آراء

القدس بين الاعتبارات السياسية والتطرف الإسرائيلي

الحرم كعبوة ناسفة شديدة الانفجار مع فتيل قصير. عندما يرتبط ذلك بتوقيت إشكالي غير مرتقب بفعل الرزنامة، في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، يوم القدس الذي تحتفل فيه إيران ويوم القدس لإسرائيل، يقصر الفتيل. هذا بالضبط ما حصل أمس. فقد قررت شرطة إسرائيل، بعد تقويم للوضع شارك فيه ممثلو المخابرات، السماح لليهود بالحجيج إلى الحرم. في الماضي منع حجيج اليهود في فترة رمضان، وبخاصة في الأيام العشرة الأخيرة، أما هذه المرة، وبينما تداخلت الأحداث بقرب زمني، فقد أقر.
المعضلة غير بسيطة: إذا لم يسمح بالحجيج فإن الصورة الذاتية لإسرائيل كصاحبة السيادة في «القدس الموحدة» والتي هي منقسمة عملياً أكثر من أي وقت مضى، ستتضرر، وأحزاب اليمين والمنظمات المختلفة المتطرفة التي تسعى إلى إقامة الهيكل كانت ستثور. فما بالك حين تشل حملة الانتخابات تفكر الوزراء في الغالب. وما إن أتاحوا الحجيج حتى زادوا فرصة الاشتعال، الذي نشب بالفعل.
في الغالب، تظهر جلياً فوارق المواقف بين المخابرات وشرطة إسرائيل. فالمخابرات تفضل عدم المخاطرة الزائدة لأن نطاق مسؤوليتها كل الضفة الغربية ونظرتها تكون أوسع، مع نظرة إلى حماس في غزة وإلى العلاقات مع الأردن. أما شرطة إسرائيل فهي المسؤولة عن النظام (وخرقه) في القدس، وتميل أكثر إلى السير على حافة المخاطرة. لقد حصل هذا بالشكل الأوضح عندما قررت الشرطة، رغم معارضة المخابرات، بتوصية لواء القدس (بعد قتل الشرطيين على أيدي ثلاثة مخربين من عرب إسرائيل)، نصب بوابات إلكترونية في مداخل الحرم وكاميرات حراسة. وكانت النتيجة قاسية: نشبت اضطرابات وبدأ احتجاج عنيد من الأردن، مما أجبرا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على التراجع عن قراره.

 

تنبع الفوارق بين الجهازين أيضاً من قربهما أو بعدهما عن السياسة الداخلية في إسرائيل. فشرطة إسرائيل وقادتها الكبار يرتبطون بحبلهم السري من وزير الأمن الداخلي جلعاد اردان الذي يملي عليهم غير مرة القرارات لاعتبارات سياسية. أما المخابرات فأكثر مناعة من تدخل نتنياهو، واعتباراتها مهنية صرفة.
أما هذه المرة ففي المخابرات أيضاً فهموا بأنه لا مفر من المرونة، ولهذا فقد وافقوا على حجيج اليهود في رمضان، ولكنهم حصروا ذلك في عدة ساعات. فقد سمح الحجيج لثلاث ساعات حتى 11:00. وهذا كان كافياً لعدد كبير جداً، بنحو ألف يهودي للحجيج إلى الحرم، فنشبت الاضطرابات. والضبط النفسي النسبي لقوات الشرطة في تفريق المتظاهرين وحده منع اشتعالاً أكبر. ومع أن الحدث (وكذا مسيرة الإعلام الاستفزازية) تم احتواؤه في نهاية المطاف، رد الأردن بالاحتجاج.
في خلفية الأمور كانت أيضاً أحداث القدس الإيرانية، الذين بإلهامهم أغلب الظن أطلقت منظمة مؤيدة لهم في سوريا صاروخين أول أمس من منطقة دمشق نحو جبل الشيخ. ويترافق كل هذا والتهديدات بإطلاق الصواريخ، وكذا بجهود حماس في غزة وقياداتها في تركيا ولبنان لتهييج الضفة الغربية. وكل سبب، وبالتأكيد الحرم، هو ذريعة جيدة لذلك.
ما إن نشبت الاضطرابات في الحرم حتى سارعت حماس والجهاد الإسلامي إلى التهديد بالرد. حالياً، في أثناء كتابة هذه الكلمات، لم يأتِ الرد، ولكنه سيأتي. وفي كل الأحوال، تلقينا مرة أخرى تذكيراً كم هي مسألة الحرم حساسة وقابلة للانفجار، وذلك في الوقت الذي لا تؤدي فيه إسرائيل مهامها حقاً. فالكابينت الذي سينعقد أخيراً غداً، انعقد في الأشهر الثلاثة الأخيرة مرتين، ومن يقرر هو في واقع الأمر شخص واحد ـ نتنياهو، الذي ينصب اهتمامه في معظمه إ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى