تقارير وتحليلات

حماس ترفض عرضاً من إدارة ترامب والحرب لا مفر منها

تسعى حركة حماس رغم تفاوت الإمكانات إلى الحصول على مكاسب سياسية من إسرائيل المتفوق عليها بشكل عسكريا.

والنتيجة هي التصعيد والعمليات العسكرية الأخيرة التي يسميها الجيش الإسرائيلي بـ»الحملة بين الحروب»، وهي عمليات قصيرة، لكن عنيفة على نحوٍ متزايد ضد مسؤولي حركة حماس في غزة، بهدف تحذير الحركة الإسلامية المُسلَّحة وتأجيل، ما لم يكن منع، الاشتعال الهائل التالي.

لكن المشكلة هي أنَّ كل جولة عنف متصاعد ربما تُعجِّل باندلاع الحرب التالية، حسب وصف صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

قادمون من على حافة حرب

للمرة الثانية خلال أسبوع، تقاتلت حركة حماس وإسرائيل عبر حدود غزة يوم الجمعة الماضي 20 يوليو/تموز. وقصفت الطائرات الإسرائيلية بشراسة حوالي 60 موقعاً عسكرياً تابعاً لحركة حماس، بعدما أطلق مسلحٌ فلسطيني النار على جندي إسرائيلي ليُرديه قتيلاً.

ثم تراجع الطرفان بسرعةٍ من على حافة الحرب.

وأمس السبت 21 يوليو/تموز 2018، قالت حماس، التي خسرت ثلاثة من أعضائها في الاشتباكات الأخيرة، إنَّها ستستأنف وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الأخيرة مع إسرائيل عام 2014، بعد جهود وساطة مكثّفة من جانب مصر والأمم المتحدة. وعاد الهدوء بدرجةٍ كبيرة، لكن لم تُحَلّ أيٌّ من القضايا المُؤجِّجة لهذا التوتر، ما يترك الجانبين في حالة شللٍ خطيرة.

وقال فوزي برهوم، الناطق باسم الحركة، في تصريح مقتضب وصل وكالة الأناضول: «بجهود مصرية وأُممية، تم التوصل للعودة للحالة السابقة من التهدئة بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية»، دون إعطاء مزيد من التفاصيل. وشنّ الجيش الإسرائيلي غارات على قطاع غزة، مساء السبت.

ويبدو أنها لا مفر منها

وتقاتلت حركة حماس وإسرائيل في ثلاث حروب خلال العقد الأخير، ويعتقد كثيرون على كلا الجانبين، أنَّ الحرب الرابعة لا مفر منها. وفي ظل مخاطر الحسابات الخاطئة، قد تتفاقم أي من الحوادث المؤسفة بينهما إلى «حرب اللااختيار» التي لا يرغب أي من الطرفين حقاً في خوضها.

وفي آخر الحلقات المكررة للصراع غير المتكافئ، قصف سلاح الجو الإسرائيلي عالي التقنية البنية التحتية لحركة حماس، لبعث رسالة مفادها أنَّ عليهم وقف خططهم الجديدة، التي تتسم بكونها رخيصة التكلفة، لكنَّها مدمرة في الوقت ذاته، حسب وصف الصحيفة، وتعتمد على توجيه طائرات ورقية وبالونات حارقة عبر الحدود صوب جنوبي إسرائيل. وتسبَّبت الطائرات الورقية الحارقة في اندلاع المئات من حرائق الغابات، وأثارت قلق تجمعات المدنيين الإسرائيليين القريبة من غزة.

وسبق أن عرض مراسل لـ”نيويورك تايمز”  في تقرير آخر نشر قبل شهرين مشاهد رآها بعينه لفتيات فلسطينيات تحتج على حدود غزة بشكل سلمي، ثم قام الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار عليهن، مما أدى لوقوع إصابات.

وهذا الشهر يوليو 2018، فرضت إسرائيل عقوبات اقتصادية إضافية على القطاع الفلسطيني الساحلي المنعزل والمُفقَر بالفعل.

إذ باتت الطائرات الورقية تمثل مشكلة بالنسبة لإسرائيل

«المشكلة أنّ الرأي العام الإسرائيلي يطالب بفعل شيء حيال الطائرات الورقية الحارقة»، حسبما يقول ناثان ثرال، مدير المشروع الفلسطيني-الإسرائيلي، التابع لمجموعة الأزمات الدولية ومؤلف دراسة جديدة أصدرتها المجموعة، تحمل اسم «Averting War in Gaza – تجنب الحرب في غزة»:

وأضاف ثرال: «كان هناك مقترحٌ بوقف استخدام حماس للطائرات الورقية، مقابل عودة الوضع لما كان عليه قبل نصف عام. المشكلة أنَّ حماس لا تريد العودة إلى حيث كانت قبل نصف عام، أو عام، أو حتى عامين».

يأتي تدهور الوضع في غزة على خلفية سنوات من مفاوضات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية التي وصلت إلى طريقٍ مسدود. إذ تحوَّلت الحكومة الإسرائيلية لتُصبِح أكثر يمينية، مدعومةً بهيمنة إدارة ترمب، التي تمارس ضغطاً أقل بكثير على إسرائيل، مقارنةً بالإدارات السابقة لها لتقديم أي تنازلات للقيادة الفلسطينية المُنقسِمة على نحوٍ متزايد، والتي يقول البعض عنها إنَّها عاجزة.

وفيما اعتبره الفلسطينيون فقأة عين أخرى هذا العام، نقلت إدارة ترمب السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، المدينة المقدسة المتنازع عليها.

الأمر بدأ عندما حاولت حماس استعادة توازن الردع

بدأ العداء يتصاعد مرةً أخرى بين الطرفين، يوم الخميس الماضي 19 يوليو/تموز، عندما تعهَّدت حركة حماس بالثأر لمقتل أحد مسلحيها نتيجة قصف المدفعية الإسرائيلية على مدينة رفح جنوبي غزة.

ثُمَّ أُردي جندي إسرائيلي بالرصاص، يوم الجمعة الماضي، وهو أول جندي يُقتَل في صراع بالمنطقة الحدودية لغزة، منذ الحرب الأخيرة المنتهية منذ أربع سنوات. وكان الهجوم الإسرائيلي الليلي الخاطف ضد حماس أكثر الحملات شدة ضد الحركة خلال نفس الفترة.

وقال الجيش الإسرائيلي، إنه استخدم الطائرات والدبابات لقصف «أهداف عسكرية في كامل قطاع غزة»، مشدداً على أن هذا القصف أتى رداً على «إطلاق نار»، استهدف جنوداً قرب الحدود مع القطاع الفلسطيني.

وأضاف الجيش أن إطلاق النار على الجنود الاسرائيليين حصل خلال ما وصفه بـ«أعمال شغب على طول السياج الأمني» الفاصل بين إسرائيل والقطاع.

وقال ثرال: «كانت حماس قلقةً من أنَّها تواجه موقفاً جديداً، وأنَّ قواعد اللعبة تغيَّرت، وأنَّ إسرائيل تستطيع قصف قطاع غزة والإفلات من العقاب. لذا أرادت حماس أن توضح بشكلٍ قاطع أنَّ ما تفعله إسرائيل غير مقبول وأنَّها ستنتقم».

وأضاف أنَّ هذا هو الدافع الرئيسي ومصدر دائرة الصدام الحالية.

كما أن إسرائيل بدورها لا تريد أن تفقد عامل الردع ضد الفلسطينيين

وكان التوتر يتراكم على مدار الثلاثة أشهر الماضية، منذ موجة احتجاجات حاشدة على طول السياج الحدودي الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة.

وقتل قناصة إسرائيليون أكثر من 140 فلسطينياً غير مسلحين، وفقاً لتصريحات مسؤولي الصحة في غزة، بينما يزعم الجيش الإسرائيلي أنَّه كان يحاول منع اختراق السياج وردع هجمات مسلحي غزة مثل هجوم يوم الجمعة الماضي.

وتحوّل هذا الاحتكاك إلى تبادل متصاعد لقذائف الهاون والصواريخ الفلسطينية ضد مواقع عسكرية إسرائيلية وتجمعات مدنية حدودية من جهة، وموجات القصف الجوي الإسرائيلي من جهة أخرى. وناور كل طرف مُحاوِلاً استعادة توازن ردع ضد الطرف الآخر.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، خلال زيارته لمنطقة حدود غزة: «نحن نعمل بمسؤولية وضبط نفس، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في تآكل قوة الردع وتغيُّر المعادلة، وبالطبع الشعور بالأمن، وهو ما لا يقل أهميةً عن الأمن نفسه».

ومباشرة قبل أن تدخل اتفاقية وقف إطلاق النار الأخيرة حيز التنفيذ، أصر فوزي برهوم، المتحدث باسم حماس، على حق الحركة في مواصلة المقاومة لـ»الدفاع عن شعب غزة»، على حد قوله.

وقال برهوم: «المقاومة واجبٌ وطني لمنع الاحتلال الإسرائيلي من فرض قواعد الاشتباك الخاصة به على المدنيين الأبرياء».

وهناك عامل داخلي فلسطيني يشعل الأوضاع

وهناك عامل حيوي آخر في مستنقع غزة، وهو الفشل المتكرر لجهود المصالحة بين حماس، التي تسيطر على قطاع غزة منذ 11 عاماً، والسلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب، وهو كيانٌ أكثر اعتدالاً، حسب وصف الصحيفة الأميركية، يمارس سُلطاتٍ محدودة على بعض أجزاء الضفة الغربية.

وتقول مجموعة الأزمات الدولية، إنَّ الطريقة الوحيدة لتجنُّب حربٍ شاملة أخرى هي الوصول إلى اتفاق مصالحة يسمح للسلطة الفلسطينية بتولي حكم غزة.

لكن ما يُسمَّى باتفاق الوحدة، الذي جرى التوصُّل إليه الخريف الماضي، قد تعثَّر.

إذ لا أحد يريد تحمل مسؤولية القطاع المكتظ

ويبدو أنَّه ما من أحد يريد تحمل مسؤولية حكم قطاعٍ به مليوني فلسطيني، أكثر من نصفهم يعيشون تحت خط الفقر، ويواجهون معدل بطالة يصل إلى 50% تقريباً.

وعلى الأرجح سترغب حركة حماس في التخلي عن عبء حكم قطاع غزة، لكنَّها لن تتخلى عن أسلحتها. ولا تريد السلطة الفلسطينية، التي يقودها أعضاء حركة فتح المنافسون الرئيسيون لحماس، هذه الوظيفة. ولا ترغب فيها أيضاً إسرائيل ومصر، الدولتان المجاورتان اللتان تفرضان قيوداً مشددة على حركة الأشخاص والبضائع من وإلى القطاع، بدعوى ضرورات أمنية مثل منع تهريب مزيدٍ من الأسلحة إلى غزة.

وقال غسان الخطيب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت في الضفة الغربية: «أعتقد أنَّ مربط الفرس هنا هو أنَّ الوضع في غزة لم يعد قابلاً للاستمرار كما هو. لا مفر من انفجاره بطريقةٍ أو بأخرى. لذا، تحاول حماس إدارة الموقف بطرقٍ مختلفة، بما فيها تصدير الغضب إلى الخارج».

كما أن المساعدات الدولية أيضاً هناك خلافات حول سبل توصيلها

ومن بين التعقيدات الأخرى الجدل السائد بين إسرائيل، والسلطة الفلسطينية، وحماس، ومصر، ومجتمع المانحين الدوليين حول كيفية إيصال مساعدات ضخمة ومشروعات تنموية إلى غزة.

إذ تريد إسرائيل مرور جميع المساعدات عبر السُّلطة الفلسطينية، التي تفرض في الوقت نفسه عقوباتها على حماس، كما أنَّها غير متحمسة لمنح الحركة طوق نجاة.

وتخشى الجهات المانحة من تسليم المساعدات مباشرةً لحماس، التي قد تحيل استخدامها للأغراض العسكرية.

عرض إدارة ترمب لتحسين وضع غزة.. يبدو مغرياً ولكن يستلزم تنازلاً صعباً

وفي مقال رأي نُشِر في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية يوم الخميس الماضي، جادل كل من جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات وديفيد فريدمان، أعضاء الفريق الأهم بإدارة ترمب، والمكلفون بإدارة ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بأنَّ الوضع بالنسبة لسكان غزة قد يتحسَّن بشكلٍ كبير، إذا ما غيَّرت حركة حماس مسارها بشكلٍ جذري».

وكتب أعضاء الفريق: «ما من خيار جيد متاح إذا لم يتغير الحكم أو تعترف حماس بدولة إسرائيل، وتلتزم بالاتفاقات الدبلوماسية السابقة، وتنبذ العنف».

ورفض سامي أبو زهري، متحدثٌ آخر باسم حماس، الأعضاء الثلاثة، بدعوى أنَّهم يتبنّون الرواية الإسرائيلية، واصِفاً الإدارة الأميركية بـ»السخيفة».

ولكن ماذا سيحدث في غزة إذا سقطت حماس؟

من جهتها، ينقص إسرائيل وجود هدف استراتيجي واضح بالنسبة لغزة، حسب  “نيويورك تايمز”.

وقال جابي سيبوني، مدير برنامج الشؤون الاستراتيجية والعسكرية في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب: «بالنسبة لإسرائيل، تكمن المعضلة فيما سيحدث في قطاع غزة دون وجود حماس. إذا أسقطت إسرائيل نظام حماس، ما الذي سيحدث بعدها؟ كل البدائل مفزعة».

فإسرائيل لا تريد لقطاع غزة أن ينهار، حسب تقرير لصحيفة الوطن الفلسطينية، في ظل عدم وجود بديل عن سلطة «حماس»، قادر على ضبط الأوضاع والمحافظة على اتفاق التهدئة في العام 2014.

لكنَّ أحد العناصر المعقدة الأخرى في الأزمة في قطاع غزة هو مصير الرهينتين الإسرائيليين المدنيين، بالإضافة إلى رفات جنديين إسرائيليين، الذين يُعتقد أن حماس تحتجزهم جميعاً في قطاع غزة. وتقول إسرائيل إنَّها لن تسمح بأي تنازل بمساعدات إنسانية لغزة ما لم تُعيد حماس رفات الجنديين وتحرّر الرهينتين.

وهذا هدف حماس بعيد المدى من كل هذا الأمر

وتقول حماس إنَّها لن تتخلى عن الأوراق الرابحة بحوزتها إلا مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وليس لدى إسرائيل رغبة قوية في مبادلة السجناء، في ظل تواصل الأعمال العدائية.

ومن المرجح أن تسعى «حماس» للتوصل إلى هدنة طويلة الأمد، الخيار المفضل لديها في حال استمرار انسداد أفق المصالحة، تحقق من خلالها هدف الاحتفاظ بسلطتها في غزة، من دون أن تضطر لدفع ثمن الاعتراف بإسرائيل، لأنها تستطيع تبرير الهدنة وطنياً على أنها «حل مرحلي» في سياق معركة التحرير.

وقال سيبوني: «تقاتل حماس من أجل تحقيق أهدافها، لكن هذه الأهداف كبيرة للغاية، ولن تتمكن من تحقيقها مطلقاً. إنَّهم يريدون صناعة أسلحتهم وأن يُسمَح لهم بإدخال أي كان ما يريدونه إلى غزة. لكن هذه أوهام».

ولكن على الأقل يبدو أن هناك هدفاً تحقَّق جزئياً

في المقابل يرى البعض  أن النتائج المباشرة لمسيرات العودة والاحتجاجات في غزة على الحدود مع إسرائيل، طرحت القضية الفلسطينية وحق العودة بقوة على أجندة المجتمع الدولي، ونجحت في تركيز الاهتمام على النتائج الكارثية للحصار المفروض على غزة منذ العام 2006، وفرضت تدخل أطراف إقليمية ودولية، طرحت مبادرات وأفكاراً بهدف منع انهيار قطاع غزة والحيلولة دون تفجر أوضاعه.
ويقول يوني بن مناحيم، الخبير الإسرائيلي في الشؤون العربية إن الفلسطينيين الذين ينظمون مسيرات العودة يسعون لأن تكون نموذجاً جديداً من الانتفاضة، وهي استراتيجية جديدة تقوم على «تسخين الحدود» في قطاع غزة، لإلغاء صفقة ترمب، والتقارب بين إسرائيل والدول العربية.
وأضاف يوني بن مناحيم، أن النجاح الذي حققه الفلسطينيون في يوم الأرض، في الثلاثين من مارس/آذار الماضي، سيمنحهم حافزاً أكبر لتوسيع هذا النجاح، وتعميمه في ذكرى إحياء النكبة في أواسط مايو القادم، والفلسطينيون اليوم يدرسون فيما بينهم الشكل المتوقع لهذه الاحتجاجات بعد يوم النكبة، لكن الأمر المجمع عليه بينهم أن هذه الاستراتيجية نجحت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى