تقارير وتحليلات

لا ملجأ لهم سوى العيش مع الأفاعي بالجبال الجرداء.. مأساة اللاجئين السوريين الفارين من إدلب

على حافة سوريا الجرداء، في جبال وعرة لا تصلح سكناً إلا للأفاعي حشر عدد هائل من النازحين السوريين الذين فروا من القصف الروسي لمحافظة إدلب التي كانوا قد لجأوا إليها هرباً من مواطنهم الأصلية.

من خيمة متواضعة بالكاد تقي برد الشتاء وحر الصيف إلى جانب مئات الخيام، يتخذ الحاج أبو رمضان مكاناً للإقامة فيها على جبل أجرد قاس وصعب التضاريس، تنعدم فيه كل المقومات الأساسية للحياة، بعد أن نزح من قريته في ريف حلب الجنوبي ولجأ إلى هذا الجبل بالقرب من مدينة الدانا في أقصى شمال سوريا والقريب من الحدود التركية، ليقي أسرته من قذائف النظام والغارات الجوية التي لا تفرق بين كبير أو صغير.

على حافة سوريا.. أيهما أسوأ برد الشتاء أم لدغات الأفاعي بالصيف

وشرح الحاج أبو رمضان ظروف حياته الشاقة في هذا المكان قائلاً: عندما يأتي الشتاء يشتد البرد هنا في هذا المكان، ونعاني من صعوبة في التنقل بسبب التعرجات الجبلية والصخور الكبيرة فنتمنى أن يعود الصيف، وما إن يحل الصيف حتى يأتي معه الحر الشديد ولهيب صخور هذا الجبل وتكاثر الأفاعي والعقارب، ونتمنى مجدداً عودة الشتاء بأسرع وقت ممكن تفادياً للسعة عقرب أو لدغة أفعى، بعد أن طالت هذه الحوادث عدداً من اللاجئين هنا، ومنهم من فارق الحياة.

وأضاف قائلاً: لجأت أنا وأسرتي المؤلفة من 10 أفراد وعدد من أقاربي إلى هذا المكان الجبلي الذي يعتبر آمناً لقربه من الحدود التركية، بعدما كنا نعيش حياة جيدة في قرانا جنوب حلب إذ نعتمد على الزراعة وتربية المواشي كمصدر رزق.

لكن هنا لا يوجد أي مصدر للعيش سوى انتظار السلة الإغاثية الشهرية التي نحصل عليها من إحدى المنظمات الإغاثية، لا سيما وأن هذه المناطق الجبلية غير صالحة لرعي أغنامنا التي تعتبر مصدر رزقنا في النزوح ولذا اضطررنا مؤخراً إلى بيع قسم من الأغنام لنخفف جزءاً من المشقة التي نعاني منها في الرعي والبحث عن العشب الذي يكاد يكون منعدماً في هذه الجبال الجرداء.

الطبخ وصناعة الخبز على نار وقودها البلاستيك والقش..

ليس بعيداً عن مكان إقامة أبو رمضان تقيم في خيمة مماثلة أم ياسين و6 من أطفالها دون سن العاشرة فقدوا والدهم بقصف جوي روسي استهدف قريتهم جنوب حلب قبل عام.

قالت: أعيش وأسرتي ظروفاً إنسانية صعبة للغاية في هذا المكان الجبلي الذي لا يتوفر فيه أي من مقومات الحياة والعيش أو مصدر رزق.

وصدمتنا أم ياسين عن طريقة طهوها لطعام الأطفال.

إذ تقول»أقوم بطهي الطعام لأطفالي على النار التي وقودها بقايا البلاستيك والقش، يقوم أطفالي بجمعها لهذا الغرض كونه لا يتوفر لدي ثمن أسطوانة غاز».

وأضافت أم ياسين «كنت أتمنى أن يكون مكان إقامتي في مدينة أو قرية على الأقل لأحصل على عمل ويتلقى أبنائي التعليم كباقي الأطفال».

عدد مذهل من النازحين السوريين الذين فروا من القصف الروسي لمحافظة إدلب يعيشون في هذه الجبال الجرداء

أكثر من مليوني نازح يقيمون في الجبال المقابلة لتركيا داخل الأراضي السورية لشعورهم بالأمان من قصف النظام والغارات الروسية، حسبما أشارت إحصاءات وتقديرات أخيرة، وفقاً لناشطين سوريين.

يعيش أغلبهم في مخيمات عشوائية تفتقر للخدمات، وتنتشر هذه المخيمات في مناطق «أطمة وعقربات وكفرلوسين والدانا وحزرة وباب الهوى وسرمدا ودير حسان».

حمود أبو ممدوح مدير مخيم الفقراء والمهجرين قال إن أعداد النازحين والوافدين إلى المخيم في جبل حزرة القريب من مدينة الدانا شمال إدلب في تزايد، ويقدر عدد الأسر التي لجأت إلى هنا حتى الآن حوالي 1000 أسرة من مناطق سورية مختلفة، منهم من ريف دمشق وحمص وحماة وريف إدلب وحلب.

وأضاف أبو ممدوح قائلاً ناشدنا عدة منظمات لتساهم بشق طرق داخل المخيم وتسويته بالرمل أو البحص على الأقل، إلا أنه لم نتلق أي استجابة حتى الآن، حيث أدى انتشار الصخور والتعرجات الجبلية إلى صعوبة في حركة صهاريج نقل المياه التي تزود النازحين بمياه الشرب، ويضطر البعض أحياناً كثيرة إلى نقل المياه بغالونات لمسافات طويلة لعدم وصول صهاريج المياه لأماكن إقامتهم، فضلاً عن الصعوبة في التنقل وإسعاف المرضى.

وعن سبب رغبة النازحين في اللجوء إلى الإقامة في الجبال.. قال حمود أبو ممدوح إن الأراضي المستوية وذات التربة الحمراء الكثيفة تشكل عادة مستنقعات وغالباً تشهد المخيمات في مثل هذه المناطق غرقاً بمياه الأمطار والسيول وانقطاع الطرق، لذلك يفضل النازح الإقامة في منطقة جبلية أكثر ارتفاعاً لتلافي مشاكل الغرق وتبقى مشاكل السكن بالجبال أهون مشقة على النازحين.

محاولة التأقلم على العيش وسط الجبال

مع تدفق أعداد كبيرة من النازحين في مناطق إدلب مؤخراً إلى المناطق الجبلية القريبة من تركيا بدأت تشهد هذه الجبال رغم وعورتها وقساوة صخورها حركة عمرانية تتناسب بعض الشيء مع حال النازحين، في محاولة منهم التأقلم مع الواقع الجديد الذي فرض عليهم بسبب الحرب.

أبو محمود نازح من ريف حمص لجأ إلى مخيم دير حسان الجبلي شمال إدلب قبل نحو عامين تقريباً، ومؤخراً قام بتشييد بناء سكني من 3 غرف متواضعة اعتمد في بنائها على الحجارة والطين وسقف بلاستيك، مستغلاً جزءاً من هذا المنزل المتواضع لتحويله إلى دكان لإصلاح الإطارات وعجلات الدراجات النارية التي تتضرر دائماً بالنتوءات الصخرية على الطرق، محاولاً بذلك كسب قوت يومه وأسرته والتأقلم بعض الشيء مع هذا المكان القاسي، إلى جانب عدد كبير من أبناء بلده الذين كانوا قد نزحوا معه.

اللاجئون واجهوا مشكلة كبيرة في إيجاد مأوى في هذه البيئة الجبلية القاسية ذات الطقس البارد

أما أبو وحيد النازح من قرية كنصفرة بجنوب إدلب فلجأ مؤخراً إلى جبل دارة عزة القريب من الحدود التركية أيضاً، وأقام وأسرته خيامهم هرباً من جحيم القصف والغارات الجوية الروسية.

ورأى أن هذا الجبل والصخور الكثيفة فيه مصدر رزق جديد له ولأبنائه، حيث بدأ العمل هو وأبناؤه منذ أيام بتقطيع الصخور وتحويلها إلى أحجار للبناء وبيعها للسكان المحليين، مستفيداً من ثمنها في تلبية متطلبات حياته اليومية من غذاء ومستلزمات أخرى.

منظمات إنسانية تشيد منازل بسيطة ومتواضعة للنازحين

تدفق الأعداد الكبيرة للنازحين من مناطق إدلب وجنوب وغرب حلب دفع عدداً من المنظمات إلى مساعدة النازحين من خلال البدء ببناء منازل بسيطة ومتواضعة تصل كلفة المنزل إلى 400 دولار تقريباً، مؤلف من غرفة ومنافع «مطبخ وحمام» جدرانه من الإسمنت وسقفه الجبس، كاستجابة سريعة من قبل المنظمات لتسهل على النازحين الإقامة المؤقتة.

وقال منصور اليوسف مسؤول إيواء النازحين في الشمال السوري إنه تم بناء حوالي 1000 منزل حتى الآن ضمن مناطق جبلية بالقرب من مدينة سرمدا وباب الهوى الملاصقة للحدود التركية، وباتت هذه المنازل جاهزة لإيواء النازحين بدلاً من الخيام التي يشكو منها النازحون أمام الظروف الجوية وتقلبات المناخ في موسم الشتاء.

المنظمات الإنسانية شيدت للاجئين منازل بسيطة

وأضاف منصور اليوسف أن هذه المنازل مجهزة بأبواب ونوافذ وخزانات مياه شرب وصرف صحي، وسيتم بناء وحدة سكنية مشابهة في الأيام القادمة لإيواء قسم آخر من النازحين.

يذكر أن الشمال السوري يشهد خلال الآونة موجة نزوح جديدة للمدنيين جراء العمليات العسكرية للنظام الروس دفعت بأكثر من 700 ألف مدني للنزوح من مناطق «سراقب وأريحا ومناطق كفرنبل والبارة وتلمنس وسرمين والنيرب» نحو المناطق الحدودية القريبة من تركيا، وسط ظروف إنسانية صعبة للغاية بحسب ناشطين سوريين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى