تقارير وتحليلات

ذا أتلانتيك: تركيا تحاول الخروج من سوريا بدون خسائر فادحة

في عام 2011 دعمت الحكومة التركية لرجب طيب اردوغان المعارضة السورية لنظام بشار الأسد على أمل توسيع تأثيرها في الشرق الأوسط. ويتساءل جوست هيلترمان من مجموعة الأزمات الدولية إن نجح رهان اردوغان أم لا. وفي مقالته التي نشرها موقع «أتلانتك» جاء فيها إن علاقة تركيا بسوريا تركزت قبل اندلاع الثورة عام 2011 على العلاقات الإقتصادية والحدود المفتوحة، حيث كانت هذه هي البداية خاصة أن أنقرة رأت في سوريا نقطة انطلاق لكي تصبح القوة الإقتصادية الأولى في العالم العربي الذي تراجعت منه بعد خسارة الولايات العربية وانهيار الإمبراطورية العثمانية.

وقدمت الإنتفاضة السورية لاردوغان فرصة ليعيد التفكير حيث وضع ثقله وراء المعارضة التي تمثل الغالبية السنية في معظمها وراهن على إطاحتها لنظام الأقلية العلوية. وفي الوقت ذاته وجدت تركيا نفسها في خلاف مع حليفتها الإستراتيجية الولايات المتحدة التي فرضت إدارتها عقوبات إقتصادية بسبب استمرار احتجاز أنقرة للقس الأمريكي أندرو برونسون.

يقول هيلترمان إن تركيا تحاول بعد سبعة أعوام حماية نفسها من تداعيات الحرب السورية. ويبدو رهان اردوغان على العالم العربي خاسراً حيث تحولت سوريا لمقبرة لما كان يحلم به من إحياء العثمانية الجديدة على حد وصف الكاتب. ويشير إلى أن تركيا التي خرجت من حطام الإمبراطورية العثمانية عانت الكثير من الصدمات والحروب خلال القرن الماضي بما فيها إنقلابات عسكرية حاولت وقف التحديات الداخلية وقاتلت تمرداً مسلحاً عنيداً شنه حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) والذي يزعم أنه يمثل أكراد المنطقة الذين يعيش عدد كبير منهم في تركيا بعدما قسمت بريطانيا وفرنسا إرث الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى.

نزاعات انفصالية

وتتعامل تركيا والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي مع «بي كي كي» كمنظمة إرهابية. وواجهت الحكومات التركية المتعاقبة النزاعات الإنفصالية لدى الحزب بشدة حيث قاتلته وفاوضته وحاولت تهميشه سياسياً. وأدى صعود حزب العدالة والتنمية ذي القاعدة الإسلامية المحافظة لنمو اقتصادي مطرد بدأ من عام 2002. وتبنت تركيا الواثقة من نفسها سياسة «صفر مشاكل» مع جيرانها وقدمت نفسها على أنها «دوزين كوروتشو» أو «ميزان النظام» أي المنطقة.

وتوقعت الحكومة التركية الحصول على مردود مهم خاصة بعد انتشار الشركات التركية في أنحاء المنطقة وتحديداً في قطاع الإنشاءات. وجذبت المسلسلات التركية الكثير من المشاهدين العرب لزيارة اسطنبول والمنتجعات السياحية على ساحل المتوسط. ولكن نهاية الربيع العربي وضعت حداً للطموح التركي فبالإضافة للحرب السورية جاءت النقطة المحورية وهي الإنقلاب في مصر والذي أطاح بالحكومة الحليفة لتركيا. ومع قمع الإخوان المسلمين في مصر والمنطقة العربية تأثرت سمعتها واستثماراتها أيضًا. وركزت حكومة اردوغان بدلاً من ذلك على القضية الأقرب لها وهي الحرب الأهلية السورية. وحاول اردوغان بالتعاون مع حلفائه في الخليج دعم المعارضة التي كانت تواجه الهزيمة من نظام الأسد.

وبدلاً من ان تعزز الجهود مصالح تركيا فتحت الباب أمام عدويها وهما «بي كي كي» وتنظيم «الدولة» اللذان استغلا الفراغ الذي نتج عن هزيمة المعارضة.
وتحول اهتمام تركيا من الإطاحة بنظام الأسد الذي أصبح عسيراً بدخول الروس عام 2015 على خط الحرب الأهلية إلى محاولة الحد من تقدم الأكراد والجهاديين. وهدد كلاهما تركيا حيث حاول تتظيم الدولة بإنشاء الخلافة فيما حاول «بي كي كي» دعم الأكراد السوريين. وخشي القادة الأكراد من محاولة بي كي كي تشجيع المشاعر الإنفصالية الكردية داخل البلاد. وشن الجهاديون حملة إرهابية ضد الدولة ونفذوا عمليات ولكن الحرب مع الأكراد في الجنوب هي التي أقلقت الأتراك. وبعد انهيار وقف إطلاق النار بدا أن النزاع قد عاد ولن ينتهي. ووجد حزب العمال الكردستاني في حلفائه السوريين قوات حماية الشعب طريقة لإنعاش قوته خاصة أن أكراد سوريا بدأوا بتجنيد مقاتلين لمواجهة تنظيم «الدولة».

دعم أمريكي

وحصلت هذه القوات السورية على دعم من الولايات المتحدة التي رأت فيها قوة فاعلة لمواجهة وهزيمة الجهاديين. وكانت نتيجة التعاون الأمريكي- الكردي في شمال شرق سوري منطقة عازلة على طول الحدود التركية وهو وضع يحاول اردوغان منع استمراره. وتجد تركيا اليوم نفسها عالقة وسط تناقضات فهي من جهة حليف رئيسي للغرب ولكنها تشعر بالظلم من ناحية دعم واشنطن للأكراد وفرض العقوبات عليها ورفض الإدارة الأمريكية تسليم رجل الدين فتح الله غولن المتهم بتدبير إنقلاب عام 2016 الفاشل. ومهما كانت تركيا غاضبة فلن تتخلى عن تحالفها الإستراتيجي مع الغرب.

ومن هنا فالتقييم الذي ساد نقاشات لقاء نظمته مؤسسة كوربر ببرلين في يوليو والذي شارك فيه الكاتب هو أن التوترات في العلاقات ستظل ولكن الولايات المتحدة تريد تركيا كحاجز ضد إيران وروسيا والجهاديين. وفي الوقت نفسه تحتاج أنقرة واشنطن كحام وملجأ أخير ضد المناورات الروسية والإيرانية في جوارها الطبيعي.

وفي الوقت نفسه تحاول تركيا التعاون مع روسيا لتسوية في سوريا تستطيع العيش معها. وقد تكون على شكل اتفاق بين نظام الأسد وقوات حماية الشعب وبضمانة روسية وأمريكية وتتضمن عودة نظام الأسد للسيطرة على الاقل جزء من الحدود. وحل مثل هذا لن يكون مثالياً من منظور اردوغان ولكنه قد يكون حلاً سيئاً لو تحقق. فتركيا في حاجة لمساعدة روسيا في إدلب، آخر معاقل المعارضة السورية. وتزايد عدد سكان المحافظة من مليون إلى الضعف بسبب تدفق المهاجرين والمشردين من مناطق المعارضة الأخرى.

وبدعم من روسيا حمت تركيا إدلب من هجوم النظام عليها خاصة أن عملية ضد المحافظة قد تؤدي لأزمة لاجئين لا تستطيع تركيا التعامل معها وهي تستضيف اليوم أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري. ولكن أهداف روسيا في سوريا ليست مثل أهداف تركيا. فأنقرة تعتمد على روسيا لحمايتها من «بي كي كي» ومنع موجة جديدة من اللاجئين خاصة من إدلب وبالمقابل تريد روسيا من تركيا التصالح مع نظام الأسد وهو أمر نجحت بتجنبه حتى الآن. وبقيادة متقلبة في واشنطن وأنقرة فلا أحد يعرف كيف ستبحر تركيا وتخرج من العاصفة. وستكون محظوظة لو خرجت بأجزاء من مقامرتها الخاسرة في سوريا والمنطقة بشكل عام بدلاً من ان تجد نفسها محطمة ومحاطة بالأعداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى