبين تمسها ممارسات الأشرار.

على النحو لن تجد أحدًا يوقر غيره إذ يستوي الوضيع بالنبيل ولا غرابة حيت تجد في الشارع رجلا صالحًا يجره وضيعًا أما المارة وكأن الأمر لا يهم أحدًا منهم.

يرى نيتشة( أن الأخلاق عملا مذهلا أنجزه الإنسان ما قبل التاريخ).
لكن يبدو أن حين مارس الاستبداد والغباء والحماقة والشراسة في في الشر سقط إلى الهوة البشرية التي هي شهوات وغرائز ، ولذلك فكر نيتشة (في الإنسان الأعلى ) حيث العقل الخلاق والمبدع الذي يأتي بالجديد متجاوزا غيره في الإعتيادية لبناء محكم وحياة كريمة .

بسبب أو بأخر سقطت الإنسانية في وحل الأوغاد حيث نالت الهمجية من شيوخ الدين والعلماء، والمصلحين، وسادة القوم في مناخ نشط فيه الشطار والعيارين والصعاليك وعانت الإنسانية على أيديهم عذابات مؤلمة مجانية، حين تكونت الفرق المارقة تقطع الطريق وتنهب الممتلكات وتغتصب النساء بل حتى تفتش في أكفان الموتى، وتنبش قبورهم.

حالة سقوط رهيب ينزل بالإنسانية فيصير فنها تهريجًا وأدبها سخيفًا لا معنى له إلى درجة أن القبح هو اللون الأعم في كل شيء باهتا كالحًا لا بهجة في الأركان.

الإنسانية كحالة أرقى عمودها الفقري هو الإخلاق التي كرسها الدين وامتدح من يمارسها سلوكا مع غيره، غير أننا حين نلمح علامات الشرور في ما حولنا ونري كل هذا الخراب في العالم الذي يتحكم فيه الطواغيت فإلإنسانية تمر الآن بعد حروب عالمية متنوعة الأغراض والأسلحة بامتحان رهيب قد تفلح في الخلاص منه إذا ما تغلبت على الإرهاب والتطرف وشوفانية الإثنيات والعنصريين والتعصب الأعمى بسبب تفسيرات خاطئة لنصوص الدين وقراءات مغلوطة للتاريخ ، كما نجدا لآن شبكات عالمية تعمل على تدنيس المقدس وتوسع من رقعة الرذيلة وتؤسس لها مؤسسات كبرى.
لو استمر الحال على هذا المنوال فهي ستسقط في الغابة إلى أدنى من درجة البشرية تفسح لشهواتها وتطلق العنان لغرائزها .

إن المخلص القوي والشافي لأمراضها هو الإعلان عن الأخطار التي تواجهها، وإيجاد الدواء لعلاجها عبر تجديد الدعوات إلى نبذ القبح وحل محله الجمال وأقبح قبيح هو ممارسة العنف وسط فوضى مفتعلة.

إن ما يخلصنا من هذا الذي نعانيه من جشع وهلع المتمظهر في نمط الإستهلاك العودة إلى البساطة حسب ما تقدمه الطبيعة لنا وهم ما يمكن أن يعطينا الشعور بالرضا والمشاركة .

*كاتب وأديب ليبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى