تقارير وتحليلات

دعوات لانتخابات مبكرة في إيران بعد تفاقم المشكلات الاقتصادية

 

في الأشهر الماضية، حوصِرَت إيران بمشكلاتٍ اقتصادية مختلفة رغم الوعود التي صاحبت الصفقة النووية التي عقدتها مع القوى العالمية عام 2015.

وبدأت الحكومة التي يسيطر عليها رجال الدين في الانتباه لذلك حسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، فالسياسيون يعرضون حالياً فكرة إمكانية أن تطرح الحكومة استفتاءً أو أن تعقد انتخاباتٍ مبكرة. حتى المرشد الأعلى آية الله خامنئي، أقرَّ بعمق المشكلات قُبيل الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية الإيرانية.

وقال خامنئي في فبراير وفقاً لتصريحاتٍ رسمية: “تحقَّق تقدمٌ على مستوى العديد من الأصعدة بمعنى الكلمة، ولكننا نُقر بأنَّنا متأخرون في مجال العدالة. إنَّ علينا أن نعتذر إلى الله جل وعلا، وإلى شعبنا العزيز”.

وتدرس الحكومة الآن إجراء تغييراتٍ وإصلاحات.

تدير الحكومة اليوم معظم الاقتصاد الإيراني، وحاولت خصخصة بعض صناعاتها، ولكنَّ المنتقدين يقولون إنَّها سُلِّمت إلى نخبةٍ غنية نهبتها ودمرتها.

يخيم إضرابٌ كبير على المجموعة الوطنية لصناعة فولاذ إيران بمنطقة الأهواز جنوب غربي إيران، حيثُ يقول مئات العمال إنَّهم لم يقبضوا رواتبهم منذ 3 أشهر. وقالت السلطات إنَّها اعتقلت متظاهرين أثناء الاحتجاجات.

وحسب تصريح المتحدث باسم الحكومة محمد باقر نوبخت، فإنَّ 3.2 مليون إيراني يعانون من البطالة، وتزيد نسبة البطالة في إيران عن 11%.

 

بنوك متعثرة

وما زالت البنوك متعثرة بسبب ديونٍ غير مضمونة السداد، تبلغ مليارات الدولارات، يعود بعضها إلى عهد العقوبات النووية، وبعضها هو نتيجة بعض جرائم الاحتيال. وأظهر انهيار معهد قزوين الائتماني، العام الماضي، الذي وعد المودعين بمعدل فائدة قلمَّا تجده إلا في جرائم الاحتيال، مدى الإحباط الاقتصادي الذي يواجهه الكثيرون في إيران.

في الوقت ذاته، فإنَّ جزءاً كبيراً من الاقتصاد الإيراني يقع في قبضة الأجهزة الأمنية الإيرانية.

فوفقاً لمُحلِّلين، يتحكَّم الحرس الثوري الإيراني -الذي يتبع خامنئي فقط ويدير البرنامج الإيراني للصواريخ البالستية- في نسبةٍ تتراوح من 15 إلى 30% من الاقتصاد.

وفي عهد الرئيس حسن روحاني، الذي يُعد معتدلاً نسبياً وتمكَّنَت حكومته من التوصُّل لاتفاقٍ بشأن الطاقة الذرية، هناك دفعٌ باتجاه إنهاء السيطرة العسكرية على بعض قطاعات الأعمال، لكن الحرس الثوري لن يتخلى عن نفوذه بسهولة.

من المُتوقَّع أن يُرحِّب بعض المُتشدِّدين والحرس الثوري بالاضطراب الاقتصادي الحادث في إيران، إذ سيُضعِف موقف الرئيس روحاني، فقد تراجعت شعبيته بشكلٍ كبير منذ فوزه في انتخابات الإعادة، في مايو/أيار 2017، جزئياً، بسبب المشكلات الاقتصادية في البلاد.

ويعتقد مُحلِّلون أنَّ احتجاجاً نظَّمَه مُتشدِّدون، في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017، هو ما أشعل فتيل المظاهرات التي اندلعت في أنحاء البلاد، وشملت 75 مدينة إيرانية. وبينما ركَّزَت المظاهرات في البداية على الجانب الاقتصادي، تحوَّلت بعد ذلك إلى مظاهراتٍ مناهضةٍ للحكومة. وقُتِلَ على الأقل 25 شخصاً في المواجهات التي حدثت في المظاهرات، وذكرت تقارير أنَّه ما يقرب من 5000 شخص قد اعتُقِلوا.

منذ ذلك الحين اقترح الرئيس الإيراني حسن روحاني عقد استفتاءٍ دون تحديدٍ مسبقٍ لما سيجري عليه الاستفتاء.

وقال روحاني في خطابٍ له، في 11 فبراير/شباط الماضي: “إذا كانت الفصائل مختلفةً فيما بينها، فلا داعي للنزاع، ولنذهب بالأمر إلى صناديق الاستفتاء. لنفعل أيَّما يقوله الشعب”.

لكن مثل هذا الكلام ليس هيِّناً. إذ شهدت إيران استفتاءين فقط منذ الثورة الإسلامية: أحدهما أُجرِيَ عام 1979، وأسفر عن إقامة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والآخر كان استفتاءً دستورياً في عام 1989 ألغى منصب رئيس الوزراء وأنشأ المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وأجرى تغييراتٍ أخرى.

ونُشِرَت رسالةٌ مُوقَّعة من 15 شخصية إيرانية بارزة، بعد يومٍ من خطاب روحاني، الذي دعا فيه إلى استفتاءٍ بشأن إمكانية تحوُّل إيران إلى دولةٍ ديمقراطية برلمانية علمانية. وحَمَلت الرسالة توقيع شخصياتٍ إيرانية تعيش داخل البلاد وخارجها، من بينهم شيرين عبادي، المحامية الحاصلة على جائزة نوبل.

وجاء في نصِّ الرسالة التي نُشِرَت على الإنترنت: “إنَّ حصيلة تجارب السنوات الأربعين الماضية تُظهِر استحالة إصلاح الجمهورية الإسلامية، لأنَّ النظام صار العقبة الرئيسية أمام تقدُّم الأمة الإيرانية وخلاصها باختبائه وراء مفاهيم إلهية”.

 

تغييرات قد تنهي الجمهورية

لكن حتى بين المعتدلين في المؤسسة الدينية الإيرانية، يبدو أنَّ هناك اهتماماً ضئيلاً بهذه التغييرات ذات التأثير الكبير، التي قد تسفر عن نهاية الجمهورية الإسلامية. أمَّا المُتشدِّدون الذين يهيمنون على المؤسسات الأمنية في البلاد، فهم يعارضون هذه التغييرات بشدة، وفق تقرير The Washington Post.

ويُذكَر أنَّ آية الله أحمد خاتمي، إمام صلاة الجمعة في طهران، قال في يوم 15 فبراير/شباط: “أقول لشبكة الحكومات المعادية للإسلام، وكارهي الإيرانيين، وأولئك الهاربين المناهضين للثورة، إنَّ أمنيتهم بإجراء استفتاء عام لن تتحقَّق أبداً”، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء إرنا الحكومية الإيرانية.

بيد أنَّ هناك إشاراتٍ إلى أنَّ السلطات تدرك أنَّ عليها تقديم بعض التنازلات. وقد أثار اعتذار خامنئي في فبراير/شباط دهشة الكثيرين، لا سيما أنَّ المتدينين المتشددين يعتقدون أنَّه مُمثِّل الله على الأرض.

جديرٌ بالذكر أنَّ اعتذار خامنئي جاء بعد رسالةٍ من مهدي كروبي، الناشط المُعارِض الذي لا يزال رهن الإقامة الجبرية، يُطالِب فيها المرشد الأعلى بتحمُّل المسؤولية عن الفشل.

وكتب كروبي في الرسالة التي لم تبث وسائل الإعلام الحكومية عنه شيئاً: “كنت رئيساً لمدة ثماني سنوات، وأنت الآن الحاكم المُطلَق منذ 29 عاماً. لذلك، وبالنظر إلى قوتك ونفوذك على أعلى مستويات الدولة، عليك الاعتراف بأنَّ الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي الحالي في البلاد هو نتيجة مباشرة لتوجيهاتك وإدارتك”.

وفي السياق نفسه، دعا محمد أحمدي نجاد الرئيس الإيراني المُتشدِّد السابق -الذي يعتبره الكثيرون مسؤولاً عن المشكلات الاقتصادية في البلاد- إلى إجراء انتخاباتٍ مبكرة. وطالَب كذلك بأن تكون “حرةً ونزيهة”، بينما واصل حملته ضد خامنئي الذي تجاهل أوامره سعياً لخوض انتخابات الرئاسة في العام الماضي 2017.

بيد أنَّ تصرُّف أحمد نجاد أثار انتقاداتٍ فورية، لأنَّ إعادة انتخابه التي كانت محل جدل هائل في عام 2009 أثارت اضطراباتٍ وعنفاً أسفر عن مقتل العشرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى