تقارير وتحليلات

الإندبندنت: مهما كان كره ماكين لترامب فهو الذي فتح «علبة الديدان» التي جلبته رئيساً

يقول ماثيو نورمان في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية إن حس الشقاوة الذي ذكره عدد من مؤرخي حياة السناتور الجمهوري جون ماكين الذي مات بعد صراع مع سرطان الدماغ والذي رحب من خلاله بالموت يبدو أنه تخلى عنه في النهاية. فقد كانت أمنية السناتور الأخيرة هي أن لا يحضر الرئيس دونالد ترامب جنازته. ونعرف السبب لعدم رغبته بحضور مخرب استهزأ من خمس سنوات قضاها ماكين تحت التعذيب في حرب فيتنام واحتقر احتجازه.

ولكنه ضيع فرصته للإنتقام منه ودعوة الرئيس لأن يقدم رثاء في الجنازة. فنحن لا نعرف كم الوقت الذي كان الرئيس يمدح بطل الحرب الذي كرهه جداً. فقد اكتفى الرئيس برسالة قصيرة عبر «تويتر»: «قلوبنا وصلواتنا معكم» مخاطباً عائلته. إلا أن ماكين قرأ بما فيه الكفاية في الأيام الأخيرة التي سبقت وفاته من الأخبار التي تراكمت على ترامب وساهمت في إهانته كرجل غير لائق تماماَ مثل الضربة التي وجهها الملاكم محمد علي ضد منافسه جورج فورمان في مباراتهما التي جرت بزائير حيث طرحته أرضاً، ففي اللحظة الأخيرة من حياته عاش ماكين ليرى بداية النهاية لترامب.

فقبل خمسة أيام من وفاته جاءت صورة الشاشة المقسومة لكوهين – مانفورت في قاعة المحكمة. وقبل أن يغيب عن الوعي قرأ ان المقرب من ترامب والذي احتفظ بأسراره السوداء اتفق مع السلطات الفدرالية. فألين وزايلبرغ، المسؤول المالي في منظمة ترامب توصل لاتفاق حماية من المحققين الذين يقومون بالتحقيق في الأموال التي دفعت للممثلة الإباحية ستورمي دانيالز التي أقام ترامب علاقة معها والعارضة في مجلة بلاي بوي كارين ماكدوجال.

ثم جاء الخبر التالي عن اتفاق ديفيد بيكر، صاحب «ناشونال إنكوييرر» الذي اشترى القصص المدمرة لسمعة الرئيس ولم ينشرها، مع السلطات الفدرالية. ولأن الاخبار تأتي مجموعة أو من ثلاث فقد قال حارس بناية ترامب دينو ساجدوين إن المنع الذي مارسته «إنكوايرير» على مناقشة ولد سفاح جاء نتاجاً لعلاقة أمامها ترامب مع مدير البيت قد رفع.
ويعلق نورمان، لو كانت هذه التقارير التي قرأها ماكين قبل وفاته فإنه قد ذهب وابتسامة على وجهه من الإنهيار الجليدي النابع من الخروقات في أثناء الحملة الإنتخابية لترامب. وفي واشنطن المتحزبة وقبل أن تصبح عبارة «النائب الجمهوري» قرينة «بالجبان الطفيلي الذي يغذي بكتيريا ترامب المستعمرة» فقد تعاون ماكين مع الديمقراطيين.
وسيتذكره الكثيرون ليس بصورته في فندق هانوي حيث احتجز والحرب التي لم يكن يريد المشاركة فيها بل بحضوره وقد خرج للتو من المستشفى لكي يصوت ضد محاولات الجمهوريين قتل قانون العناية الصحية او ما عرف بـ «أوباما كير». وسيتم استحضاره بحب وبشكل عام كمعارض لترامب والتزامه بالواجب والخدمة العامة والمبادئ التي ستعيش بعده وتوبيخه للرئيس الذي تضعف سلطته على الرئاسة يوماً بعد يوم.

ومع ذلك فمن المفارقة القاسية أن ماكين ساهم في وصول ترامب إلى السلطة. فمن خلال اختياره سارة بالين لكي تكون نائبته في انتخابات الرئاسة لعام 2008 فقد كان القابلة التي أدت لولادة الجهل كسلاح للفوز في الإنتخابات. فتبني ماكين للمرشح الذي لا يعرف شيئاً ولا يهتم كثيراً أدت لتطبيع الجهل ومنح المتغطرسين الذين أصبحوا يعرفون بحزب الشاي ومن ثم اليمين البديل شرعية.

وحاول ماكين سحق «الزومبي» العنصري الذي خرج من كفنه وصحح إمرأة عندما قالت إن باراك أوباما «عربي» لكنه كان الشخص الذي فتح صندوق المتاعب عندما أطلق العنان لسارة بالين في أمريكا وبدون ان يهتم بالبحث عن أرضيتها وطبيعتها ثم جاء بعد ذلك لتبني فكرة «الولادة» والتشكيك في مكان ولادة أوباما التي تبناها ترامب بحماس. وسيقدم اوباما وجورج دبليو بوش رثاء في جنازة ماكين الذي صفح عنه بعدما اتهمه في حملته الإنتخابية عام 2000 بأنه أنجب ابنة سوداء زعم ماكين انه وزوجته سيندي قاما بتبـنيها.

والجزء الأخير صحيح حيث أحضرها من ميتم تابع لمنظمة الأم تيريزا في بنغلاديش. ومهما كان موقع ترامب من الدولة ذات الغالبية المسلمة فتبني ماكين لبنت منها يعبر عن إنسانيته ويعطيه مكانة عالية في حزبه. وسواء صح الكلام عن ابن غير شرعي لترامب أم لم يصح فنهاية الرئيس لا تتعلق بالسلوكيات الجنسية بقدر ما هي التعاملات المالية التي بدأت تتدفق وتهدد بأن تصبح إعصـاراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى