آراء

لماذا يُعدُّ انسحاب ترامب من الاتفاق الإيراني مشكلة لدول الخليج؟

قالت مجلة The Atlantic الأمريكية،، إن قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ستكون لها انعكاسات وخيمة على دول الخليج، خاصةً الإمارات والسعودية، كما أنه سيصبح فرصة لطهران للعودة إلى تخصيب اليورانيوم مرة أخرى.

وأضافت المجلة الأميركية أنه خلال سنوات رئاسة باراك أوباما، كانت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في الشرق الأوسط غاضبين من لا مبالاة واشنطن المُتصَوَّرَة تجاه مخاوفهم الأمنية إزاء إيران. ولا يبدو أنهم تمكَّنوا من إقناع الرئيس آنذاك بأن طموحات إيران تُشكِّل التهديد الأمني الأكبر للمنطقة.

ثم جاء دونالد ترمب، الذي بدا حريصاً على تبني وجهة نظرهم تجاه إيران، باعتبارها التهديد الأخبث للمنطقة وحتى للعالم برمته. وأعلن ترمب، يوم الثلاثاء 8 مايو 2018، أن الولايات المتحدة سوف تنسحب من الصفقة النووية التاريخية التي تفاوضت عليها إدارة أوباما و5 قوى عالمية أخرى، وسوف تعيد فرض عقوباتٍ قاسية أضرَّت بالاقتصاد الإيراني بشدة، بحسب المجلة الأميركية.

زعزعة الاستقرار

وتستدرك المجلة الأميركية بالقول إن الرياض، جنباً إلى جنبٍ مع الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وحلفائها العرب، قد يجدون أن تعطيل إدارة ترمب الصفقة، المعروفة بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”، بدايةٌ فقط لفترةٍ جديدةٍ من عدم اليقين وتزعزُع الاستقرار بالمنطقة. وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاعٍ بأسعار النفط، وهو الأمر الذي يأتي في صالح المملكة السعودية. لكنه أيضاً قد يطرح مخاوف أمنية ودبلوماسية واقتصادية جديدة. وإذا انهار الاتفاق بالكامل، فقد يواجه جيرانُ إيران الذين عارضوه تحدّياً، في يومٍ من الأيام، من قِبَلِ دولةٍ لديها برنامجٌ نووي لم يعد خاضعاً لتدقيق المُفتشِّين على مدار الـ24 ساعة.

وفي الخطاب الذي ألقاه يوم الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، استشهد ترمب بمخاوف السعودية والمنطقة من أن إيران “تُسبِّب دماراً عبر الشرق الأوسط وما وراءه” في السنوات التي أعقبت عقد الاتفاق النووي، وقال إن ذلك كان سبباً وراء الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوباتٍ ثقيلة من جديد على طهران. ومن جانبها، أصدرت وكالة الأنباء الرسمية في المملكة السعودية بياناً طويلاً، في محاولةٍ لإبراز دعمها لقرار ترمب.

وفي سياقٍ متصل، أعلنت الإمارات العربية المتحدة والبحرين دعمهما أيضاً القرار. وقال علي الشهابي، مؤسس “مؤسسة العربية”، وهي مركزٌ استشاري قريبٌ من القيادة السعودية: “أعتقد أن ترمب يحصل على النقاط الأكبر جراء هذا القرار”. وأضاف: “أعتقد أن هذا القرار سوف يُرضي الجميع؛ لأنه يضع الإيرانيين تحت المجهر”.

دول الخليج قد تُحبط من قرارات ترمب

لكن زعماء الخليج قد يُحبَطون من قرارات رئيسٍ مُتقلِّب له تاريخٌ من إصدار القرارات والفشل في تنفيذها. وربما يترقَّب زعماء الخليج من إلغاء الاتفاق ما هو أكثر مما يمكن أن تُقدِّمه الولايات المتحدة.

وقال ديفيد ديس روتشيس، وهو أستاذٌ مشارك في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية، وهو مركزٌ استشاري لوزارة الدفاع الأميركية: “إن وجهة نظر معظم المُتخصِّصين الأمنيين في دول مجلس التعاون الخليجي هي أنه قد خُدِعَ من قِبَلِ الإيرانيين، الذين لا نفهمهم، والذين تجاهلوا بصورةٍ اعتباطية الاعتبارات الأمنية الشرعية لدول مجلس التعاون الخليجي”. وأضاف: “لكنهم ربما يتوقَّعون نتائج أكثر مما نحن على استعدادٍ لتقديمها”، بحسب المجلة الأميركية.

ويعود التنافس السعودي مع إيران إلى عقودٍ مضت، منذ إطاحة الملكية الإيرانية في العام 1979 في ثورةٍ قادها أئمة مسلمون شيعة وأتباعٌ لهم. وألقى وليّ العهد السعودي المُعيَّن حديثاً، الأمير محمد بن سلمان، باللائمةِ على نظام إيران في فترة ما بعد الثورة على الكثير من مشكلات المنطقة، بما يشمل نفوذ رجال الدين الوهابيين المُحافظين بشدة في مملكته.

وقضى محمد بن سلمان، ونظيره الإماراتي الأمير محمد بن زايد آل نهيان، شهوراً في الضغط على ترمب من أجل اتخاذ موقف أكثر تشدُّداً ضد إيران. والتخلي عن الاتفاق النووي يُعد جزءاً من هذا الجهد، بحسب المجلة الأميركية.

وقال إيميل حُكيِّم، وهو مُتخصِّصٌ في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، للمجلة الأميركية أن “بطريقةٍ ما، تُعد معارضتهم للاتفاق نتاجاً لغضبهم من الطريقة التي شعروا أن إدارة أوباما تتجاهلهم بها”.

السعوديون يرفضون الاتفاق ولا يعتبرونه تهديداً لهم

وبحسب المجلة الأميركية، لا يحب السعوديون الاتفاق الإيراني، لكنهم لا يعتبرونه تهديداً في حدِّ ذاته. في المقابل، يرون طموحات إيران الأوسع هي المشكلة. قال الشهابي: “الأمر الأساسي هنا هو هذه السذاجة التي دفعت إدارة أوباما -هذه الرؤية بأننا نعقد اتفاقاً مع طرفٍ مسؤولٍ يمكن الوثوق به- خلقت الكثير من المخاوف”. وأضاف: “لم يبعث إنهاء العقوبات الإشاراتٍ الخاطئة فقط، بل أنه أيضاً سمح للنظام بأن يستكمل تمويل أنشطته العدوانية”.

أما الحُكيِّم، الذي يتحدَّث بانتظامٍ إلى مسؤولين ودبلوماسيين في المنطقة العربية، فهو مُتشكِّكٌ في أن سياسات إدارة ترمب غير المتسقة في العراق وسوريا، وهما ساحتا معارك جيوسياسية تتنافس فيهما إيران والسعودية، قد تتسبَّب في أي ارتياح. وقال: “الزعماء الأقل غضباً في الرياض وأبوظبي يفهمون أنك لست في وضعٍ أفضل، بل ربما في وضعٍ أسوأ”. وأضاف: “ليس هناك بالقطع أي وضوحٍ لما يأتي لاحقاً. وما مِن إحساسٍ بالالتزام من جانبِ إدارة ترمب بأي شيءٍ مستدامٍ في المنطقة”.

لكن الشهابي قال إن موقف ترمب القاسي إزاء إيران، بما في ذلك تعهُّده بفرض “أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية”، سيكون من الصعب التراجع عنه. وقال: “لقد اتخذ الآن وضعاً علنياً تماماً، وموقفاً واضحاً تمام الوضوح”، بحسب المجلة الأميركية.

 إسرائيل قلقة من برنامج إيران النووي

أما إسرائيل، فهي تخشى البرنامج النووي الإيراني نفسه، إذ يفرض البرنامج تحدياً مُحتَمَلاً لترسانة إسرائيل النووية المُفتَرَضَة.

لكن المملكة السعودية وحلفاءها، بما فيهم الإمارات ومصر، وحتى المغرب، التي قطعت مؤخراً العلاقات الرسمية مع إيران واتهمت حليفها حزب الله بدعم المُتمرِّدين في الصحراء الغربية، أكثر قلقاً من تدخُّلات إيران على الأرض: دعمها للميليشيات المُتشدِّدة أيديولوجياً في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ونقلها المزعوم لصواريخ يُطلِقها الحوثيون اليمنيون بانتظامٍ الآن على الأراضي السعودية، وهيمنتها السياسية على العواصم العربية من صنعاء إلى بيروت، بحسب المجلة الأميركية.

وقالت إليزابيث ديكينسون، الباحثة المقيمة في الخليج في مجموعة الأزمات الدولية،: “الرياض كانت قلقةً بصورةٍ خاصة من أن الاتفاق قد يُجرِّئ إيران في أنشطتها الإقليمية، مُعزِّزاً إياها بالمزيد من الأموال لدعم حلفائها في سوريا ولبنان والعراق وغيرهم”.

وبالنسبة للعديد من السعوديين، فقد صارت هذه المخاوف حقائق بالفعل. ومنذ أكثر من عامين، بعد وضع الاتفاق قيد التنفيذ، تمكَّن وكلاء إيران من تحقيق نجاحاتٍ في أكثر من ميدان معارك، وتوسَّع برنامج الصواريخ لدى طهران، وزاد نفوذها السياسي، وحتى أن برنامجها النووي صار ممكناً.

إيران أصبحت أجرأ

لكن خبراءً حذَّروا من أن إلغاء الاتفاق النووي قد يجعل في الحقيقة إيران أجرأ. وقالت إليزابيث: “إذا كانت الولايات المتحدة ستتراجع عن التزاماتها في الصفقة، فإن إيران بالتأكيد سترد على ذلك بطريقةٍ ما”. وأضافت: “قد يؤدي إلغاء الاتفاق النووي إلى لحظةٍ من التنفيس، لكنه في نهاية المطاف سيعود بنتائج عكسية”، بحسب المجلة الأميركية.

والأسوأ من ذلك هو إمكانية أن تستخدم طهران أي انسحابٍ أميركي من الاتفاق من أجل تكثيف برنامجها النووي ببطءٍ إذا ما انهار الاتفاقُ بالكامل ولم تستجب أوروبا للمطالب الإيرانية بالضمانات الاقتصادية. وبينما يقول ترمب إن خطة العمل الشاملة المشتركة قد تقود إلى سباق تسلُّحٍ نووي، فإن تكثيف إيران التخصيب من المُرجَّح أن يُشعِل مثل هذه الأزمة.

وفي خطابٍ أُلقِيَ بعد وقتٍ قصير من إعلان ترمب، تعهَّدَ الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن يظل في الاتفاق، لكنه قال أيضاً إنه أمَرَ المسؤولين بالاستعداد لـ”تخصيبٍ واسع النطاق” في حالةِ إن لم تستجب أوروبا وأطرافٌ أخرى لاتخاذ خطواتٍ من أجل تخفيف وقع الانسحاب الأميركي من الاتفاق.

وقال جيمس دورسي، المُتخصِّص في شؤون الشرق الأوسط في في كلية راغارتنام للدراسات الدولية في سنغاورة، إن “الإيرانيين ربما سيقولون إن الصفقة لا قيمة لها، ما يعني أن الإيرانيين يعودون إلى برنامجٍ نووي، وأيضاً أن سيكون هناك سباقٌ نووي في الشرق الأوسط”.

وأخبرت ويندي شيرمان، وهي دبلوماسية أميركية سابقة ساعدت في التفاوض بشأن الاتفاق النووي، الصحفيين في مؤتمرٍ عبر الهاتف يوم الثلاثاء: “إيران بالسلاح النووي ستقدر على استعرض المزيد من القوة في المنطقة”، كما تقول المجلة الأميركية.

عواقب وخيمة للخليجيين

وبالنسبة لدول الخليج، فثمة عواقب أخرى ممكنة لانتهاء الاتفاق النووي. فأسعار النفط آخذةٌ في التصاعد قبيل اندلاع أزمة محتملة في الشرق الأوسط، مما يساعد في تمويل التطلعات الداخلية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ولكن إذا ارتفعت الأسعار أكثر من الحد المعقول، فإن منتجي البترول الصخري الأميركيين سيكون لديهم حافز بالدخول إلى السوق، مما سيفضي في نهاية المطاف إلى خفض الأسعار، بحسب المجلة الأميركية.

ويقول مستشار المخاطر السياسية المقيم في شيكاغو مات دابروسكي: “كلما ارتفعت الأسعار كلما زادت قدرة منتجي النفط الصخري المهمشين على العودة إلى السوق”. ويضيف: “معظم المُحلِّلين يتوقَّعون هبوط الأسعار بحلول العام المقبل، حتى في ظل سيناريو فرض العقوبات. والمفارقة هنا أن المستفيدين سيكونون منتجي النفط الصخري الغربيين الذين سيتمكَّنون من التهام حصة السعودية في السوق”.

وفي حين يمكن أن يوافق بن سلمان وبن زايد ترمب الرأي في إلغاء الاتفاق النووي، فإن هذا الأمر لا يأتي على هوى جميع اللاعبين السياسيين في الخليج. فدبي، التي تعد واحدةً من الإمارات السبعة التي تشكل دولة الإمارات العربية المتحدة، تنافس الصين في مرتبة أكبر الشركاء التجاريين لإيران، وربما ستجد صعوبة في زيادة عزلة إيران في وقت ربما تعايش فيه بشكل أو بآخر وضعاً خطراً من الناحية الاقتصادية، كما تقول المجلة الأميركية.

وربما يزداد اتجاه قطر، التي تحاصرها السعودية لاتباعها سياسة خارجية مستقلة عن منطقة الخليج ولمزاعم بتمويلها جماعات إرهابية، للدوران في الفلك الإيراني. أما عمان والكويت، اللتان تسعيان بالفعل للوساطتة بين السعودية وقطر والسعودية وإيران، فربما يتزايد الضغط عليهما لينحازا لطرفٍ دون الآخر. أما تركيا التي تلعب دوراً تتزايد أهميته في الشؤون الخليجية والاستثمار، فقد أدانت انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، بما يجعلها في مواجهة مع الرياض وأبوظبي، بحسب المجلة الأميركية.

وتقول كاميل لونز، المُتخصِّصة في الشؤون الخليجية في المجلس الأوروبية للشؤون الخارجية: “منطقة الخليج ممزقة بالكامل في الوقت الراهن. وهذا القرار من شأنه أن يزيد الانقسام الموجود في مجلس التعاون الخليجي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى