آراء

التصدي لحزب الله وحماس: استراتيجية جراحية مقابل أخرى طبية

في عالم الطب يسود تمييز بين الجراحين والأطباء؛ الجراحون يعنون بالإشفاء (Healing): إيجاد حل للمرضى. فهم يقطعون في اللحم الحي، يعزلون المنطقة المصابة أو المكسورة، يعثرون على الورم، أو الكسر أو الوباء ويركزون على حل جراحي (موضعي) للمشكلة. بالمقابل، فإن الأطباء يعنون بالعلاج (Curing)، فهم يقترحون تشخيصا للمرض وعلاجاً دوائياً لإزالته. نهج الجراحين جراحي، ونهج الأطباء تطبيقي.
إن استخدام التعابير الطبية لتشخيص إجراءات عسكرية وسياسية ينطوي على تضارب داخلي. فمن جهة، الإجراءات الطبية تستهدف الإصحاح، لا القتل. من جهة أخرى، فإن استخدام التعابير الطبية، مثلما في عبارة «القصف الجراحي»، يستهدف التشديد على النية ومحاولة تقليص الإصابة للعدو إلى الحد الأدنى اللازم، مثلما يحرص الجيش الإسرائيلي على التمييز بين «المشاركين» و«غير المشاركين»، وسلاح الجو مؤتمن على نظام «نقر السطح». إن تقليص الإصابة إلى الحد الأدنى اللازم هو المبرر الأخلاقي الوحيد لاستخدام التعابير الطبية لأهداف حربية.
تبعاً للشرط الأخلاقي وفي تداع في التشخيص الطبي بين النهج الجراحي والنهج التطبيبي، يمكن التمييز بين مظاهر الاستراتيجية السياسية ـ العسكرية: «استراتيجية جراحية» و«استراتيجية تطبيبية». هذا التمييز جميل لفحص الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه حزب الله من جهة وحماس من جهة أخرى.
كيف يتعين على إسرائيل أن تتصرف تجاه حزب الله وتجاه حماس؟ بالنسبة لحزب الله، على إسرائيل أن تتخذ استراتيجية جراحية؛ وبالنسبة لحماس أن تدير سياسة تطبيبية.
في الصراع ضد حزب الله، فإن المصلحة الإسرائيلية الواضحة هي دق إسفين بين الهوية اللبنانية لحزب الله، وبين كونه أداة خدمة شيعية في أيدي الحرس الثوري الإيراني. كلما انخرط حزب الله في السياسة اللبنانية يصبح شريكاً في المسؤولية عن لبنان ويربط مصيره بمصير لبنان. بالمقابل، كلما عمل زعيم حزب الله حسن نصر الله في صالح المصالح الإيرانية، يخاطر بسلامة ورفاه لبنان.
إن غاية استراتيجية الردع الإسرائيلية تجاه حزب الله منذ حرب لبنان الثانية في صيف 2006، وفي حالة انهيار الردع من الحرب الإسرائيلية في لبنان، هي واحدة ولا لُبس فيها: دفع نصر الله لأن يختار هويته اللبنانية على التزامه تجاه الحرس الثوري. والوسيلة العسكرية لذلك هي تهديد لتعميق «عقيدة الضاحية» وتوسيعها لضرب البنى التحتية المدنية الداعمة للقتال في لبنان، بحد أدنى من الإصابات بالأرواح بين جمهور غير المشاركين.
وبالتالي، وبخلاف الموقف الأمريكي القانوني والتبسيطي، الذي يشجب حكومة لبنان على إعطاء موطئ قدم لحزب الله في الساحة السياسية اللبنانية كونه يعرف كمنظمة إرهابية، فإن المصلحة الإسرائيلية هي تعميق الالتزام السلطوي لحزب الله في لبنان. ولما كانت البنى التحتية المدنية الداعمة للقتال في لبنان هي هدف عسكري مشروع، ففي قطاع غزة بالمقابل على السياسة الإسرائيلية أن تعمل في الاتجاه المعاكس: إعادة بناء البنى التحتية ـ حتى مع خطر أن تستخدمها حماس استخداماً مزدوجاً مدنياً وعسكرياً. وبكلمات أخرى، على إسرائيل أن تتخذ حيال حماس التطبيب بدلاً من الجراحة.
في قطاع غزة، اعتمدت السياسة الإسرائيلية بعيدة السنين من الإغلاق، والحصار وإضعاف السكان المدنيين، على الأمل في أن ينشب في المنطقة عصيان مدني ضد حكم حماس. ولكن هذه السياسة الإسرائيلية فشلت. فالاستياء في أوساط غير المشاركين في غزة ويأسهم الذي يجد تعبيره في هجران الشبان المتعلمين في المنطقة، فيما أن القبضة الحديدية لحماس تقمع كل تنظيم للمعارضة الشعبية للحكم. ومقابل حزب الله، الذي تتحداه معارضة لبنانية متنوعة، فإنه لا يتحدى حماس إلا محافل أكثر تطرفاً منه، مثل الجهاد الإسلامي، وهي لا تخاطر حتى الآن بإمكانية أن ينشأ ضدها عصيان مدني.
إن معارك الملاكمة بين إسرائيل وحماس والجهاد الإسلامي هي جولات عابثة تتفجر في طريق بلا مخرج، وليس فيها انتصارات بالضربة القاضية ولا حتى بالنقاط. بعد جولة المواجهة الأخيرة التي وقعت بين الطرفين في بداية أيار، وكانت كسابقتها تكرارية، مكتومة حتى التعب وخلفت وراءها تهدئة هشة، من واجب إسرائيل أن تغير القرص الاستراتيجي في هذا السياق.
ينبغي الشروع بخطوة تسريع التسوية مع قطاع غزة. فتسوية عميقة ستخدم على نحو أفضل المصلحة الإسرائيلية، واختراق الطريق لن يتم إلا مع تحسن ذي مغزى في جودة الحياة في المنطقة. الحلول العملية معروفة: إقامة ميناء بحري، مطار، منشأة تحلية للمياه وما شابه.
تحسن مكثف في جودة الحياة في القطاع ستكشف حماس أمام انتقاد متعاظم من الداخل ومن الخارج ولتحذيرات ضد المخاطرة بالإنجازات من خلال استئناف القتال ضد إسرائيل. كلما استُثمرت أموال أكثر في مشاريع البنى التحتية والأعمال، نال أطفال غزة صحة وتعليماً أفضل، وكلما كان لسكانها ما يخسرونه أكثر، فإن غير المشاركين كفيلون فجأة بأن يظهروا كمشاركين ومؤثرين. النمو الاقتصادي والارتفاع في معدلات التشغيل ستلطف حدة النوازع الجهادية. الجهاد الإسلامي سيدحر إلى الزاوية ويحتمل أن يتحول قطاع غزة من مكان لليأس إلى موضع للأمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى