تقارير وتحليلات

المعارضون لأردوغان.. كيف توحَّد الأتراك خلف العملية العسكرية بشمالي سوريا؟

عرَّض الهجوم التركي في شمالي سوريا، الرئيسَ التركي رجب طيب أردوغان لردِّ فعلٍ دولي حاد، وانتقاداتٍ شديدة يومية من بعض حلفائه الغرب، ولكن في الداخل فإنّ الأتراك يؤيدون بحماسة العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي في شمالي سوريا.

ففي تركيا، لم تُثِر هذه الحملة العسكرية جدلاً عاماً كبيراً، بل على العكس نالت تأييداً حتى من المعارضين لأردوغان حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

إذ احتشد المشاهير والرياضيون الأتراك وراء الجيش. فيما أبدت أحزاب المعارضة، بوجهٍ عام، دعمَها. ونزل المواطنون الأتراك في البلدات الحدودية إلى الشوارع، ملوّحين بالأعلام التركية لتحية الجنود في أثناء استعدادهم للمعركة، ووضعت وسائل الإعلام تصريحات أردوغان في صدارة عناوين الصحف.

فيما لم يُظهر أردوغان أي إشارة إلى أنه يعتزم إيقاف الهجوم أو حتى الحدّ من نطاقه. بل يبدو أنَّ تركيا قد وسَّعت نطاق العملية يوم أمس الاثنين 14 أكتوبر، إذ أرسلت بعض مقاتلي قوات المعارضو السورية المتحالفة معها للاستيلاء على بلدة منبج، التي تقع على بعد كيلومترات من المنطقة التي تقول الحكومة التركية إنها تعتزم إنشاء «منطقة آمنة» فيها داخل شمال شرقي سوريا.

في تركيا، الحكومة تأخذ في الاعتبار رأي شعبها

ويشعر المراقبون الأجانب بالقلق من إصرار أردوغان على مواصلة العملية التي أدّت إلى تصعيد الصراع في سوريا واشتعال موجة جديدة من معاناة المدنيين.

لكنَّ بعض المحللين يقولون إنَّ الحكومة التركية تأخذ شعبها كذلك في عين الاعتبار، وتراهن على قدرتها على الصمود أمام الغضب الدولي.

إذ قال سولي أوزيل، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قادر هاس في إسطنبول، متحدثاً عن رد فعل أردوغان على الانتقادات الحادة من دولٍ مثل ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة: «إنَّه عنيد للغاية. لا أعتقد أنه يكترث لهذه الانتقادات».

الجيش السوري الحر يرفع علم الثورة السورية

ومن المستبعد أن تُضعِف تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد تركيا -بما في ذلك فرض عقوبات يوم أمس على وزراء ومسؤولين بارزين أتراك- الدعم الذي يحظى به أردوغان في تركيا.

إذ قال أوزيل: «كما هو الحال في بقية دول العالم، فالجميع يشعرون باستياء شديد تجاه الرئيس الأمريكي».

وأضاف سولي أنَّ موقف أردوغان، وكبار مساعديه الذين أعلنوا دعمهم للعملية في الأيام الأخيرة، «ثابتٌ للغاية. فهُم متيقّنون بنسبة 100% من صحة موقفهم».

المؤسسة الأمنية لها نفس هدف أردوغان منذ زمن

تجدر الإشارة إلى أنَّ الهدف المعلن من العملية هو تطهير شمالي سوريا من المقاتلين الأكراد، وهو الشيء الذي تعهَّد به أردوغان للشعب التركي مراراً وتكراراً. إذ تعتبر أنقرة هؤلاء المقاتلين إرهابيين بسبب صلاتهم بحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمرداً داخل تركيا منذ عقود.

وقال أوزيل إنَّ المؤسسة الأمنية في تركيا لديها نفس هدف أردوغان، مشيراً إلى أنَّها تشن هجماتٍ مستمرة على مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمالي العراق منذ سنوات، وإن كان ذلك بضجةٍ أقل بكثير.

وسعى أردوغان إلى تحقيق السلام مع حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمرداً انفصالياً مسلحاً أدى إلى فقد حياة نحو 40 ألف شخص على مدار عدة عقود، ولكن الحزب نقض الهدنة مع الدولة التركية التي أبرمتها حكومة حزب العدالة والتنمية، واستأنف عملياته العسكرية عام 2015.

وفكرة نقل اللاجئين إلى سوريا تلقى تأييداً شعبياً

ويقول أردوغان إنه يعتزم نقل مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في تركيا إلى أي جزء من الأراضي التي تكسبها القوات التركية في سوريا، ولعل الدافع الأبرز وراء هذه الخطة هو السياسة الداخلية.

ففي الانتخابات الأخيرة، بما في ذلك الانتخابات البلدية، أبدى الناخبون الأتراك استياءهم من حزب أردوغان الحاكم، بسبب دعمه المستمر منذ سنوات للاجئين السوريين، الذي استلزم توفير خدماتٍ حكومية تركية لملايين المهاجرين.

غير أنَّ بعض المدافعين عن اللاجئين يقولون إنَّ السوريين يمثِّلون في الواقع نعمةً للاقتصاد التركي، لكنَّهم يُعامَلون على أنَّهم كبش فداء لمشكلات الاقتصاد بطريقةٍ ظالمة. 

وأضافوا أنَّ خطة أردوغان غير عملية. ومع ذلك، غيَّرت الحكومة موقفها الليبرالي تجاه اللاجئين، وشدّدت الإجراءات الأمنية على الحدود، وفرضت قيوداً على تحرُّك اللاجئين السوريين داخل تركيا، ورحَّلت المئات منهم إلى بلادهم في الأشهر الأخيرة.

وقال أوزيل متحدثاً عن اللاجئين: «إنَّهم يُشكِّلون عبئاً مُكلِّفاً للغاية من الناحية السياسية».

وأضاف مشيراً إلى الهجوم التركي: «أعتقد أنَّ أحد الأسباب الذي يجعل الشعب التركي راضياً عن هذه العملية، هو أنَّها قد تسفر عن تفريغ المنازل والشوارع والمدن (التركية) من الضيوف الذين مكثوا فترةً أطول من اللازم».

حتى نقاد أردوغان باتوا يسمعون له بحماس

وتردّ تركيا على الانتقادات الموجَّهة إليها من الخارج، بينما تدعم وسائل الإعلام المحلية أردوغان بثبات.

إذ كتب سليم كورو، المحلل السياسي التركي، مجموعة تغريداتٍ على تويتر عن الأجواء في تركيا في أثناء العملية، قال فيها: «الصحافة متحمسة للغاية. و «الخبراء الأمنيون» منتشرون في محطات الإذاعة، وصور غرف العمليات المشتركة تُذكِّرنا بأفلام هوليود. وحتى المحررون الذين كانوا ينتقدون القائد الأعلى سابقاً، صاروا يصغون إليه بحرصٍ وحماس شديدين».

ونشرت إحدى الصحف عنواناً يقول: «هل أدرجتم التنظيم الإرهابي ضِمن حلف الناتو؟»، وهو السؤال الذي وجَّهه أردوغان إلى حلفاء تركيا الغرب، موبخاً إيَّاهم لاقتراحهم على تركيا أن تتفاوض مع الأكراد في سوريا.

فيما نُشِر تقريرٌ آخر بعنوان «كلكم مجتمعون لا يمكن أن تساووا تركيا واحدة»، وهي العبارة التي انتقد بها أردوغان الجامعة العربية بعدما أدانت الهجوم التركي.

وحزب واحد يرفض العملية

وواجهت الحكومة التركية حالاتٍ نادرة من المعارضة الداخلية، إذ حاول أعضاء حزب مؤيدٍ للأكراد تنظيم مسيرة في إسطنبول أمس الأول الأحد 13 أكتوبر/تشرين الأول، فاعتقلت السلطات 9 أشخاصٍ منهم.

وهناك مؤشرات قوية على صلات وثيقة تربط حزب الشعوب الديمقراطية الذي يمثل الأكراد في البرلمان بحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً في تركيا وأغلب الدول الأوروبية.

وتقول سيدات تركيات إن أبناءهن جرى إقناعهم بالانضمام لحزب العمل الكردستاني عن طريق حزب الشعوب الديمقراطية.

فصالحة إديزر، التي اعتصمت أمام مقر حزب الشعوب الديمقراطية تقول: «ابني يعقوب جرى إقناعه من قبل أعضاء حزب الشعوب الديمقراطية بالالتحاق بحزب العمال الكردستاني، في يونيو 2015، وكان عمره حينها 14 سنة، وقد خطف من إسطنبول. اتصلنا بأصدقائه فأبلغوننا بأنهم سيرسلونه إلى فرع الحزب بمنطقة كاغتهانة، فذهبنا إلى هناك، ولكن لم يكن له أثر».

وحين كتب مصطفى أكينجي، رئيس قبرص التركية، المؤيِّد لتركيا على مواقع التواصل الاجتماعي أنَّ الهجوم التركي سيكون دموياً، ودعا إلى «الحوار والدبلوماسية»، واجه انتقاداتٍ لاذعة من مسؤولين أتراك بارزين، بمن في ذلك أردوغان.

واعتقلت السلطات التركية هاكان دمير، محرر الموقع الإلكتروني لصحيفة Birgun اليومية، في الأسبوع الماضي، بعدما نشر تقريراً يتضمَّن بياناً أصدره المقاتلون الأكراد السوريون الذين يستهدفهم الهجوم التركي.

وقال دمير إنَّ السلطات داهمت منزله في الساعة الرابعة من صباح يوم الخميس الماضي 10 أكتوبر/تشرين الأول، حين كان يشاهد مسلسل Hannibal. وذكر في مقابلةٍ أجريت معه أنَّ السلطات أطلقت سراحه في وقت لاحق من ذلك اليوم، لكنَّه ما زال قيد التحقيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى