تقارير وتحليلات

سوريا تغازل المستثمرين وأوروبا تضع شروطها لإعادة الإعمار

بينما يتودد النظام السوري إلى المستثمرين من مختلف أنحاء العالم، لإعادة بناء المدن التي مزَّقتها الحرب الممتدة منذ 8 سنوات والتي كان للنظام السوري الدور الأكبر بتدميرها، فمن المحتمل أن يقف في وجهه جولة جديدة من العقوبات الأوروبية.

فقد قال الاتحاد الأوروبي، إنه سيضيف 11 مسؤولاً تنفيذياً في شركات، و5 كيانات إلى القائمة المتنامية للسوريين الداعمين لجهود الحرب لبشار الأسد، ستُطبَّق عليهم عقوبات المنع من السفر، وتجميد الأصول، وإنهاء الأنشطة الاقتصادية في أوروبا. لكن كيف سيكون شكل هذه العقوبات؟

عقوبات بمنطق جديد على النظام السوري

في حين أن نوعية هذه العقوبات ليست بالجديدة؛ إلا أن منطقها جديدٌ، وقد صرَّح دبلوماسي أوروبي هذا الأسبوع، بأنهم يأملون أن ترسل هذه العقوبات رسالة تحذير للمجتمع الاقتصادي الذي يعتمد عليه النظام السوري الآن في إعادة بناء ما خلفته الحرب.

تشمل القائمة مستهدفين هم في الحقيقة من «الأباطرة»، ولديهم -كمستثمرين ومطورين- مصالح تجارية متنوعة؛ من صناعة المسلسلات وحتى صناعات السكر والصلب. ولكنهم مرتبطون بصورةٍ أكبر بتخومٍ اقتصاديةٍ جديدة لها آثارٌ كبيرة على مستقبل سوريا: عقارات فاخرة على الأراضي المُصادَرة.

كانت المخاوف المرتبطة بالإسكان، والأراضي، وحقوق الملكية ضمن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى نشوب ثورة 2011 في سوريا.

ثلث المساكن تم تدميرها

وبعد 8 سنوات، أشارت تقديرات البنك الدولي إلى أن ثلث مخزون البلد من المساكن قد دُمّر، مما يترك الكثير من اللاجئين دون منازل يعودون إليها.

وفي تصريح لدبلوماسي أوروبي لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، اشترط عدم الإفصاح عن هويته، قال: «تأتي أرباح هذه الشركات الكبيرة بسبب علاقاتها مع النظام، والمساعدة في تمويله في المقابل».

وأضاف: «الأمل هو أن تحثَّ هذه الرسالة هؤلاء الأشخاص الذين يفكرون في عدم الانخراط في المستقبل».

وتأتي هذه العقوبات مع إعلان سوريا نفسها مفتوحة للاستثمار. فوسائل إعلام النظام تعلن باستمرار عن وصول الوفود التجارية الأجنبية، ومع إعادة دول الخليج العربية -التي ساندت المعارضة في السابق- علاقاتها؛ لتتجنَّب خسارة موطئ قدم لها في هذه المنطقة لصالح إيران وتركيا.

ومع أن الدول الغربية -بما فيها الولايات المتحدة- تقول إنها لن تموِّل مشاريع إعادة الإعمار من دون تقدُّم في إبرام تسوية سياسية؛ يُشجِّع المسؤولون السوريون عودة البعثات الدبلوماسية الأوروبية على الرغم من ذلك.

بل إن المسؤولين السوريين يحاولون هندسة عودة العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي قطعت علاقاتها معهم رداً على قمع الاحتجاجات الجماهيرية منذ عام 2011.

ما حكاية مشروع «ماروتا سيتي» في قلب دمشق؟

ثلاثة دبلوماسيين أوروبيين -تحدَّثوا بشرط عدم الإفصاح عن هوياتهم- للصحيفة الأمريكية، بالقول إن زملاءهم ممن يسافرون بشكل مستمر بين سوريا وجارتها لبنان أُلغِيَت تأشيرات دخولهم في بداية هذا العام.

وقد وصف أحدهم الرسالة الكامنة وراء هذا القرار بالقول: «عليك العودة؛ فقد انتهت الحرب».

يرتبط الثمانية أشخاص والخمسة كيانات السورية الموضوعة على قائمة العقوبات الأوروبية الجديدة بمشروعٍ رئيسي قد يمثل مخطط سوريا لإعادة الإعمار، وهو مشروع «ماروتا سيتي» الذي سيُبنى على أرضٍ متهدمة جنوبيّ شرق دمشق تُعرَف ببساتين الرازي، بتكلفة 170 مليون دولار من الاستثمار الخاص.

أبرز هؤلاء هو رجل الأعمال سامر فوز (45 سنة)، وهو رجل أعمال سمح له صعوده خلال سنوات الحرب بتقديم نفسه كوسيط للمستثمرين الأجانب. واختير الشركاء التجاريون: أنس طلاس، ومازن الطرازي إلى جانب رجلين يعملان في مشروع سياح رفيع المستوى في دمشق.

قبل الثورة السورية، كانت منطقة بساتين الرازي من المناطق الفقيرة، ومعقلاً للمقاومة بعد ذلك. وبموجب قانون يعرف باسم مرسوم 66، أصبحت من المناطق الأولى المشمولة بإعادة التطوير. وبعد ست سنوات، تحوَّلَت إلى مدينة «ماروتا» الجديدة. في مقاطع فيديو على موقع يوتيوب، عُرِضَت انطباعات أحد الفنانين عن الأشجار المورقة المرتفعة، والتي ستملأ المنطقة يوماً ما.

 

ووصف داعمو النظام السوري المشروعات بأنها جزءٌ من الرؤية طويلة المدى لتطوير المناطق التي تسبَّبَت الهجرة في ازدهار الأبنية غير القانونية الخطرة بها.

لكن النقاد يقولون قصةً مختلفة، إذ يصفون عمليات إعادة التطوير بأنها عقبةٌ جديدة ومقصودة في طريق عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين.

أما المناطق التي خُصِّصَت لإعادة التوطين في الحاضر وفي المشاريع المستقبلية، فهي المناطق التي خرج منها المعارضون بأعدادٍ كبيرة. وقد نزح سكانها بعد معارك شرسة تلت ذلك، وفقد العديد منهم منازلهم.

دمشق تفضل المواطنين «المطيعين» لديها على عودة اللاجئين

وقد اقترح مسؤولٌ سوري رفيع المستوى أن المعارضين  السوريين يجب أن يبقوا بعيداً. ففي خطابٍ للأسد في أغسطس 2017، وصف خسائر الحرب بقوله: «فقدنا بعضاً من خيرة شبابنا، وبنيتنا التحتية؛ لكننا ربحنا مجتمعاً أكثر صحة وتناغماً».

وفي العام التالي 2018، خرج تقريرٌ يفيد بأن اللواء جميل حسن، رئيس المخابرات الجوية السورية، قال في أحد الاجتماعات المغلقة، إن الحكومة السورية تفضِّل 10 ملايين مواطن «مطيع» على عودة جميع اللاجئين، بحسب تعبيره.

إلى ذلك، قالت ووتش سارة كيالي، الباحثة في قسم الشرق الأوسط بمنظمة هيومن رايتس: «في المرحلة المقبلة من النزاع، سيكون لقرارات الحكومة السورية تأثيرٌ هائل». وتابعت: «إنها قوانين تُستَخدَم لصياغة طريقة لانتهاك حقوق المدنيين خلال الحرب. وهذه العقوبات ترسل رسالة بأننا نقف ضد هذه القوانين».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى