تقارير وتحليلات

ترامب يبحث عن «الإبهار الخاوي» في سياساته الخارجية

فعل الرئيس الأمريكي ترامب شيئاً «تاريخياً»، الأحد الماضي، قبل أن يقابل الكاميرات و «المستبد المبتسم»، أصبح أول رئيس أمريكي يعبر خط الترسيم الذي يفصل الكوريتين.

مسرحية «اللحظة الترامبية»

تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية، إنه بالنسبة لمُقدِّم سابق لأحد برامج تلفزيون الواقع، كان ذلك مشهداً قديماً لترامب. على مدار الأسابيع القليلة الماضية، تداول فريق ترامب احتمالية عقد ثالث اجتماع منذ عام 2018 مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، ربما بعد اختتام الرئيس زيارته لليابان وقمة مجموعة العشرين.

انتشرت الشائعات والتكهنات الصحفية في البيت الأبيض. ثم جاءت تغريدة رئاسية من مدينة أوساكا اليابانية السبت الماضي، وفيها أشار ترامب إلى أنه سيسافر إلى المنطقة منزوعة السلاح، وهي آخر الحدود المجمدة منذ الحرب الباردة، وطلب بغرابة من مستبد بيونغ يانغ مقابلته هناك للمصافحة.

وافق كيم بسعادة، محقِّقاً إنجازاً لم يحققه والده أو جده من قبل. وهكذا، متقدِّماً مجموعة كبيرة من الحراس الشخصيين والصحفيين، تجاوز ترامب مباني بانمونجوم المطلية باللون الأزرق، ليحصل على «صورة للتاريخ».

مسرحية اللحظة وعدم اليقين فيها لا يمكن أن تخفي النمط الترامبي الذي يؤدَّى خلالها. كما لاحظ الجميع، فإن المصافحة على خط العرض 38 لم تكن سوى أحدث حلقة من سلسلة من «لحظات معدة سلفاً تُمثَّل بعناية» على مدار العامين الماضيين، و «تكشف عن رئيس متحمس للعب أدوار المنتِج والمُخرِج، مستدعياً الكاميرا للتصوير، متصاعداً بأحداث الدراما، ومشوقاً الجمهور لكشف حبكة كبيرة».

خطوات ترامب ليست قريبة حتى من التحقق

واشنطن بوست: تعتمد أجندة ترامب الخارجية بشدة على شخصيته وشهرته وإرادته للسُّلطة/ رويترز

واشنطن بوست: تعتمد أجندة ترامب الخارجية بشدة على شخصيته وشهرته وإرادته للسُّلطة/ رويترز

ولم تلقَ المصافحة ترحيباً بين الناقدين، ومنهم المرشحون الديمقراطيون البارزون لانتخابات عام 2020، معتبرين أنها مثال آخر لترامب يمالئ دكتاتوراً دون فائدة استراتيجية واضحة. بعد أن خطا ترامب خطوته التاريخية، جلس الزعيمان لعقد اجتماع ثنائي نُظِّم على عجل، في الجانب الكوري الجنوبي من الحدود.

اتضح أن المحادثات المتوقفة حول إخلاء كوريا الشمالية من الأسلحة النووية ستُستأنف، وأن من المحتمل أن يكون كيم قد دُعي لزيارة غير مسبوقة للبيت الأبيض.

لكن الخبراء أشاروا إلى أنه لم يحدث أي تقدم ملموس بين الجانبين قبل ظهور ترامب على الحدود، وهو تنازل ضخم لمصلحة دولة شمولية معزولة منذ أجل طويل. يريد كيم تخفيف العقوبات الدولية، ويسعى البيت الأبيض لتفكيك البرنامج النووي لكوريا الشمالية. لا تبدو أي من النتيجتين قريبة من التحقق، على الأقل في المدى القريب.

ترامب لا يريد المسارات الشاقة ويبحث عن المشاهد المسرحية

رأى دويون كيم، وهو باحث مساعد بارز بمركز الأمن الأمريكي الجديد في واشنطن، أن الطريق إلى الأمام سيكون «قاسياً»، ويتوقف على سلسلة من «الصفقات الجزئية»، وعملية دبلوماسية طويلة وشاقة. لكن ترامب لم يُظهر حتى الآن إلا قليلاً من الصبر والقدرة على تحمُّل هذا النوع من المسار الشاق، بل العكس يفضل المشاهد المسرحية المبهرة.

وقال أندريه لانكوف، الأستاذ بجامعة كوكمين في سيول: «لقد كانوا بحاجة إلى شيء قوي في شكله لكنه ضعيف بمضمونه»، «من الصعب أو المستحيل تحقيق المضمون في الإطار الزمني المتاح، ويشمل قضايا مؤلمة يرغبون في مواصلة تجنبها».

لكن إحدى العلامات المشجعة لحمائم المفاوضات، كانت غياب مستشار الأمن القومي لترامب، جون بولتون، وهو عمِل قبل عقود على تخريب جولات دبلوماسية سابقة مع بيونغ يانغ. كان بولتون في العاصمة المنغولية بشكل ملحوظ يعقد اجتماعات منفصلة، في حين ستيفن بيجون، الممثل الخاص للولايات المتحدة بكوريا الشمالية، الذي سبق أن تصادم مع بولتون، إلى جانب ترامب.

إبهار خاوٍ من المضمون

لكن محللين قليلين يتوقعون تحقُّق أي إنجاز حقيقي قريباً. ولاحظ آدم ماونت، من اتحاد العلماء الأمريكيين: «إذا كان هذا جزءاً من انفراجة أوسع، أو إذا جاء إثر اتفاق كبير للحدِّ من التهديد، لكانت لحظة مؤثرة ومبهجة»، «لسوء الحظ، هذا إبهار خاوٍ لمصلحة خاصة».

ومع ذلك فإن هذا الإبهار يحكي قصة. كتب يوري فريدمان في مجلة The Atlantic: «كل هذا الحشد والدراما التلفزيونية لم تصرف الانتباه عن حقيقة واحدة بارزة: كوريا الشمالية لم تتخلَّ عن أسلحتها النووية. بل في الحقيقة، من المحتمل أن تكون لديها الآن مواد للأسلحة النووية أكثر مما كان لديها قبل عام، عندما أصبح ترامب أول زعيم أمريكي يلتقي نظيره الكوري الشمالي».

وأضاف: «ما تؤكده التوقعات المحمومة هو أن التقدم في نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية يعتمد إلى حد كبير على علاقة ترامب وكيم الشخصية، رغم أن هذا الاعتماد أسهم في انهيار قمتهما الثانية، بفيتنام، في فبراير/شباط الماضي».

هذا هو الأداء المتوقع من ترامب الآن. تعتمد أجندة الرئيس بشدة على شخصيته وشهرته وإرادته للسُّلطة، أما الضرورات الأخلاقية والقيم السياسية والعمليات الدبلوماسية التقليدية كلها فتحتل المقعد الخلفي.

مشاهد من «مسرح ترامب» في قمة العشرين

تقول «الواشنطن بوست»: «في أثناء وجوده بجوار كيم، أحد أبرز منتهكي حقوق الإنسان بالعالم، استغل ترامب الوقت لنشر الأكاذيب عن سلفه، الرئيس السابق باراك أوباما. وفي وقت مبكر من رحلته بقمة العشرين، مازح الرئيسَ الروسي فلاديمير بوتين حول التدخل في الانتخابات، بغضّ النظر عن تقييمات وكالات استخباراته الخاصة. عندما سُئل في تصريحات منفصلة، هاجم بوتين القيم الليبرالية الغربية، وبدا أن ترامب أساء فهم السؤال، وشنَّ هجوماً لاذعاً على الديمقراطيين في كاليفورنيا، الليبرالية الغربية الوحيدة التي تهمُّ الرئيس في حالة الحملة الانتخابية المستمرة.

وفي مسرح ترامب، لدى مجموعة من الشخصيات المألوفة أدوار تؤديها دائماً، بغض النظر عن مؤهلاتها. حضرت ابنته إيفانكا ترامب وزوجها غاريد كوشنر الجلسة مع كيم. وعلى هامش قمة مجموعة العشرين في اليابان، ألقت إيفانكا البيان الرسمي للبيت الأبيض عن المحادثات مع النظراء اليابانيين والهنود، وهو بيان «تافه بلا أهمية، صار مثيراً بسبب هوية قائله فقط»، تقول «الواشنطن بوست».

وأظهر مقطع فيديو نشرته الحكومة الفرنسية الحرج في التفاعل بين ابنة الرئيس وعدد من قادة الدول الغربية الأخرى، الذين ربما شعروا بالحيرة من دورها في القمة الدولية الكبرى.

وكتب إد لوس من صحيفة The Financial Times البريطانية: «الفيديو يُظهر تعبيرات متفاوتة عن المعاناة للمحافظة على التهذيب، في حين تتطفل السيدة ترامب على مناقشة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو، وكريستين لاغارد رئيسة صندوق النقد الدولي. لاغارد على وجه الخصوص، لم تكن قادرة على إخفاء غضبها».

تقول «واشنطن بوست»: «في عصر آخر، سيكون هذا المشهد بحدِّ ذاته سبباً لفزع حقيقي. الآن هذا مجرد حلقة أخرى من برنامج ترامب الذي لا ينتهي لتلفزيون الواقع، وبقية العالم يشاهدون».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى