تقارير وتحليلات

شروط قاسية تواجه اللاجئين السوريين للعمل بالمستشفيات في ألمانيا

سلطت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الضوء علي  أوضاع اللاجئين السوريين في ألمانيا من الأطباء الذين خرجوا من بلادهم بسبب الأوضاع هناك، وتقول عندما فرَّ أيهم إبراهيم من الحرب في مسقط رأسه سوريا عام 2016 وانضم إلى زوجته، طبيبة الأطفال، في ألمانيا، كان حريصاً على مواصلة حياته المهنية كطبيب أمراض باطنية.

لكن بعد وصوله إلى البلاد التي وفَّرَت لهم ملجأً، بدلاً من إيجاد نظامٍ حريصٍ على توظيف مواهبه، قال إبراهيم إنه واجَهَ عقباتٍ وتأخيراتٍ تركته مُحبَطاً ومُثبط المعنويات واهن العزيمة.

استغرق الأمر عدة أشهر قبل أن يتمكَّن حتى من تقديم طلبٍ للحصول على وضع اللاجئ. وهو ما أخَّر بداية دروس اللغة الألمانية المطلوبة منه. بعد ذلك، عُرِضَت على زوجته وظيفة مُؤقَّتة في مستشفى للأبحاث هنا في بلدة هايدة، على بعد حوالي 80.4 كيلومتر غرب مدينة كيل، وهي عاصمة ولاية شليسفيغ هولشتاين. لذلك انتقل معها.

غير أن تلك المدينة الصغيرة لم تكن تُقدِّم دروساً على مستوى احترافي للغة الألمانية، لذلك اضطُر إلى الانتقال لساعتين ذهاباً ومثلهما إياباً لاستكمال دورة اللغة.

وقال إبراهيم مؤخراً: «لقد كانت أطول أيام حياتي على الإطلاق، وأبردها».

وأضاف: «لقد كان الأمر صعباً حقاً. حين كنت على متن القطار لحضور درس اللغة، كانت تمرُّ عليّ لحظاتٌ أشعر فيها بأنني لن أستطيع فعل ذلك».

من المتوقع أن تواجه ألمانيا عجزاً في العاملين المتخصصين في وظائف كالأطباء

وصرَّح إبراهيم بذلك بينما كان يجلس مرتدياً معطف الأطباء الخاص به في الكافتيريا الخاصة بعيادة ويست كوست، المعروفة بأحرفها الأولى الألمانية WKK، في بلدة هايدة الألمانية، بعد وقتٍ قصير من بدء تدريبه هناك.

يتوقَّع اقتصاديون أنه بحلول عام 2020 قد تواجه ألمانيا عجزاً في العاملين المُتخصِّصين يبلغ نحو 1.8 مليون عامل في وظائف مُتنوِّعة كالأطباء وعاملي المطاعم ومُنظِّفي الفنادق.

ومن المُتوقَّع أن يكون الطلب على المُتخصِّصين في مجال الطب بألمانيا هو الأكثر من بين العمال الأجانب في السنوات المقبلة.

ومع ذلك يشكو السوريون من القوانين الصارمة في ألمانيا

في حين لا يسمح أيُّ بلدٍ بأن يعمل الأطباء الأجانب فيه دون التأكُّد من أنهم يتوافقون مع المعايير المحلية، يشتكي السوريون في ألمانيا من أن النظام هنا مُعقَّد: فهناك، على سبيل المثال، أقسام اعتماد مختلفة في كلٍّ من ولايات ألمانيا الـ 16، وغالباً ما تفصح تلك الأقسام عن كون معاييرها مختلفة عن بعضها البعض. ومما يزيد الطين بلة هو أن هذه العملية يتخللها أوقات انتظار تدوم لعدة أشهر بين اختبارات التسجيل.

 

وفي السنوات التي تلت ذلك تدفق أكثر من مليون شخص إلى ألمانيا للحصول على وضع اللاجئ رغبةً في عيش حياة أفضل، وقد بُذِلَ الكثير من الجهد وأُنفِقَت الكثير من الموارد على مسألة ما إذا كان القادمون الجدد بإمكانهم المساهمة في الاقتصاد الأكبر في أوروبا. تُظهِر الأرقام الأخيرة أن بإمكانهم ذلك -ولكن فقط إذا سُمِحَ لهم.

ووفقاً لبيانات وكالة التوظيف الاتحادية في ألمانيا، فإن 306570 لاجئ -أكثر من ربع جميع المسجلين- لديهم وظائف أسهمت في نظام الرعاية الاجتماعية في مايو/أيار. وعلى الرغم من أن هذا يمثل نسبة ضئيلة من نسبة الـ 63 بالمائة من الألمان الذين يشغلون وظائف بدوامٍ كامل، وهم 44.94 مليون فرد، فإن الأرقام تتزايد باطراد.

لكن ميركل تسعى لسن قانون يسهل على الأجانب البحث عن عمل في ألمانيا

تُخطِّط حكومة المستشارة أنجيلا ميركل، فور اجتماع البرلمان مرة أخرى بعد العطلة الصيفية، لوضع مشروع قانون يُسهِّل على الأجانب البحث عن عملٍ في ألمانيا.

ويدعو اقتراحٌ مبدئي جرى تداوله في الشهر الماضي، أغسطس/آب، المتقدمين إلى الوظائف من الأجانب إلى الحصول على المؤهلات اللازمة، وكذلك يدعوهم إلى التحدُّث باللغة الألمانية والحصول على عرض عمل يضمن أنهم يستطيعون إعالة أنفسهم.

ومن غير المُحتَمَل أن يتأثَّر أكثر من 3370 طبيباً سورياً يعالجون المرضى بالفعل في المستشفيات والعيادات الألمانية بالتشريع الجديد.

ويأتي الاقتراح، الذي تأمل الحكومة طرحه للتصويت في البرلمان قبل نهاية العام، في وقتٍ يدور فيه جدلٌ مسموم بصورةٍ متزايدة حول اللاجئين في ألمانيا.

ويدل اندلاع أعمال عنف مؤخراً في مدينة كيمنتس شرقي ألمانيا على زيادة الحمى القومية. فقد دعا ناشطون يمينيون مُتطرِّفون أنصارهم إلى النزول إلى الشوارع من أجل «الدفاع» عن بلدهم من المهاجرين بعد مقتل رجل ألماني يبلغ من العمر 35 عاماً جرَّاء طعنه. والمشتبه بهما في هذه الجريمة هما عراقي وسوري.

وتأتي خطة الحكومة أيضاً بالتزامن مع صعود الحزب المناهض للمسلمين، وهو حزب البديل من أجل ألمانيا، والذي دخل البرلمان في العام الماضي كأقوى حزب معارض.

وكان البديل من أجل ألمانيا أحد أبرز الأصوات ضد فكرة تضمين بند تشريعي يسمح لطالبي اللجوء الذين يتعلَّمون اللغة الألمانية ويبحثون عن وظائف أو فرص للتدريب، في انتظار اتخاذ قرارات بشأن قضاياهم، بأن يبقوا في البلاد بعد رفضهم.

وقال بيرند باومان، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب البديل في أغسطس: «شاهدنا مليون شخص يدخلون البلاد من خلال هجرة غير خاضعة للسيطرة، وهو ما لا ينبغي تقنينه لمجرد أنه حَدَثَ بالفعل».

ومع ذلك، فإن البلاد لا تزال تتخبَّط لملء الأماكن الشاغرة بين المُتخصِّصين في مجال الطب، وقد نتجت تلك الأماكن الشاغرة عن تقاعد العاملين، وعن تحوُّل في الأجيال يزداد سوءاً بسبب مطالبة الموظفين بتوازن أقوى بين الحياة والعمل، وكذلك عن تفضيل الشباب لشغل المزيد من الوظائف بدوامٍ جزئي.

لكن نقابة الاطباء في ألمانيا تريد وضع اختبارات معقدة لامتحان اللاجئين

رغم ذلك فإن رئيس نقابة الأطباء في ألمانيا يريد أن يستحدث متطلباً يُحتِّم على الأطباء الأجانب من خارج الاتحاد الأوروبي اجتياز امتحان كتابي مكافئ لما يُطالَب باجتيازه طلاب الطب الألمان، وسط مخاوف من أن الكثير من الأجانب يأتون بمؤهلات طبية مزيفة من بلادهم.

على الرغم من أن الفكرة تواجه معارضةً من الآخرين في مهنة الطب، فإن هذا الاحتمال يعد مخيفاً بالنسبة لإبراهيم وزملائه الآخرين. فهم يخوضون بالفعل امتحانات لغة وإجازات صارمة قبل السماح لهم بالممارسة، وهم يرون أن مطالبتهم بخوض اختبار طبي مرة أخرى وبلغة أجنبية ستكون عبئاً لا لزوم له.

يعيش محمود جلود (43 عاماً)، أخصائي أمراض الجهاز الهضمي من الرقة بسوريا،الآن في لونبورج، جنوب شرق هامبورغ، وقد أمضى أشهره الخمسة الأولى بألمانيا في تعلُّم اللغة بنفسه. وبعد أن استطاع أخيراً البدء في الدراسة بشكلٍ رسمي، وجد نفسه محاطاً، كما قال، بأناسٍ آخرين بدوا وكأنهم موجودون هناك فقط بشكلٍ إجرائي أو بيروقراطي لنيل منافعهم.

قال جلود: «انتهيت من دراسة الطب عام 2000 واستغرق الأمر سبع سنوات أخرى للتخصُّص كأخصائي في الجهاز الهضمي». وتابع: «الآن يجب أن أخوض كلَّ هذا لكي أحصل على اعترافٍ باعتباري ممارساً عاماً، ووحده الله من يعلم كم من الوقت سيستغرق الأمر قبل أن يُعتَرَف بي كأخصائي في أمراض الجهاز الهضمي مرة أخرى».

وأضاف: «أتساءل فحسب، لماذا لا تُيَسِّر ألمانيا على اللاجئين الذين يحرصون على التعلُّم والعمل والمساهمة في هذا المجتمع؟».

يقول العديد من الأطباء الأكبر سناً ممم جاءوا إلى ألمانيا إنهم يشعرون بالشيء نفسه. إذ عثر البعض على وظائف وضيعة، كغسل الصحون أو بيع الكباب، لدعم عائلاتهم في ألمانيا. إذ أن العقبات التي تواجههم تحول دون عودتهم لممارسة الطب مرة أخرى.

لذلك ظهرت برامج خاصة للعاملين الوافدين حديثاً لتسهيل الحياة عليهم

إدراكاً لهذه العقبات، خصَّصَت عيادة ويست كوست دعماً وبرامج خاصة للعاملين الوافدين حديثاً. إذ تسمح الشقق السكنية الموجودة بالمستشفى للموظفين الجدد بالعيش فيها أثناء بحثهم عن منزل. كما يُصطَحبون إلى مكاتب التسجيل لاستكمال الأوراق الخاصة بهم ويلقون استضافة جيدة بجانب التدريب على اللغة.

وقال سيباستيان كيمشتاد، المتحدث باسم المستشفى: «نحن منفتحون للغاية ونحرص على أن نعتني بأولئك القادمين من أماكن بعيدة -سواء كانوا قادمين من ليتوانيا أو سوريا أو بافاريا».

وتشمل المساعدة تنظيم دروس لغوية خاصة مُصمَّمة وفقاً للشروط التي سيحتاج الأطباء إلى معرفتها، بما في ذلك الشكاوى باللهجة المحلية الدارجة «Plattdeutsch» والتي لا يزال يتحدَّث بها العديد من المرضى الأكبر سناً. ويرافق مُعلِّمو اللغة الأطباء الأجانب أثناء جولاتهم لمساعدتهم في التدريبات التي يُقدِّمونها لرعاية المرضى.

قال علي عيد، 31 عاماً، وقد مارس الطب في المستشفيات السورية قبل أن يفر إلى ألمانيا: «الأمر مفيد -أنا أرغب حقاً في المشاركة».

بالنسبة للأطباء السوريين، يتضمَّن منحنى التعلُّم الحاد في بلدهم الجديد بعض الاختلافات الاجتماعية والثقافية. وقد قالت زوجة إبراهيم، رؤى شاويش، التي تعالج المرضى في قسم الأطفال التابع لعيادة ويست كوست، إنها فوجئت بعدد الآباء الألمان الذين ذهبوا بأطفالهم إلى غرفة الطوارئ لإصابتهم بالسعال ونزلات البرد.

وقالت «لا يحدث هذا في سوريا»، مضيفةً أنها لم تصادف في ألمانيا العديد من أمراض الطفولة الشائعة في وطنها.

وقال عيد إنه فوجئ عندما علم أن الأطباء يخاطبون المرضى كبار السن مباشرةً عند إبلاغهم بأمراضهم الخطيرة وحتى المميتة. إذ أنه في سوريا، يُحاط المرضى بأطفالهم البالغين وأفراد الأسرة الآخرين، فهم يمثلون، على حدِّ قوله، نقطة الاتصال بين الطبيب والمريض.

وقال إنه اندهش بشكلٍ عام من مستوى الطب الذي يُمارَس في ألمانيا، وكان سعيداً بتمكُّنه من المساهمة في مجتمعه الجديد.

ورداً على سؤال ما إذا كان يُفكِّر في العودة إلى سوريا، أحصى عيد السنوات التي سيكون قد استغرقها لإنهاء فترة تدريبه ودروس اللغة واختبارات الإقامة والإجازة قبل أن يتمكَّن من البدء في ممارسة الطب في ألمانيا.

وقال: «بحلول ذلك الوقت، سأكون أكبر سناً من أن أبدأ من جديد».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى