آراء

هل يسير كيم على خطى القذافي؟

تطرح التطورات المتسارعة بشأن كوريا الشمالية الكثير من الأسئلة عن الدوافع والمآلات، بخاصة أنها تشكل تحولا جذريا ومفاجئا عن السياق التقليدي السابق.

منذ أن أقامت كوريا الشمالية فجأة، ومن دون مقدمات “اتصالات” مع الولايات المتحدة حول ملفها النووي والصاروخي توجت بقمة سنغافورة، لوّح مسؤولون أمريكيون كبار، بما فيهم الرئيس دونالد ترامب نفسه، بالنموذج الليبي في معرض تحذير بيونج يانج من عواقب تمسكها بالسلاح النووي والصاروخي.

التحذير من النموذج الليبي الذي ظهر على لسان أصحاب القرار في واشنطن أكثر من مرة، أقل ما يمكن القول عنه أنه في غاية الغرابة، وذلك لأن القذافي سلّم “فجأة” عام 2003 مكونات برنامج بلاده النووي والصاروخي إلى الولايات المتحدة، ونقلت طائرات الشحن على عجل إلى هناك جميع وثائقه وأسراره ومعداته.

تلك “الصفقة” الغامضة التي ربطها البعض بإخراج الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من مخبئه بطريقة مذلة ومن بعد إعدامه بتشفي، لم تشفع للزعيم الليبي معمر القذافي ولنظامه، فقد تدخل الناتو بقيادة الولايات المتحدة عسكريا هناك عام 2011، واعتقل القذافي ثم أعدم بطريقة شبيهة بمصير صدام.

كان يمكن أن يؤدي تهديد واشنطن لزعيم كوريا الشمالية بمصير القذافي، إلى نتائج عكسية تدفع كيم جونغ أون إلى الاحتماء أكثر بأسلحته النووية والصاروخية لتفادي مصير القذافي، وذلك لأن “النموذج الليبي” في جانبه النووي هو مثال صارخ لصفقة خاسرة، انتهت بالطريقة المأساوية التي شاهدها العالم ولا يزال يتابع آثارها المدمرة.

بطبيعة الحال، لم يكن البرنامج النووي والصاروخي الليبي يماثل البرنامجين الإيراني والكوري الشمالي، بل كان متعثرا ومن دون ركائز، وكان عبئا ثقيلا على البلد ولا جدوى منه حتى على المدى البعيد.

إيران اختارت طريقا خاصا في التعامل مع المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي، وقد لجأت إلى المنظمة الدولية للطاقة الذرية وإلى السداسية الدولية، ولم تحمل ملفها النووي إلى البيت الأبيض، بل حرصت على عدم استفراد واشنطن بها.

وبعد مفاوضات ماراثونية برعاية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا أبرمت الصفقة النووية عام 2015، وكادت هذه القضية أن تنتهي، إلا أن وصول ترامب إلى السلطة، ومن بعد خروج واشنطن من خطة العمل المشتركة الشاملة جعل مصيرها غامضا، وألقى ظلالا قاتمة من الشك حول مستقبلها.

على أي حال، اختلف نهج طهران عن نهجي طرابلس وبيونج يانج، إذ تفاوض نظام القذافي مع واشنطن، ولم يلجأ إلى الأمم المتحدة أو الوكالات المتخصصة أو أصدقائه الدوليين الكبار لتسوية ملفه النووي، الأمر ذاته فعلته بيونغ يانغ، إذ حمل زعيم البلاد كيم جونغ أون بنفسه ملف بلاده النووي ووضعه على الطاولة أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

على الخلاف من ذلك، لم يساوم القذافي طويلا، وعقد صفقة عبر وسطاء مع واشنطن حملت بموجبها عشرات من طائرات الشحن “أسرار” البرنامج النووي والصاروخي الليبي “المتواضع” والهزيل، ليغلق هذا الملف خلف الكواليس.

كيم مد كلتا يديه إلى “الإمبريالية” فجأة بعد سنوات من الخطب الحماسية والتهديد بضرب الأراضي الأمريكية بالسلاح النووي وتدمير واشنطن، وجلس في سنغافورة مع ترامب واعدا إياه، من دون مقدمات موضوعية، بالتخلي عن سلاحه النووي.

حتى الآن لا يمكن التكهن بنتائج هذه المفاوضات التي انطلقت بين الجانبين لتوها، إلا أنه يمكن وصفها من دون تردد بالغريبة، إذ يبدو أن كيم يسير تماما على خطى القذافي نحو صفقة تتجاهل المنظمة الدولية للطاقة الذرية والأمم المتحدة والأصدقاء الكبار، فهل سيختلف مصير كيم، إذا تم فعلا تجريد كوريا الشمالية من سلاحها النووي والصاروخي، عن مصير القذافي؟

على ماذا يعول كيم جونغ أون في جلوسه منفردا مع ترامب؟ هل يريد ربح المزيد من الوقت؟ أم أنه يئس من فائدة سلاح استنزف موارد بلاده وجعل شعبه على شفا المجاعة وقمة البؤس؟

وفي كل الأحوال، لماذا اختار زعيم كوريا الشمالية طريق القذافي ولم يلجأ مثل إيران إلى التفاوض ضمن صيغة دولية تكبح جماح الولايات المتحدة وتوفر قدرا من العدالة والتوازن والضمانات؟ الحقيقة أن الأمر محير تماما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى