تقارير وتحليلات

لماذا لجأت عصابات المخدرات في أمريكا الجنوبية إلى المغرب؟

اجتاحت عصابات المخدرات الأمريكية الجنوبية منطقة المغرب العربي بشكلٍ ملحوظ. وفي بلدان مثل الجزائر والمغرب، وجدت تجارة الكوكايين وسيلةً لاختراق هذه المناطق. وقد سجلت الجزائر رقماً قياسياً في مايو الماضي في كمية المخدرات التي تم حجزها، حيث تم ضبط حوالي 750 كيلوغراماً من الكوكايين على متن سفينة برازيلية مرت عبر إسبانيا. وقد أثارت هذه القضية جدلاً واسعاً في صفوف المؤسسات الرئيسية للدولة الجزائرية.

وبحسب صحيفة El pais الإسبانية فإن المغرب، صادرت مطلع الشهر الجاري، حوالي طن من الكوكايين الذي عُثر عليه مُخبأً في شاحنة في مدينة الجديدة، والذي تبين أنه قادمٌ من أميركا الجنوبية وكان متجهاً نحو أوروبا.

وبعد ثمانية أيام، عثر المكتب المركزي للأبحاث القضائية، المعروف باسم مكتب التحقيقات الفيدرالي المغربي، في قرية بوجدور الصحراوية بالقرب من مدينة الداخلة على بعد مائة كيلومتر من العيون، على مزرعة كان يجري فيها بناء مهبط للطائرات المخصصة لتهريب المخدرات القادمة من أميركا الجنوبية والمتجهة نحو أوروبا. وكان الهدف منه هو إنشاء جسر جوي بين البلدان المنتجة والموزعة لهذه المواد المخدرة. وكان بين المعتقلين الـ17 في هذه العملية، اثنان من أفراد القوات البحرية الملكية المغربية وثلاثة رجال من الدرك، إلى جانب ثلاثة كولومبيين، بحسب الصحيفة الإسبانية.

زيادة التهريب هذا العام

وأكد أحد الأشخاص المقربين من جهاز مكافحة تجارة المخدرات في المغرب، الذي طالب بعدم ذكر اسمه، أن وتيرة تهريب المخدرات من أميركا الجنوبية شهدت ارتفاعاً خلال العام الماضي. وأشار المصدر نفسه إلى أن الولايات المتحدة والدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي قد زادت بشكل ملحوظ في عدد الأشخاص المتخصصين في مكافحة تهريب المخدرات المتجهة نحو المغرب.

وبحسب الصحيفة الإسبانية، يرى هذا الأخصائي أن السبب المحتمل الذي يفسر ازدهار تجارة المخدرات في المغرب الكبير هو تمركز الجيش الأميركي على الحدود مع المكسيك، بقرار من الرئيس دونالد ترامب. وقد صرح أحد الباحثين الأوروبيين، الذي اشترط أيضاً عدم الكشف عن هويته، بأن «عصابات أميركا الجنوبية كانت تستخدم إفريقيا لسنوات كوسيط لإرسال بضائعها إلى أوروبا، وهذا الأمر ليس جديداً. لكن من المؤكد أن النشاط قد ازداد بشكل واضح في السنوات الأخيرة. ومن جهتها، سعت الشرطة المغربية إلى التخصص في مكافحة الكوكايين».

وفي عام 2016، ضبط المغرب حوالي طن ونصف من هذه المادة المخدرة، في سابقة هي الأولى من نوعها. وفي السنة التالية، وتحديداً في أكتوبر/تشرين الأول 2017، سجل المغرب مرة أخرى رقماً قياسياً بضبط حوالي 2.5 طن من الكوكايين في مزرعتين تقعان غرب البلاد، في منطقة الصخيرات المغربية.

ويعد هذا الرقم بعيداً جداً عن الرقم القياسي التاريخي الذي حققته المكسيك، حيث تم ضبط 23 طناً عام 2007، وعن الـ 18 طناً من الكوكايين التي صودرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في فلوريدا، والتي تقدر قيمتها بحوالي 440 مليون يورو. لكن هذا الرقم لا يبعد كثيراً عن 5.5 طن التي ضُبطت في سنة 2017 على متن سفينة في الإكوادور متجهةٍ نحو إسبانيا.

التهريب يصل إلى الجزائر وموريتانيا

وامتدت عمليات ضبط المخدرات إلى الجزائر وموريتانيا، ومع ذلك فإن الأرقام التي سجلت في هذين البلدين لم تجذب انتباه الصحافة الدولية. في المقابل، كان سجلّ كلا البلدين مع عصابات أميركا الجنوبية في المنطقة لافتاً. ففي فبراير/شباط من عام 2016، صادرت السلطات الموريتانية حوالي طنين من الكوكايين في مستوطنة سياحية على ساحل المحيط الأطلسي، تبعد 200 كيلومتر عن العاصمة. وبعد ستة أشهر، عثروا على طن من الكوكايين في ميناء نواذيبو القريب من الصحراء الغربية، كما تقول الصحيفة الإسبانية.

وتمكنت وحدات الشرطة المغربية مرة أخرى، في شهر فبراير/شباط الماضي، من حجز أكثر من نصف طن من الكوكايين، حوالي 541 كيلوغراماً، في ميناء الدار البيضاء. وفي شهر مايو، ضبطت الشرطة الجزائرية في مدينة وهران أكبر مخْبأ للمخدرات المهربة، حيث عُثر على حوالي 701 كيلوغرام من الكوكايين في سفينة تجارية مخصصة لنقل اللحوم المجمدة من البرازيل، وكانت قد رست قبل ثلاثة أيام في فالنسيا. وقد تم تنبيه الجمارك الجزائرية من قبل زملائهم الإسبان.

لقد تورطت عدة شخصيات تابعة لوزارة العدل والجيش والدرك إلى جانب عدد من السياسيين في القضية، والمتهم الرئيسي هو المطور العقاري الجزائري كمال الشيخي، المعروف بإسم كمال «الجزار». وقد اعتاد رجل الأعمال الجزائري هذا تصوير وتسجيل أعمال شركائه لتغطية أفعاله وحماية نفسه، لذلك عندما تم اعتقاله افتُضِح أمر لقاءاته مع القضاة والمدعين العامين وبعض أبناء السياسيين. ولا تزال هذه القضية قيد التحقيق في محكمة بالعاصمة الجزائرية، على الرغم من عدم تسريب أخبارها إلى الصحف، كما تقول الصحيفة الإسبانية.

ومؤخراً، تمت إقالة حوالي 11 قاضياً من مناصبهم وُجهت إليهم العديد من الاتهامات، من بينهم نجل رئيس الوزراء السابق عبدالمجيد تبون والسائق الشخصي للواء عبدالغني هامل، المدير العام للأمن الوطني بالجزائر، الذي تم عزله بعد شهر من ضبط الكوكايين.

وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، طرح الموقع الإعلامي الجزائري «كل شيء عن الجزائر» تساؤلات عما «إذا تم تكثيف عمليات مكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات في السنوات الأخيرة، وكيف يمكن تفسير كميات المخدرات الهائلة التي تدخل البلاد؟».

أما في المغرب، لم يتجرأ أي أحد حتى الآن على طرح هذا النوع من الأسئلة. كما لم يتحدث أي طرف عن وجود شخص يحمل اسم كمال الجزار، ولم يسجن أي عسكري أو أي مسؤول رفيع من الدرك. لكن، لم تتوقف عمليات حجز المخدرات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى