تقارير وتحليلات

البصرة “فينيسيا العرب” تموت من العطش

تسمم دبلوماسي أوروبي بسبب تلوث مياه مدينة البصرة الساحلية في العراق التي كانت يوما تلقب «بفينيسيا الشرق»، نظرا للقنوات المائية العديدة التي تتخللها، تموت الآن من العطش.

سفير الاتحاد الأوروبي إلى العراق رامون بليكوا قال إنه مرِضَ في مدينة البصرة بسبب المياه الملوثة، التي نُقِلَ عشرات الآلاف من السكان بسببها إلى المستشفيات.

وتحولت تلك القنوات المائية التي جعلت الناس يشبهون البصرة بمدينة البندقية الإيطالية إلى برك مياه راكدة ملوثة.

يفيد رامون بليكوا أنه شعر  يوم الخميس 4 أكتوبر/تشرين الأوّل بإعياءٍ و»اضطر لإلغاء اجتماعاتٍ عدة» في مدينة البصرة الجنوبية.

كتب رامون في حسابه على تويتر، مشيراً إلى منظمة الأمم المتحدة للطفولة: «شخَّصَ طبيبٌ من اليونيسيف الأسباب، وتوصَّل إلى أنها المياه الملوثة».

وقال إنه لم يُخطِّط لأن «تنجرف علاقة التضامن التي تجمعني مع أهل البصرة لتبلغ هذا الحد، لكن يمكنك بالطبع الآن مشاركة ما تشعر به».

ويعاني شط العرب، الذي يشق المدينة ويعد مصدر المياه العذبة الرئيسي لتلك القنوات، من تلوث كبير يتهدد حياة أربعة ملايين شخص في ثاني كبرى مدن العراق.

وبحسب اللجنة العليا لحقوق الإنسان بالعراق، فقد نُقِلَ أكثر من 90 ألف شخص إلى المستشفيات في البصرة من جرَّاء شرب المياه الملوثة.

بحسب ما ذكرت وكالة AFP الفرنسية، اجتاحت الأزمة الصحية أيضاً أحد كبار أندية كرة القدم من بغداد، الشهر الماضي سبتمبر/أيلول، عندما اضطر فريق الحسين إلى تأجيل مباراته في البصرة، بعد سقوط 10 لاعبين بسبب المياه الملوثة.

احتجَّ آلاف المواطنين على أزمة المياه والحالة الأوسع نطاقاً من تردِّي الخدمات العامة، مما دعا بغداد إلى تقديم تعهُّدات بتحسين الأوضاع في المحافظة الجنوبية الغنية بالنفط.

يُعَد نهر شطّ العرب، في المدخل الشمالي لمدينة البصرة، هو النهر الرئيسي للبصرة ومصدر الإلهام التاريخي لقصص السندباد البحَّار، فضلاً عن أنه ملتقى نهرَي دجلة والفرات، ويتدفَّق عبر وسط المدينة.

أظهرت مقاطع فيديو صوَّرها سكانٌ محليون مياه النهر تتحوَّل إلى اللون الأسود بسبب التلوُّث أو تتشبَّع بالأملاح.

أخبر شكري الحسن، محاضر علوم البحار بجامعة البصرة، وكالة Reuters للأنباء: «المياه الآن مُلوَّثة بالجراثيم والمواد الكيميائية والطحالب السامة، إلى جانب تركيزات من الملح لم يسبق لها مثيل، تجعل المياه تكاد تكون في ملوحة مياه البحر».

 

أخبر نقيب اللعيبي، أحد منظمي الاحتجاجات في البصرة، موقع Middle East Eye البريطاني، يوم الإثنين 1 أكتوبر/تشرين الأول، قائلاً: «وضع النهر هو الأسوأ على الإطلاق. يمكنك أن ترى أن ما من طيور تُحلِّق فوق نهر شط العرب بسبب مياهه المسمومة. نحن نفقد أرواحنا».

قال بليكوا إنه جاء إلى البصرة كجزءٍ من مجهودات الاتحاد الأوروبي لدعم المشروعات المرتبطة بتقديم الخدمات، فضلاً عن تلك المتعلِّقة بالحوكمة الرشيدة وخلق فرص العمل.

يقول شكري الحسن أستاذ علوم البحار بجامعة البصرة «ليس شريان حياة وإنما شريان للموت. مستويات التلوث عالية جدا، شتى أنواع الملوثات الآن ممكن أن تجدها في هذا النهر.. ملوثات جرثومية.. ملوثات كيميائية.. طحالب سامة.. مستويات الملوحة الآن بتراكيب غير مسبوقة ممكن أن تقارب مياه البحر أو هي مياه بحر بالفعل».

وأضاف «نلاحظ نفوق بالأسماك بشكل مقلق.. حتى لو أنه كانت هذه السماك تتحمل المياه المالحة لكن نفوقها يدلل على وجود تسمم في هذا الشط.. الوضع مقلق جدا بالحقيقة ويجب إنه نطلق نداء استغاثة وإنذار حول ما يتربص بِنَا من خطر».

وأوضح الحسن أن مستويات التلوث في شط العرب زادت أربعة أمثالها في الأعوام العشرة الأخيرة مضيفا أن التلوث يزداد ويُضاعف المخاطر على السكان.

وتنتشر بشوارع البصرة بالوعات الصرف الصحي المفتوحة، وأكوام من القمامة التي تنبعث منها روائح كريهة مما دفع السكان الغاضبين في الآونة الأخيرة لتنظيم واحدة من أكبر الاحتجاجات منذ سنوات.

ويقارن كثير منهم بين الفقر الذي يعانونه وبين عائدات النفط الضخمة التي تدرها المحافظة على خزائن الحكومة.

ويقول مسؤولو الدولة إن أزمة في المالية العامة ناجمة عن تراجع أسعار النفط لسنوات هي سبب المصاعب التي تواجهها البصرة التي كانت مقصدا للسائحين في الشرق الأوسط حتى مطلع الثمانينيات.

ويقول رعد شبوط ظهار، وهو من سكان المدينة، إن أزمة المياه واحدة من مشكلات كثيرة وضعت أسرته المؤلفة من 17 فردا وتضم زوجتين وأمه و14 بنتا في وضع يائس.

وقال إن الأمور زادت صعوبة لأنه في الوقت الذي اعتاد فيه على كسب عشرة آلاف دينار عراقي يوميا (8.43 دولار)، كان ينفق خمسة آلاف على الطعام ويدخر الباقي بينما يواجه الآن ضغوطا مالية.

وأوضح «بالله العظيم صعبت أصعب زايد لأن حانت عندي متجيب العشرة آلاف، من نجيب العشرة آلاف خلي أكول العائلة تريد اقتصد عليهم ما تصرف العشرة، تصرف يوميا خمسة ستجيب بيهم مسواك… هسه صار التضرر، لان العشرة بعد ما تجيب شي للعائلة، العشرة تركض بيهن الماي لأن الماء قبل من تترسه نصف طن يبقى عندك بس الشرب، لا تغسل به وجهك، لا تغسل به ملابسك، بس للشرب، هسه لا، هيه حاليا تضرر هسه، هسه غسل وجه، غسل ملابس، سبح به، هسه يومين، يوم الثاني انت تترس».

وتقع البصرة عند التقاء نهري دجلة والفرات قرب الخليج بالطرف الجنوبي للعراق وهي واحدة من عدد قليل من مدن الشرق الأوسط التي لا يوجد بها نظام فعال لمعالجة المياه.

وكانت المدينة تملك بنية تحتية للصرف الصحي في الستينيات من القرن الماضي لكنها تعطلت بعدها بعقود مما حول الجداول المائية إلى مستنقعات تفوح منها الروائح الكريهة والتي تفاقمت بفعل المناخ الصحراوي الحار.

ويقول سكان البصرة إن الأملاح التي تتسرب للمياه تجعلها غير صالحة للشرب وتتسبب في دخول مئات السكان للمستشفيات.

وقال رياض عبدالأمير رئيس الإدارة الصحية في البصرة إن زهاء 90 ألف شخص دخلوا المستشفيات وإن أربعة آلاف يوميا يطلبون العلاج هذا الشهر.

ولم يعد عقيل شاكر عبد المجيد يرى أملا في المستقبل وهو يقف لشراء مياه الشرب.

وقال الرجل «معاناة البصرة كلها من الشمال، شمال البصرة إلى الفاو، ماء مالح، يعني صعد فوق ٣٠٠٠ تقريبا وهاي الناس إلي تشوف ورأي المقطورات جاي يترسون… زين الفقير منين راح يجيب؟ ألما عنده منين راح بجيب؟ يعني شلون يسرق، يبوك، ما أدري شلون وضعية صارت».

ولتحسين المياه، تبني الحكومة المركزية مشروعا كبيرا للمعالجة ومحطة للتحلية معتمدة على قرض من اليابان.

ومن المتوقع استكمال المشروع بنهاية العام الجاري لكن رحيل الخبراء اليابانيين بسبب التهديدات خلال الاحتجاجات أرجأ تنفيذ المشروع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى