آراء

ماذا يعني أن تصوت لليسار الصهيوني؟

هل يستطيع شخص أصولي التصويت لحزب يدعو إلى أكل لحم الخنزير؟ أو شخص نباتي لحزب يدعو إلى استهلاك اللحوم؟ أو شيوعي لحزب رأسمالي؟ أو ملحد لحزب متدين؟ أو شخص يحب السلام لحزب جنرالات؟ كل مصوت يكذب إلى حد ما على نفسه ويتصالح، لكن هناك أكاذيب غير ممكنة، مثل كذب من يعتقدون أن إنهاء الاحتلال هو الموضوع الأكثر مصيرية. وأن كل الأمور الأخرى الثانوية وحلم الدولتين قد انتهى، وفي الاختيار الذي لا مفر منه بين اليهودية والديمقراطية هم يفضلون الديمقراطية.. وما زالوا يصوتون للأحزاب الصهيونية.

هم يخدعون أولاً وقبل كل شيء أنفسهم. ليس من الصعب معرفة دوافعهم. من غير الممكن في إسرائيل أن تكون يهودياً غير صهيوني. الصهيونية والأيديولوجيا تسيطران بدون كوابح، لأنها الأيديولوجيا الوحيدة الشرعية. الأصوليون يكفرون بها، كما يبدو، ظاهرياً، ويبنون المستوطنات الأكبر والأكثر صهيونية في المناطق. ويسمح للعرب إلى درجة ما إنكارها، لكن بسبب ذلك هم يتهمون بعدم الولاء وبالخيانة.
من السهل في إسرائيل أن تكون قومياً متطرفاً صهيونياً، ولا تعترف بأن هناك شعبين متساويين من حيث حجمهما يعيشان في هذه البلاد، وأن لا يكونا متساويين في الحقوق القومية تحت نظام أبرتهايد. من السهل أيضاً أن تكون يهودياً ليبرالياً تحب السلام وتعارض الاحتلال وتصوت لليسار الصهيوني وتنسى أنه هو المسؤول عن الاحتلال أكثر من أي تيار آخر في الصهيونية. وأنه لا يوجد لديه أي شيء ليقدمه من أجل وضع حد للاحتلال. من السهل أيضاً الانشغال بمواضيع أخرى، وجميعها مهمة، لكن بدرجة أقل، مثل: الفساد والتهويد ومواقف السيارات وبنيامين نتنياهو والمحكمة العليا ومساعدات رياض الأطفال.
هنا تكمن الكذبة الكبرى، الاعتقاد بأن إسرائيل ستكون ذات يوم ديمقراطية طالما أن قسماً كبيراً من رعاياها يعيشون تحت تسلط عسكري، وأن يتم اعتبارك شخصاً يخاف على الديمقراطية من أجل إضعاف نتنياهو والتفكير بأن الكفاح كاف ضده. عليك أن تعرف من أعماق قلبك أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية في أي يوم، وأن إسرائيل لم تكن تنوي بجدية في أي يوم بالسماح بإقامتها. والآن لم يعد هناك أي مكان لإقامتها، وأن لا تتجرأ على التفكير بأي بديل.
صحيح أن البدائل هي دولة أبرتهايد أو نهاية الصهيونية. ليس من السهل الانفصال عن الصهيونية. لقد تربينا في حضنها وآمنت بعدالتها بلا منازع. لم يكن هناك عرب في طفولتنا، ولم تكن نكبة أيضاً. لقد تربينا على التفكير بأنها كلها لنا والأيام كانت أيام ما بعد الكارثة. والناجون منها عاشوا بين ظهرانينا. من سيتجرأ على التفكير بإسرائيل غير صهيونية، حيث يتعلق الأمر بإبادة، ليس أقل من ذلك، كما تقول الدعاية الصهيونية الناجعة جداً. على أبواب إسرائيل كان يقف بكامل القوة القرار الأكثر مصيرية منذ إقامتها: ديمقراطية أم غير ديمقراطية. ليس بسبب محاولة سيطرة نتنياهو على مجلس الكوابل والأقمار الصناعية، بل لأن شعباً آخر، غير يهودي، يعيش تحت سيطرتها، وأن إسرائيل ليس لها أي نية لتحريره من قبضتها الحديدية المستبدة.
التصويت لأحزاب الوسط أو أحزاب اليسار الصهيوني يعني أن يكون كل ذلك أقل أهمية، ويمكنه الانتظار لوقت آخر، هذا الوقت الذي لن يأتي في أي يوم بنفسه. التصويت لأحزاب الوسط واليسار الصهيوني يعني أن الفلسطينيين يمكنهم الانتظار. لقد مرت عليهم أربعة أجيال لجوء وثلاثة أجيال احتلال، فلينتظروا أكثر من ذلك، لماذا التسرع؟ فنحن مشغولون وخائفون من الكارثة ولأننا الشعب المختار، ولا يوجد لنا شريك. التصويت لليسار الصهيوني يعني أيضاً بأننا “قد استسلمنا، تنازلنا ورفعنا الأيدي. اليمين انتصر إلى الأبد، حتى العدالة المتأخرة والجزئية لن تكون هنا، بل لن تكون لنا دولة عادلة.. سنعيش على حد السيف، على دونالد ترامب، وعلى ينابيع مسروقة، وعلى اعتقالات إدارية وعلى زاير بولسونارو ويئير نتنياهو. وسيكون لنا مكان نوقف فيه السيارة في الليل في تل أبيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى