تقارير وتحليلات

قبيلتان متناحرتان في ليبيا تتحدان من أجل الحفاظ على حقول النفط

قال موقع Middle East Eye البريطاني إن قبائل ليبية متناحرة تسعى الآن للتوحد من أجل إحكام السيطرة على حقلي نفط جنوبي البلاد، بعد تهديد قوات موالية لبرلمان طبرق تسعى لقتال هذه القبائل من أجل النفط.

وبحسب الموقع البريطاني، تشكل قبائل التبو والطوارق، المتنازعة منذ عام 2014، تحالفاً تحت إشراف حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة؛ وذلك للدفاع عن جنوب ليبيا من التقدم العسكري الذي تنفذه القوات الموالية لحكومة شرق البلاد بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وضعفت منطقة فزان الممتدة في جنوب ليبيا وهي خارج سيطرة أي حكومة حقيقية منذ 2011.

وفي الوقت الحالي، ينتشر ما يعرف بالجيش الوطني الليبي، الذي يقوده اللواء خليفة حفتر، في وسط الجنوب لترسيخ سلطة ونطاق نفوذ حكومة شرق ليبيا المتمركزة في طبرق.

تسبب الجيش الوطني الليبي في زيادة حدة التوترات في الأسبوع الماضي، بعد السيطرة على حقل شرارة النفطي جنوب غربي البلاد. وعلم موقع Middle East Eye من مصادر ميدانية أنه بالرغم من هذا العرض الدعائي، لم يصل الجيش الوطني الليبي إلا إلى ضواحي المنشأة مترامية الأطراف، وتصدت له الكتيبة 30، التي تتشكل غالبيتها من الطوارق، والتي سيطرت على حقل شرارة النفطي منذ منتصف عام 2017.

ونتيجة لتقدم قوات الجيش الوطني الليبي التابعة لحكومة طبرق، قرر فايز السراج، رئيس الوزراء في حكومة الوفاق الوطني المتمركزة في طرابلس والمنافِسة لحكومة طبرق، أن يعين أحد القادة العسكريين في نظام القذافي، وهو الفريق علي كنه المنتمي إلى قبائل الطوارق، ليكون حاكماً عسكرياً للجنوب.

وعلم Middle East Eye من محمد إبراهيم، وهو أحد الشخصيات البارزة في قبائل التبو الموجودة في مدينة مرزق الكائنة بمنطقة فزان، أن جزءاً من الدور الذي سيؤديه كنه هو توحيد وحشد الميليشيات المستقلة والمُشكَّلة من قبائل  التبو والطوارق ضد الجيش الوطني الليبي.

منذ عام 2011، سيطرت ميليشيات التبو والطوارق المحلية بدون تبعية لأي حكومة على مناطق واسعة من الجنوب، بما في ذلك المنشآت والمناطق الممتدة بطول الحدود، وذلك رداً على تجاهل شبه تام من الحكومات الليبية المتنافسة والمترنحة التي تعاقبت على حكم مناطق ليبيا.

من خصم قَبَلي إلى صديق قَبَلي

كانت الخلافات بين القبائل القوية في جنوب ليبيا تحت السيطرة في ظل حكم معمر القذافي الذي استمر لـ 42 عاماً، عندما اضطلع بعمل مكثف مع قادة القبائل، بالرغم من تهميشه المستمر لقبائل التبو. غير أن هذه الخلافات زادت منذ 2011.

التطورات الحديثة، التي تهدد باضطراب عنيف يصيب التوازن الدقيق الذي حافظت عليه القبائل المحلية في الجنوب، أدت إلى تهدئة المظالم القبلية السابقة وتجدُّدها على السواء.

تعيش قبائل التبو والطوارق في خصومة فيما بينها منذ عام 2014، عندما اشتعلت التوترات التي أعقبت 2011 لتصير حرباً أهلية في مدينة أوباري الجنوبية، لتنهار معها اتفاقية سلام عُقدت منذ قرنٍ بين القبيلتين الصحروايتين.

وخلال صراع أوباري، كانت قبائل الطوارق مدعومة من حكومةٍ ليبيةٍ معطلةٍ في الوقت الحالي في طرابلس، فيما حظيت قبائل التبو على دعم متواضع من حكومة طبرق.

استمرت التوترات بعد اتفاق سلام هش عُقد في أواخر 2015، لكن تقدم قوات الجيش الوطني الليبي التابعة لحكومة طبرق دفع القبيلتين إلى تنحية الخلافات السابقة.

قال إبراهيم: «التبو دعموا كلياً تعيين حكومة الوفاق الوطني للفريق علي كنه. بالرغم من أن بعض ميليشيات الطوارق -وأبرزها الكتيبة 173- لا تزال موالية لحفتر، فإن أغلب قوات الطوارق كانت تحت قيادة كنه قبل 2011 ويمكن استعادة ولائها جميعاً».

إذ إن قائد الكتيبة 30 التي تسيطر على حقل شرارة النفطي، وهو العميد أحمد علال المنتمي إلى قبائل الطوارق، هو بالفعل متحالف مع كنه. أضاف إبراهيم أن أغلب ميليشيات التبو والطوارق وضعوا الخلافات الحديثة وراء أظهرهم، وتعهدوا بدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس والاتحاد ضد قوات الجيش الوطني الليبي التابعة لحكومة طبرق.

عندما هبطت طائرة يُزعم أنها كانت تحمل كنه في حقل الفيل النفطي أمس الأول السبت، اُستهدف مهبط الطائرات بغارة جوية «تحذيرية» من الطائرات المقاتلة التابعة للجيش الوطني الليبي، حسبما أوضح حساب بموقع تويتر متمركز في الجنوب ويحمل اسم Fezzan Libya. وقال الحساب إن كنه عقد محادثات مع قوات قبائل التبو التي تسيطر على حقل الفيل، قبل التوجه إلى حقل شرارة الذي تسيطر عليه قبائل الطوارق.

تعثر التحالف السابق بين قبائل التبو وحكومة طبرق في عام 2016، بعد مزاعم بالتحيز للميليشيات العربية دون الميليشيات غير العربية مما خيب ظن كثير من أبناء التبو.

تحالف حفتر وحدهم

وانتهت أي بقايا للنوايا الطيبة التي كانت في نفوس أبناء قبائل التبو بعد أن شكل حفتر تحالفاً مع قبيلة أخرى في خصومة مع التبو منذ عهد طويل -وهي قبيلة أولاد سليمان العربية- في مدينة سبها التي كانت قبل ذلك عاصمة منطقة فزان، مما قوض معاهدة السلام التي وُقعت في روما بين أولاد سليمان وقادة قبائل التبو في مارس 2017، بحسب الموقع البريطاني.

ساعد تحالف حفتر الجديد مع أولاد سليمان في تمكينه من السيطرة على سبها في أواخر يناير/كانون الثاني، ليمنح حكومة طبرق موطئ قدم لها في منطقة رئيسية بجنوب ليبيا.

ومع إصرار قوات الجيش الوطني الليبي على التوغل جنوباً نحو مدينة مرزق، اشتبكت هذه القوات مع قوات التبو في واحة غدوة، التي تبعد حوالي 60 كيلومتراً عن سبها، مما خلف ضحايا في الجانبين، حسبما أفاد مصدر تابع للتبو في المنطقة.

واستقال عدد من أبناء قبائل التبو من برلمان وحكومة طبرق احتجاجاً على تصاعد العنف

في الجنوب وتقدم قوات الجيش الوطني الليبي في مناطق السيطرة التقليدية لقبائل التبو.

طالما افتقدت حكومة الوفاق الوطني أي سيطرة معتبرة أبعد من مدينة طرابلس الساحلية الغربية، فضلاً عن التشكيك في قدراتها العسكرية، التي تعتمد اعتماداً كبيراً في أغلب الأوقات على الميليشيات المتناحرة. ويُعتقد أن تحالفاً يجمع ميليشيات التبو والطوارق تحت مظلتها سيكون الطريق الوحيد لكبح جماح التقدم العسكري للجيش الوطني الليبي في الجنوب.

قال أحمد، وهو مهندس من حقل شرارة النفطي: «التبو وحدهم ضعفاء عسكرياً، والطوارق وحدهم ضعفاء عسكرياً، ولكن مع اتحادهم سيكون لديهم القوة الكافية للدفاع عن مناطقهم».

وأضاف: «ليس لدى كنه قواته الخاصة ولكن، مع قيادة قوة مشتركة من التبو والطوارق، سيكون لديه قوة عسكرية معتبرة».

يسيطر الطوارق والتبو معاً في الوقت الحالي على مدينة أوباري الاستراتيجية -وهي ساحة المعركة السابقة بين القبيلتين- التي تقع على بعد 60 كيلومتراً من حقل شرارة النفطي.

قال إبراهيم: «سيكون من شبه المستحيل للجيش الوطني الليبي أن يسيطر على حقل شرارة النفطي دون السيطرة على أوباري أيضاً». وتسيطر في الوقت الحالي قوات الجيش الوطني الليبي التي يقودها حفتر على مواقع عسكرية تبعد حوالي 40 كيلومتراً عن أوباري.

منشأة نفطية أخرى تصبح نقطة ارتكاز في فوضى ليبيا

المعارك حول السيطرة على المنشآت النفطية الرئيسية والمطارات في ليبيا، إضافة إلى المعارك للسيطرة على المدن والبلدات، هي التي حددت معالم البلاد في أعقاب ثورة 2011، حيث تتنافس القوى المتناحرة -ذات الولاءات المتضاربة والمائعة غالباً إلى الحكومات المختلفة- من أجل السيطرة والسلطة، بحسب الموقع البريطاني.

ساعد الموقع النائي لحقل شرارة النفطي في إبعاده بدرجة كبيرة عن المعارك الدائرة، لكن مسؤولية تأمين الحقل النفطي تغيرت عدة مرات.

خضع حقل شرارة النفطي أيضاً لقوة قاهرة منذ بدايات ديسمبر بعد أن دخل المحتجون المحليون المنشأة واشتكوا من التجاهل العام الذي يعاني منه جنوب ليبيا، وطالبوا بتمويل من إيرادات المؤسسة الوطنية للنفط لدعم مشروعات التنمية المحلية.

حقل الشرارة النفطي جنوب ليبيا

قال أحمد: «لم نعمل منذ بدايات ديسمبر/كانون الأول لأن الطوارق طلبوا أموالاً من المؤسسة الوطنية للنفط، لكن [رئيس مجلس إدارة الشركة، مصطفى] صنع الله قال إنها ميليشيات إجرامية كانت تستخدم حقل شرارة استخداماً غير قانوني باعتباره قاعدة لها».

وأضاف: «أوقف صنع الله عمليات شرارة وجميعنا عدنا إلى منازلنا، ولم يترك سوى طاقم العمل الأساسي من أجل استمرار عمل البنية التحتية للحقل النفطي».

صنع الله -الذي اضطلع لسنوات عديدة بمهمة لا يُحسد عليها معنية باستمرار استفادة المنشآت النفطية من احتياطات الهيدروكربونات الهائلة في ليبيا خلال الصراعات المعقدة في البلاد- طالب جميع الأطراف في شرارة بضبط النفس عسكرياً.

وقال في كلمة له الجمعة 8 فبراير/شباط: «إنّ سلامة العاملين تظلّ أولويتنا القصوى. ونحن نطالب كافّة الأطراف بتجنّب النزاعات والتوقف عن الزجّ بمنشآت القطاع في التجاذبات السياسية».

وأضاف: «الإضرار بالحقل قد تسفر عنه عواقب وخيمة على القطاع، والبيئة، والاقتصاد الوطني. كما أنّه لا مجال لاستئناف العمليات ما لم تتم إعادة إحلال الأمن فيه».

مزاعم بوجود قوات أجنبية

يجري تبادل الاتهامات والاتهامات المضادة حول مزاعم وجود ميليشيات من جيران ليبيا من السودان وتشاد والنيجر.

يقول أبناء قبائل التبو إن حفتر جلب قوات عسكرية مرتزقة من السودان، ولا سيما نظراً إلى أن القوات القادمة من المناطق الساحلية الليبية تجد صعوبة أحياناً في خوض المعارك في المناطق الصحراوية.

طالما اُتهم الطوارق والتبو -واتهمت كل قبيلة منهما الأخرى قبل ذلك- بجلب أقاربهم والمنتمين إلى نفس القبيلة في تشاد والنيجر إلى ليبيا لتعزيز قواتهم العسكرية.

حقل الشرارة النفطي جنوب ليبيا

إذ يستخدم كل طرف كلمات «إرهابيين» و»مرتزقة»، في محاولة لتقويض الشرعية الوطنية للمعارضين والتأكيد على شرعيته الوطنية.

لم يتسبب غياب أي سيطرة حدودية متماسكة منذ عام 2011 على تسهيل عمليات التهريب دون رادع وحسب -بما فيها تهريب أعداد كبيرة من الأشخاص من المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحارى- لكنها أيضاً سهلت انتقال الأفراد والجماعات المسلحة.

وقد أعادت الصراعات في الجنوب تسليط الضوء على تورط فرنسا المثير للجدل في ليبيا.

فطالما اتهمت قبائل جنوب ليبيا من السكان الأصليين فرنسا بأن لها مصالح خاصة في منطقة فزان الواسعة الغنية بالنفط، وقالوا إنها الآن ترمي بثقلها وراء حفتر في محاولة لتأمين وجوده المستقبلي في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى