تقارير وتحليلات

روسيا قامرت في الشرق الأوسط وحققت الأرباح.. أما أمريكا فلا أحد يدفعها خارج المنطقة بل هي التي تنسحب وتترك فراغاً

من بوابة سوريا، أصبحت روسيا مجدداً لاعباً رئيسياً في منطقة الشرق الأوسط. لكن، ماذا يعني ذلك؟ هل تقترب روسيا، كما يخشى بعض المسؤولين الأميركيين وحلفاؤهم، من إزاحة النفوذ الأميركي المفروض على المنطقة منذ عقود من الزمن؟ أم هي منجذبة ببساطة نحو مستنقع مكائد الشرق الأوسط، الذي تستخدمه القوى الإقليمية لخدمة مصالحها الخاصة، دون منفعة استراتيجية تُذكر؟

عند إلقاء نظرة على المنطقة تبدو الصورة معقّدة. وعلى الرغم من سعي روسيا إلى تعزيز علاقاتها، فإن نفوذها لا يزال بعيداً عن مضاهاة العلاقات التي نسجتها واشنطن. ولم تغيّر أي من دول الشرق الأوسط التي وقفت في صف الولايات المتحدة الأميركية والغرب من موقفها منذ أن عصفت موجة الربيع العربي بالمنطقة منذ عام 2011.

جاء تدخُّل روسيا لإنقاذ النظام السوري بقيادة بشار الأسد، بعد أن تمت الإطاحة بحليفها التاريخي معمّر القذافي. وبرحيله، تبخرت عقود بقيمة مليارات الدولارات كانت مُنحت لشركات روسية.

ومع ذلك، تمكنت روسيا من تعزيز علاقاتها مع الحلفاء التقليديين للعالم الغربي، الذين كانوا معادين لموسكو في العهد السوفييتي، وضمن ذلك تركيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر. ومن شأن ذلك أن يعود ببعض الفوائد الاقتصادية على موسكو، بيد أن مكاسبها السياسية ستكون محدودة.

“لا أحد يدفع أميركا خارج المنطقة؛ بل هي التي تنسحب وتترك فراغاً”

في تقرير نشرته صحيفة The Wall Street Journal، أفاد أليكسي خليبنيكوف، الزميل في المجلس الروسي للشؤون الدولية، بأنه “لا أحد يدفع الولايات المتحدة الأميركية خارج الشرق الأوسط؛ بل هي التي تنسحب وتترك فراغاً”. ولا تملك روسيا حلفاء حقيقيين في المنطقة؛ إذ إن الأمر يقتصر على شركاء تجمعها بهم مصالح مشتركة رغم الخلافات السياسية حول العديد من القضايا.

وفي ضوء هذه المعطيات، لا تُعتبر روسيا بديلاً للولايات المتحدة الأميركية بالنسبة لدول الشرق الأوسط؛ بل مجرد وسيلة لتنويع علاقاتها. وقد سهَّلت حقيقة عدم رفض إدارة ترامب البروز الروسي الجديد في المنطقة من إرساء هذا التنوّع. وقال روبن ميلز، الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، وهي شركة استشارية مقرها دبي، إن العلاقات مع روسيا بالنسبة للعديد من الدول في المنطقة لا تمثل سوى بوليصة تأمين لا تكلف دول الشرق الأوسط شيئاً. كما أن الولايات المتحدة الأميركية لا تُبدي استياءها تجاه هذا الأمر ولا تحاول طرد روسيا من المنطقة.

وروسيا لا تملك الوسائل اللازمة لبسط نفوذها ولا حتى أيديولوجية معينة

في الوقت الحالي، لا تملك روسيا الوسائل اللازمة لبسط نفوذها عبر منطقة الشرق الأوسط، رغم ما تتمتع به من قدرات عسكرية وشبكات دبلوماسية استخباراتية متطورة. ويُعزى ذلك إلى اقتصادها متوسط الحجم، الذي يعادل تقريباً حجم اقتصاد إسبانيا أو أستراليا.

عكس الاتحاد السوفييتي، الذي أقحم نفسه في صراعات الشرق الأوسط كوسيلة للترويج للأيديولوجية الشيوعية خلال الحرب الباردة، لا تمتلك روسيا الحديثة نموذجاً اجتماعياً واقتصادياً بديلاً لنشره. وحيال هذا الشأن، أوضح نائب وزير الخارجية الروسي لشؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، أن روسيا تجابه أوضاعاً جديدة؛ لأنها لم تقدم دعماً أيديولوجياً لبعض القوى الشيوعية اليسارية. كما بيّن بوغدانوف أن كل ذلك يعتبر جزءاً من الماضي، أما الآن تتصرف روسيا بعقلانية ليكون التعاون مفيداً ومتبادلاً، ولكنها تؤيد، في الآن ذاته، مبدأ احترام سيادة تلك الدول.

لكنها أثبتت دعمها الشرس لحلفائها مهما ساءت إدارتهم

من المعروف في الشرق الأوسط أن روسيا، عكس الولايات المتحدة الأميركية، أثبتت دعم حلفائها، مهما بلغت درجة سوئهم. وعلى النقيض من ذلك، دعمت الولايات المتحدة الأميركية في عهد باراك أوباما احتجاجات 2011 التي أطاحت بحلفائها الذين حكموا فترة طويلة مثل الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس التونسي زين العابدين بن علي.

على الرغم من معارضتهم بشار الأسد، عبَّر العديد من العرب عن إعجابهم بعدم تردُّد بوتين في استخدام القوة العسكرية لمنع سقوط النظام السوري. وفي هذا الصدد، أفاد محمد أنور السادات، وهو معارض سياسي بارز وابن أخي الرئيس المصري الراحل أنور السادات، بأن “المصريون ينظرون إلى بوتين على أنه رجل دولة يساند أصدقاءه ولا يخذلهم، عكس الأميركيين الذين طعنوا مبارك في ظهره”.

والإعجاب ببوتين لا يعني الانحياز إلى موسكو ولكن مجرد ورقة تفاوض

وأضاف السادات أن الرئيس الأميركي يسبّب الارتباك للجميع بشأن ما يريد فعله حقاً، ولكن هذا الإعجاب بالرئيس الروسي والحيرة الشائعة بشأن إدارة ترامب لا يعنيان بالضرورة الانحياز سياسياً نحو موسكو. كما بيَّن السادات أن روسيا ليس لديها ما تقدمه، وأن الروس يدركون أن العلاقات الأميركية-المصرية على قدر من الأهمية وسوف تحافظ على ديمومتها. لذلك، يعتقد السادات أن العلاقات المصرية-الروسية ليس لها مستقبل واعد.

تستخدم دول المنطقة، على غرار مصر وتركيا روسيا، صفقات الأسلحة الروسية الحالية، كوسيلة لتحسين موقفها التفاوضي مع واشنطن. وحيال هذا الشأن، صرح المستشار الأمني الروسي في الشرق الأوسط، يوري بارمين، بأن العديد من دول الشرق الأوسط تستثمر بشكل محدود في علاقاتها مع روسيا لتتمكن من استغلالها في مقايضة حلفائها، على غرار الولايات المتحدة الأميركية. وقال بارمين إن روسيا تمثل بديلاً خيالياً بالنسبة لهذه الدول. ويعد التأثير البصري في هذه الحالة أكبر بكثير من الحقيقة؛ إذ تدرك جميع هذه الدول جيداً مدى محدودية نفوذ روسيا على أرض الواقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى