آراء

بحذر إسرائيلي.. بوتين يهيئ القارة السوداء لاستقبال الدب الروسي

نائبة سابقة، زميلة بحث كبيرة في معهد الاستراتيجية والسياسة في المركز متعدد المجالات في هرتسيليا ومعهد “مخططات”. رئيسة مشتركة في المجلس الجماهيري لاتحاد التنمية الدولية – سيد إسرائيل

حين تتطلع كل عيون العالم إلى سوريا، حيث ينفذ الرئيس الروسي بوتين سياسة ثابتة وناجحة جداً من ناحيته، يجدر بإسرائيل أن تتنبه أيضاً إلى خطوات روسيا في الأماكن الأخرى في الشرق الأوسط، مثل مصر والخليج الفارسي، وكذا في القارة السوداء.

عقدت في سوتشي مؤخراً قمة روسية-أفريقية بمشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (هذه السنة تتولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي) ورؤساء حكومات في أفريقيا. كل واحدة من الـ 54 دولة أفريقية بعثت بوفد عنها. عندما تكون قوة الولايات المتحدة في الساحة الدولية في حالة انسحاب، وقوة روسيا في صعود، فلا أحد يريد البقاء خارج الصورة.

تنهي القمة مع الدول الأفريقية شهراً من النشاط الروسي الدبلوماسي الاستثنائي. فقبل نحو أسبوع فقط زار بوتين الرياض وأبو ظبي، الحليفين التقليديين للولايات المتحدة، وعاد من هناك مع عقود ضخمة في مجال الطاقة والزراعة. لا يزال هذا بعيداً جداً عن الحلف الاستراتيجي الذي للسعودية وإمارات الخليج مع الولايات المتحدة، ولكن الرئيس الروسي لا يسارع إلى أي مكان.

في السنوات الأخيرة تعمل روسيا بشكل نشيط في أفريقيا، حيث تزيد في كل سنة صادرات السلاح (في هذه اللحظة تعدّ روسيا هي مصدرة السلاح الأكبر لأفريقيا، وتتجاوز بسهولة الولايات المتحدة والصين وأوروبا)، وتساعد الأنظمة الصديقة لها، وتدفع إلى الأمام إنشاء الموانئ الروسية وتوقع على عقود ضخمة في مجال حفر المناجم. شركات روسية أمنية مثل “فاغنر” سيئة الصيت والسمعة تعمل في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يتم تعليم اللغة الروسية الآن في المدارس، وفي الكونغو. وعند الثورة في السودان ظهر المرتزقة الروس هناك أيضاً، على ما يبدو في محاولة لإنقاذ نظام عمر البشير الذي وقع مع موسكو مسودة اتفاق على إقامة البناء الروسي في السودان قبل وقت قصير من إسقاطه من الحكم.

إن تعاظم النفوذ الروسي وضعف مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأفريقيا يخلقان جدول أعمال جديداً. فروسيا ترى في هذه المناطق ملعباً طبيعياً لها: فهي مهمة أيضاً من ناحية اقتصادية من أجل تجاوز العقوبات الغربية، وكذا من ناحية استراتيجية وجغرافية سياسية. روسيا معنية ببناء نظام إقليمي جديد تكون هي في الوسط، تدير علاقات وثيقة مع كل اللاعبين ذوي الصلة وفي موقع قوة يسمح لها بتفعيل هؤلاء اللاعبين الواحد ضد الآخر وفرض سياستها أيضاً، بالضبط مثلما يحصل في سوريا الآن.

أما إسرائيل التي هي في حلف استراتيجي وثيق مع الولايات المتحدة، فعليها أن تستعد لهذه التغييرات. في أفريقيا من شأنها أن تصطدم بمنافسة غير بسيطة في مجال التصدير الأمني في وجه الشركات الروسية، وثمة مفاجآت في المجال السياسي بانتظارها، سواء في التصويت في المؤسسات الدولية أم في سياق النفوذ الإيراني. إن علاقات روسيا مع إسرائيل قوية، ولكن علاقاتها مع إيران أقوى وأهم. مشكوك جداً أن تلجم روسيا نفوذ إيران في أفريقيا، مثلما يحصل اليوم في سوريا.

في السنوات الأخيرة، عمل رئيس الوزراء نتنياهو على توثيق العلاقات في أفريقيا. وفي إطار هذه الجهود أجرى زيارات عديدة للتقدم في التعاون الاقتصادي والمواضيع السياسية. ولكن بسبب ضعف وزارة الخارجية وإضعاف منظومة المساعدة الإنسانية التي تمنحها إسرائيل لشعوب العالم، كاد تواصل هذه المساعي ينعدم. فمن أجل التقدم بمكانة إسرائيل في أفريقيا، ينبغي الاستثمار سواء في العمل الدبلوماسي أم في المساعدة الإنسانية والتعاون في مجال الاقتصاد والزراعة. لا شك أن على إسرائيل العمل بكد أكبر بكثير كي تضمن مصالحها في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى