تقارير وتحليلات

تخلت عنهم الحكومة واليمين المتطرف.. كيف ساعد مسلمو بريطانيا الفقراء البيض؟

في الوقت الذي يتخلى فيه اليمين المتطرف في أوروبا، وخاصة بريطانيا، عن الأطفال الفقراء البيض، يقوم عدد من المسلمين بجمع أموال من الجمعيات الإسلامية لصالح هؤلاء الأطفال، وخاصة في المدارس، بحسب مقال لأحد قادة الجمعيات الخيرية المسلمة في بريطانيا، جعفر لادق، في صحيفة “مترو” البريطانية.

ويرى القائمون على هذه المبادرة أن اليمين المتطرف في بريطانيا يسعى لنشر أفكاره المعادية للمهاجرين والمسلمين بسبب اهتمام الجمعيات الإسلامية بالمسلمين في الخارج دون التركيز على غير المسلمين داخلياً.

وبحسب مقال لادق يرتبط عديد من المسلمين عن طريق شبكات دعم اقتصادية وعائلية قوية، يندر وجود مثل هذه الشبكات بين مجتمعات البيض الفقيرة. ونتيجة للتقشف الحكومي الذي أضر بالخدمات المحلية، أصبحت المساعدة القليلة التي كانت متوافرة قاب قوسين أو أدنى من الاندثار.

لكن المؤسسات الخيرية الإسلامية، رغم أنها أكبر من تلك الموجودة في أي مجتمع يعتنق ديناً آخر، غالباً ما تركز على إخوانها المسلمين في الخارج، وليس على إخوانها البريطانيين في الداخل، ما يسمح لليمين المتطرف باستغلال هذه المواقف.

وببساطة، لا يوجد ما يكفي من التعاطف بين المسلمين تجاه الطبقة العاملة من البيض.

محاولة إنقاذ العلاقة بين المسلمين والأوروبيين

قد يؤدي تغيير ذلك إلى إنقاذ العلاقة بين الجيل القادم من أسر الطبقة العاملة من البيض والمجتمع المسلم.

وجديرٌ بالذكر أن هناك 3.7 ملايين طفل يعانون الفقر في المملكة المتحدة، وهو أمر لا يمكن تبريره. وجاء خفض وجبات الطعام المدرسية المجانية ليزيد الأمور سوءاً، ما أدى إلى ظروف وُصفت بأنها «من العصر الفيكتوري» و «عفا عليها الزمن».

إذ لم يعد الكثير من هؤلاء الأطفال قادرين على تحمُّل تكاليف الوجبات المدرسية، ما أدى ببعض أطفال المدارس إلى سرقة الطعام.

ولا تضيع فرصة التجنيد على اليمين المتطرف، فوفقاً لمسؤولي مكافحة التطرف الحكوميين، يعمل هذا التيار على «اختراق الجمعيات الخيرية للأطفال حاملاً أجندة مُعادية للإسلام».

ولهذا السبب يعمل بعض أكبر المؤسسات الخيرية التي يديرها المسلمون في بريطانيا، على تأسيس صندوق خاص لمصلحة هؤلاء الأطفال.

وبحسب الصحيفة البريطانية فإن هذه الصناديق تهدف إلي تمويل وجبات المدارس للأطفال الذين يعانون فقراً مدقعاً «ونعطي الأولوية لأبناء وطننا، وليس لأبناء ديننا».

لا أحد يرى الفقراء في بريطانيا

ثمة حاجة ماسّة للمساعدة التي يمكن أن يقدمها هذا الصندوق. وبشكل عام، لا تتألف عضوية أحزاب اليمين المتطرف في بريطانيا من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي مثل تومي روبنسون، أو سياسيين أثرياء مثل نايجل فاراج.

لكنها تقوم على الطبقة العاملة من البيض في بريطانيا، التي تعاني كل الصعوبات التي تعانيها الأقليات الأخرى، دون أن يراها أحد تقريباً.

لا يعطي هذا مبرراً لفكرة تفوّق العرق الأبيض باعتبارها أحد الآثار الجانبية الحتمية لليبرالية الجديدة، فهناك الكثير من الفقراء حول العالم ممن لا يعتنقون المعتقدات السياسية المتطرفة.

بيد أنه مثلما يصرّ المسلمون على إدراك العوامل المعقدة التي تؤدي إلى تطرف بعضهم، يجب أن نفهم التجنيد اليميني المتطرف فهماً دقيقاً.

بالرغم من وجود العديد من الفئات الإسلامية الفقيرة في بريطانيا، فهي غالباً ما تكون أقوى من الطبقة العاملة من البيض بأشكال أخرى، مثل الدعم الأسري والاجتماعي.

دمج المسلمين في المجتمع 

ونظراً لأن الفئات البريطانية المسلمة تصبح أكثر اندماجاً في المملكة المتحدة جيلاً بعد جيل، تصبح المملكة المتحدة مركز اهتماماتها بطبيعة الحال، وتزداد بُعداً عن بلدانها الأصلية بمرور الأجيال.

وأصبح هذا التغيير واضحاً منذ الفيضانات التي أغرقت مقاطعة كمبريا عام 2015، حينما كانت الجمعيات الخيرية الإسلامية والمتطوعون المسلمون من بين الأكثر نشاطاً في الاستجابة الإنسانية.

قد يكون هذا جزءاً مهماً من الطريقة التي يمكن بها للمسلمين في المملكة المتحدة تحسين علاقاتهم بإخوانهم البريطانيين، وحتى بأولئك الذين قد تجعلهم ظروفهم عرضة لأن يصبحوا من كارهي الإسلام.

التاريخ الإسلامي مليء بالمواقف الإنسانية 

وبحسب مقال لادق ثمة سوابق تاريخية مماثلة تعود إلى بدايات الإسلام وحياة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

فحينما كان المسلمون أقلية مضطهدة في مكة، ردُّوا بالحوار وتقديم المساعدة المالية -لا بالغضب والإهانات- لأولئك المعادين لهم.

بل امتد الأمر ليشمل أبا سفيان، الذي يمكن أن يوصف بـ «تومي روبنسون القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربية».

وقد صُدم بعض المسلمين، الذين ينتمون للثقافة القبلية القتالية، آنذاك من هذا النهج. وأنا واثق من أن عدداً محدوداً من إخواني البريطانيين المسلمين سيعارض هذا النهج بالطريقة نفسها في وقتنا الحاضر.

غير أن العديد من الجمعيات الخيرية الكبرى التي يديرها المسلمون في بريطانيا جاهزة لهذا التغيير. وأنا أعمل معها للتوجه مباشرة إلى المدارس ودفع ثمن وجبات الأطفال المدرسية في أفقر مناطق بريطانيا، بحسب الشيخ جعفر لادق.

إنه جانب من الإسلام لم يره جميع البريطانيين عن كثب من قبل، ويود تومي روبنسون لو يبقى هذا الجانب مستتراً. لكن القرآن يُعلّم المسلمين في آياته أن «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى