تقارير وتحليلات

أردوغان يعدّ عدته للتهديد الداخلي الذي يتربص بالحزب الحاكم

“تصرفْ كرئيس حكومة، لكن لا تستخدم جميع صلاحياتك، ولا تعِن رؤساء الحزب في الأقاليم”، أمر رئيس تركيا رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة السابق أحمد دابوتولو. هذا ما قاله دابوتولو في مقابلة مدتها ثلاث ساعات أجراها مع “صوت روسيا”، القناة الفرعية لشبكة الإعلام الروسية “سبوتنيك”، التي تمولها الحكومة الروسية.

على الفور، بعد المقابلة، تلقى الصحافيون الأتراك الذين أجروا المقابلة مع دابوتولو، لدهشتهم، أمراً بالامتناع عن بث المقابلة. يتبين أن روسيا تهتم بشكل جيد بمؤيديها، ولكن الانتقادات الموجهة ضد أردوغان الذي “خاطر بنفسه” واشترى أنظمة صواريخ “إس400” لا يوجد لها مكان في وسائل الإعلام الروسية.

ولكن ما يعتمل في قلب دابوتولو، الشخص الذي تحول إلى ظل لأردوغان، حتى في الأوقات التي شغل فيها منصب مستشار سياسي كبير، انفجر بضجة كبيرة في شهر نيسان/أبريل الماضي عندما نشر بياناً من 50 صفحة في صفحته في “فيسبوك”، وفيه فصل أخطاء الرئيس وإخفاقات الحزب. “استبدلت الحملة الليبرالية للحزب بمقاربة جامدة وذات طابع أمني”، كتب، “لم أوافق على البقاء في الحزب بهدوء أو المغادرة بهدوء”. وزير الخارجية المخلص الذي يسجل لصالحه اتفاق اللاجئين الذي وقع بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والشخص الذي صك مفهوم “صفر مشاكل مع الجيران” كمبدأ سياسي يوجه تركيا، وجد نفسه في العام 2016 مقصيًا عن السلطة. الآن هو متردد، هل سيترك الحزب الذي رعاه أم سيبقى ويحاول تغييره من الداخل رغم الاحتمالات الضئيلة.

من لم يترددوا هم: علي بابجان، نائب رئيس الحكومة السابق، الشخص الذي يعتبر قائد سياسة تركيا الاقتصادية، وعبد الله غول من مؤسسي حزب العدالة والتنمية، وعضو قريب سابق لأردوغان، رئيس تركيا قبل انتخاب أردوغان. بين هذين الشخصين وأردوغان، حدثت خلافات سياسية وأيديولوجية شديدة وصلت إلى الذروة عندما لم يعين أردوغان بابجان في وظيفة في حكومته الجديدة التي شكلها. في هذا الشهر، أعلن عن استقالته من بيته السياسي، حزب العدالة والتنمية. “نحن بحاجة إلى رؤية جديدة وحركة سياسية جديدة”، قال بابجان في بيان قصير، وأضاف بأن تركيا “انتقلت من مقاربة برلمانية معيبة إلى مقاربة رئاسية معيبة”.

مقربو السياسيين الثلاثة قالوا إن هناك العشرات من كبار الحزب يفكرون بتركه والانضمام إلى الجسم السياسي الجديد الذي يخططون لتشكيله، لكن السؤال هو ماذا ستكون نسبة الدعم التي سيحظى بها في أوساط الجمهور. أردوغان على أي حال يعدّ نفسه لهجوم. وفي بيان ضد بابجان هاجمه فيه لأنه “ليس له الحق في تقسيم الأمة”، لقد استخدم المفهوم الإسلامي “أمة” ورمز بذلك إلى أن بابجان يعمل ضد أسس الإسلام التي تهاجم الحرب الأهلية “الفتنة” بشكل صريح.

إذا كان الأمر يتعلق بحرب داخلية، فإنها تشتعل بين المنسحبين الثلاثة، فبابجان وغول لا يحتضنان دابوتولو الذي ما زال يعتبر، في نظرهما، ذيلاً لأردوغان، رغم الانتقاد الذي وجهه. الخلاف بينهم يعود إلى عام 2014 عندما كان على الحزب، في أعقاب انتخاب أردوغان رئيساً، أن يختار رئيساً جديداً. على هذا المنصب، تنافس غول ودابوتولو. ورغم أن معظم أعضاء الحزب أيدوا غول، إلا أن أردوغان عين دابوتولو؛ لأنه فهم أن غول يمكنه صد تعديلات في الدستور تمنح الرئيس صلاحيات كثيرة.

دابوتولو أوضح مؤخراً بأنه لو كان يعرف أن غول يرغب برئاسة الحكومة لتنازل له. ولكن العداء بينهما تحول إلى شرخ. دابوتولو متهم بأنه وبموافقته على قبول المنصب قد أعطى أردوغان عنان السلطة بصورة كاملة، وقضى على احتمالية أن يضع ضده سوراً كان يمكنه أن يدافع عن قيم الديمقراطية. أقوال دابوتولو في مقابلة مع “صوت روسيا” تثبت كيف استخدم أردوغان رئيس حكومته وقلص صلاحياته.

من وراء الكواليس، تظهر شخصية رئيس المخابرات، هاكان فيدان، الذي يعتبر الشخص القوي ويعرف كل الأمور. أعلن في السابق أنه ينوي الدخول في السياسة، وفي عام 2015، ترشح للانتخابات البرلمانية، ولكن أردوغان ضغط عليه من أجل التخلي عن الفكرة والعودة إلى منصب رئيس المخابرات مع صلاحيات كبيرة وميزانية سخية. فيدان وافق في حينه على طلب أردوغان، وتحول إلى الشخص الأكثر تأثيراً، سواء في المجال العسكري أو المجال السياسي. مشكلته هي أنه يعتبر مقرباً من عبد الله غول، وبهذا فهو بصورة طبيعية مشتبه به في نظر أردوغان.

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يتوقع أن تجرى في 2023. وحتى ذلك الحين، يمكن أن تحدث تقلبات، سواء على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد السياسي. سيحاول أردوغان الإثبات بأنه خلافاً لرؤية بابجان الذي يؤيد رفع نسبة الفائدة من أجل القضاء على التضخم المالي، فإن تخفيضها سيؤدي إلى النمو. هو يضع تركيا كدولة عظمى إقليمية لا تتأثر بالضغوط الدولية، وبالأساس – عليه إعادة الثقة به بعد هزيمته في انتخابات بلدية إسطنبول. ولكن هذه أيضاً فترة زمنية ستمكن خصومه والأشخاص المستقيلون من بلورة تأييد الجمهور وطرح بديل لحكم عمره 16 سنة لحزب العدالة والتنمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى