تقارير وتحليلات

عفرين تنتصر علي جبروت الحلم العثماني الجديد في الهيمنة

وقعت تركيا في مأزق كبير لعدم استطاعتها تحقيق النصر علي القوات الكردية كما كانت تتوقع في هجومها علي منطقة عفرين في سوريا، وصمد الأكراد امام القوات التركية ليقضو على النصر الذي كانت تتوقعه القوات الغازية.

وفي خلال الـ20 يوماً الماضيين لم تسيطر تركيا علي  سوي عدد قليل من القري في عفرين، مما يعد دليل علي صمود الأكراد أمام القوات الغازية، ودليل ايضا علي أن أنقرة  بحاجه لمزيد من الوقت للسيطرة بالكامل علي منطقة عفرين التي بها 366 قرية، وعلي الرغم من امتلات تركيا القوات والمعدات الحربية، بجانب مساعدة بعض المتمردين السوريين لها لم تتمكن تركيا من السيطرة إلا علي عدد محدود من القري في عفرين، وسيطرت فقط علي جبل برصايا وجبل سرجايا، وجبل الشيخ خرو، وتلة الحاووظ في شمال عفرين، وقرية عامود، وقرية سوركة.

حركة دولية لوقف الهجوم التركي

بدأت حركة دولية لوقف الهجوم التركي علي سوريا منذ اليوم السادس من توغل أنقرة في منطقة عفرين الكردية، واعلنت ألمانيا أنها ستوقف تصدير شحنات الأسلحة إلي تركيا وستوقف اتفاق الذي وقعته بشأن الدبابات التركية المصنعة في المانيا، وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قلقه إزاء الهجوم التركي في سوريا وحذر من أن يتحول الأمر لعملية غزو، ودعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره التركي رجب طيب أردوغان إلي تجنب اي عمل من شأنه أن يضر بالنزاع بين القوات التركية والأمريكية في سوريا.

دوافع تركيا لغزو عفرين

وبحسب صحيفة “هآرتس” العبرية، إن دافع غزو تركيا لعفرين، وإطلاقها لموقعة غصن الزيتون، لا يقتصر على محاربة المنظمات الكردية الإرهابية فقط كما تزعم، إلا أن أنقرة ترغب في القضاء على أي احتمال وارد لتواصل الأكراد معًا، وإنشاء دولة كردية مستقلة على طول الحدود السورية التركية.

استعداد الأكراد لمواجهة تركيا

وأشارت الصحيفة إلي عدم وجود  بيانات دقيقة عن عدد القتلي والجرحي إلا ان الصور والتقارير التي تم نشرها من وكالة الأنباء الكردية في شمال سوريا تظهر مدنيين مصابين من بينهم نساء وأطفال، وفي المناطق الكردية في شمال سوريا يتم تجنيد الرجال والنساء والأطفال المراهقون ويتلقون تدريبات لحمل السلاح حتي يتمكنوا من حماية المدنيين الآخرين في حال هجوم تركي علي العاصمة الإقليمية في عفرين التي تضم 170 الف شخص ومن بينهم 35 الف شخص يعيشون في عفرين نفسها.

ولفتت الصحيفة إلي أن وسائل الإعلام الاجتماعية الكردية تعرض مجموعات من الغناء الكردية وهم يرتدوا الملابس التقليدية وويتعهدون بإخراج الأتراك من أراضيهم، وتتعهد القبائل العربية في هذه المنطقة بإنهم سيقفون بجانب الأكراد وأنهم سيقفون ضد قاتل النساء والأطفال أرودغان وأنهم سيكونوا بمثابة السد الذي سيوقف الدولة العثمانية.

تركيا تذوق مرارة الهجوم علي عفرين

بينما أشارت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” إلي أن تركيا تعاني من أثار هجومها علي المليشيات الكردية في شمال سوريا وقتل 7 من جنودها، ولقي 5 جنود مصرعهم عندما تعرضت دباباتهم لهجوم في منطقة عفرين، وفقدت جنديان أخريان وبذلك فقدت تركيا 14 جنديا فى اشتباكات عنيفة خلال الهجوم، وأعلنت تركيا أنها قتلت 900 مقاتل كردي.

وتشير التقارير الكردية إلي نزوح آلاف الأشخاص بسبب الهجوم الذي تقوده تركيا والذي يضم 10 آلاف من المتمردين السوريين، وقال مسؤول سوري كردي “أن 105 مدني قتل وأصيب 300 أخرون منذ بدء الهجوم العسكري التركي”.

وقالت انجيلا راشو للتلفزيون الكردستاني “أن الغارات الجوية التركية والقصف المدفعي استهدف في الغالب المدنيين، من بينهم النساء والاطفال”، ودعت المراقبين الدوليين إلي الحضور الى هنا ورؤية الوضع بإنفسهم.

بينما كان رد الفعل الدولي الغربي من بينهم الولايات المتحدة وفرنسا الدعوة إلي ضبط النفس، واحتج آلاف الأكراد خارج المجلس الأوروبي في ستراسبورج ضد الهجوم التركي ووصفوا أردوغان بالقاتل ودعوا إلي الدفاع عن عفرين ورددوا شعارات مثل الصمت يتسبب في مقتل الأبرياء، ونظمت احتجاجات ايضا في باريس.

ولفتت الإذاعة إلي سعي أردوغان لطمأنة نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون، واكد له ان تركيا لا تحاول الاستيلاء على الاراضى فى شمالى سوريا، وقال خلال الاتصال الهاتفي “أن تركيا لا تتطلع لأراضي بلد آخر وأن العملية تهدف تطهير عفرين من العناصر الإرهابية”.

وكان ماكرون التقي في الاسبوع الماضي بساسه اتراك وقال ماكرون في مقابلة صحفية “أن فرنسا ستواجه مشكلة حقيقية إذا كانت تركيا تقوم بغزو لمنطقة عفرين في سوريا”.

التنكيل بجثة مقاتلة كردية

حمل مسؤولون أكراد السلطات التركية مسؤولية التنكيل الذي تعرضت له جثة مقاتلة كردية لقت مصرعها في المعارك الدائرة في بلدة عفرين السورية. وتداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر مسلحين يمثلون بجثة بارين كوباني (23 عاما)، بعد تجريد الجزء الأعلى من جسدها من الملابس، ما أثار غضبا وتنديدا واسعين.
ويظهر في المقطع الأول من الفيديو نحو عشرة مقاتلين بعضهم مسلح حول جثة مقاتلة ممددة أرضا، مرتدية بنطالا أزرق وجعبة عسكرية. وفي المقطع الثاني، تظهر المقاتلة بعد تجريدها في الجزء الأعلى من جسدها من ملابسها بالكامل وتشويه جثتها، إلى جانب غصن زيتون، ويهم أحدهم بوضع قدمه على صدرها المشوه، وسمع في الخلفية صوت يدعوه إلى التوقف عن ذلك.

 

مناطق الحكم الذاتي

وأوضحت “هآرتس” أن عفرين والجزيرة والفرات مناطق تتمتع بالحكم الذاتي ومعظم سكانهم من الأكراد، و تم تأسيس الاتحاد الديمقراطي لشمال سوريا في عام 2014، في المنطقة المعروفة باسم روجافا “الغربية”، التي تشكل الجزء الغربي من الحلم الوطني الكردي، وكتب هذا الاتحاد دستورا مشتركا يمنح حقوقا متساوية لكل مجموعة عرقية ودينية، وكذلك للمرأة.

وتستند مبادئ الدستور إلى عقيدة عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني الموجود في سجن تركي بالقرب من اسطنبول، اوجلان الذي تأثر بنظريات الفلسفة اليهودية والفوضوية الشيوعية، وسعى إلى إقامة اتحاد علماني ليبرالي ديمقراطي يقديس البيئة، والذي سيكون في المستقبل جزءا من سوريا، والذي في حد ذاته ستكون دولة اتحادية وفقا لهذه النظرية.

مباديء أوجلان

يخوض أوجلان نزاعا أيديولوجيا حول هذه المبادئ مع القيادة التركية في المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في العراق، يريد الأكراد في العراق إقامة دولة كردية مستقلة، وعلى النقيض من المنطقة الكردية في العراق، التي تسيطر عليها النخب العائلية والقبلية (وأبرزها أسر برزاني وطالباني)، تم بناء المناطق الكردية في سوريا على أساس سياسي قائم على الديمقراطية المباشرة والمشاركة على قدم المساواة.

على سبيل المثال، يستند منهج المدرسة الابتدائية إلى دراسات تناسب كل مجموعة ولغة عرقية لكل طالب، ويتم تدريس الدروس في هذه المدارس باللغة العربية أو الآشورية أو الكردية، ولكن فقط في المدرسة الإعدادية يجب أن يتعلم الطلاب أيضا اللغتين الأخريين غير لغتهم الأم، بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية، وهي إلزامية في جميع المدارس.

وهذه ثورة حقيقية في نظام التعليم، بعد عقود من الزمن عندما حظر تدريس اللغة الكردية واعتبرت اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة التي يجب تدريسها.

وتحكم كل منطقة من المناطق نفسها بشكل مستقل، وهي تقودها حكومة منتخبة ورئيسا، فضلا عن مجلس يمثل نوعا من البرلمان المحلي يمثل فيه كل مجتمع مجتمعي نسبة إلى عدد السكان. وفي كل منصب حكومي رفيع، تتمتع المرأة والرجل بسلطة متساوية.
في القضاء بعفرين، على سبيل المثال، السيدة هايفي مصطفى، رئيسة ولها نائبين من الذكور، وعقدت كل دائرة من الدوائر الانتخابية انتخابات مجلس الشعب والمراكز البلدية في عام 2015، وبعد ذلك بعامين، في سبتمبر 2017، أجريت انتخابات للمجالس المحلية، اشترك فيها نحو 124 الف مرشح لصالح 3700 وظيفة عامة، ولدي المرشحين إيمان كبير بالنظام السياسي الذي يعطي السلطة للشعب من خلال المجالس المحلية.

النظام القضائي

ويعمل النظام القضائي على الصعيد المحلي عن طريق لجان قضائية مدنية تسمى لجان السلام والتوافق، التي تعمل كوسطاء في المنازعات المحلية، وهو أعلى مستوى في المحكمة الدستورية، التي يتقاسمها الاتحاد الديمقراطي لشمال سوريا، ولكل مقاطعة قوة شرطة خاصة بها، يعمل فيها كل من النساء والرجال.
وكجزء من عقيدة أوجلان الاشتراكية الراديكالية، فإن الاقتصاد يدار في معظمه على أنه تعاوني، حيث تعمل المجتمعات المحلية معا على الأرض وبيع المنتجات، ومع ذلك، هناك أيضا عدد قليل من المصانع في أيدي خاصة، والناس لا يدفعون الضرائب المباشرة، ويأتي معظم الدخل من دفع رسوم الترخيص وتسجيل المركبات والخدمات المختلفة التي يتلقاها المواطنون، ومن بيع النفط المكرر بطرق محلية الصنع.

فوق مستوى المقاطعة هي الحكومة الاتحادية، التي تقوم على الدستور الاتحادي المعدل في عام 2016، هذا هو المسؤول عن السياسة الخارجية، وتنسيق العمل العسكري والصادرات والتخطيط الاقتصادي، ويجب أن تعمل كل مقاطعة وفقا للدستور الاتحادي الذي يحظر تعدد الزوجات والزواج القسري، ويشجع أيضا الزواج المدني، ويشارك في رئاسة الحكومة الاتحادية رئيس من الذكور والإناث، فضلا عن مجلس ينتخب فيه الممثلون من المقاطعات.

الهيئة التنفيذية للحكومة الاتحادية هي المجلس الوطني الكردي، الذي يسيطر عليه حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي أنشأ وحدات حماية الشعب في عام 2004.، وتتألف من رجال ونساء مكلفين بحماية المناطق الكردية من هجوم خارجي، بينما تدعي تركيا وحدات حماية الشعب بإنه تنظيم ارهابى تابع لحزب العمال الكردستانى الذى تعرفه تركيا ايضا على انها جماعة ارهابية، إن وحدات حماية الشعب تعمل بشكل منفصل ولكن ليس بمعزل عن الميليشيات الكردية المعروفة باسم القوات الديمقراطية السورية، التي تتكون أساسا من مقاتلين أكراد مع أقلية من العرب، وقد أنشأتها الولايات المتحدة كقوة أرضية ضد الدولة الإسلامية .

ومن الواضح الآن أن بعض الوحدات الكردية، التي لا تزال تتلقى مساعدات عسكرية ومالية من الولايات المتحدة، ستنضم إلى وحدات الدفاع في الكفاح لوقف التوغل التركي في منطقة عفرين.
واعلن البنتاجون في الاسبوع الماضي انه سيبحث سبل مساعدة الميليشيات الكردية اذا توغلت قواته في المعارك في عفرين الا انها نفت انها ستوقف المساعدات تماما كما تقول تركيا خلال الايام الاخيرة، وهذا مصدر قلق بشأن احتمال نشوب صراع بين القوات الأمريكية التي تعهدت بحماية الأكراد والقوات التركية.

السبب الحقيق وراء الهجوم التركي

المشكلة الرئيسية التي تواجه المناطق الكردية المستقلة في نضالها ضد تركيا هي عدم وجود اتصال جغرافي، بمعنى أنها غير قادرة على إقامة خط عسكري مشترك، وقد أدى انتشارها الجغرافي على طول الحدود السورية التركية إلى إنشاء مناطق عازلة منفصلة، استولى بعضها على تنظيم داعش الذي قضي عليه، في أماكن أخرى، تولى الجيش التركي، جنبا إلى جنب مع الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا.

وبالتالي فإن غزو عفرين وهي المنطقة الغربية، لم يقتصر على محاربة المنظمات الإرهابية الكردية، كما تدعي تركيا، ولكن لمنع أي إمكانية لخلق التواصل الكردستاني الإقليمي وإنشاء دولة كردية مستقلة على طول الحدود السورية مع تركيا.

لكن وفقا للاستراتيجية والأيديولوجية التي توحد معظم الأكراد السوريين، ليس لديهم نية لإقامة دولة كردية مستقلة قد تهدد تركيا، ويبدو أنهم نجحوا في إقناع الولايات المتحدة بذلك، وكذلك روسيا وسوريا اللتين سحبتا قواتها من المناطق الكردية في بداية الحرب في عام 2011.

بقاء الأسد

وأضافت الصحيفة أن روسيا تعرف جيدا ان بقاء نظام الأسد وسيطرته على البلاد يعتمد إلى حد كبير على قدرته على استيعاب المناطق الكردية في سوريا، مع السيناريو المثالي الذي يسمح للأكراد بإدارة اتحادهم كجزء من الدولة السورية تحت حكم الأسد، وترى الولايات المتحدة النظام الفيدرالي الكردستاني في سوريا، كما أن مبادئ الدستور الكردي ليست أقل جدوى من الدفاع عن المنطقة الكردية في العراق.

هذا هو جوهر النزاع بين أردوغان ونظرائه في واشنطن وموسكو، كل منهم له أسباب خاصة، فمنهم يعتبر الأكراد حلفاء، والسؤال الآن هو مدى استعداد القوى العظمى للذهاب لوقف تطلعات أردوغان دون التسبب في خلاف لا رجعة فيه معه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى