تقارير وتحليلات

ما هو الملف الداخلي الذي يهدد العراق؟

في خضمّ الاضطرابات العنيفة في الشرق الأوسط، انتقل العراق أخيراً إلى وضعٍ أهدأ. فعلى الرغم من استمرار فلول تنظيم داعش في العراق وسوريا  في تكدير مناطق ريفية شمالي بغداد، هُزِمَ التنظيم إلى حدٍّ كبير وطُرِدَ من معاقله المحلية.

وحسب مدونة Lobe Log الأمريكية فإن من بين الملفات الشائكة والمعقدة بالنسبة للعراقيين «وضع المناطق المتنازع عليها» بين الحكومة المركزية في بغداد من جهة، و إقليم كردستان العراق من جهة أخرى؟

أسفرت الانتخابات البرلمانية العراقية، التي عُقِدَت في شهر مايو الماضي، عن بدايات تشكيل حكومة جديدة بعد خمسة أشهر، على الرغم من ضعف مستوى المشاركة وادعاءات متعددة بالتزوير.

أجرى إقليم كردستان أيضاً انتخابات، وثمة حكومة جديدة هناك في طور التشكيل. يُوفِّر تشكيل الإدارات الجديدة في مدينتي بغداد وأربيل، وتعيين ممثل خاص جديد للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، انفراجةً للتحرُّك بجرأةً في واحدةٍ من أكثر القضايا الخلافية المُزمنة في العراق، وهي وضع المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية العراقية و إقليم كردستان العراق ، وتعيين حدود المنطقة الكردية.

تُعَدُّ بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، التي أجرت دراسةً شاملة للمناطق المتنازع عليها في الفترة بين عامي 2008 و2009 كبادرةٍ لمفاوضات لاحقة، أفضل مَن يقود مبادرةً جديدة للتوصُّل إلى تسويةٍ سياسية على المناطق المُتنازَع عليها بما يتوافق مع الدستور العراقي.

طوائف عرقية ودينية متعددة ومخزونات نفطية هائلة

يخيِّم الصراع على منطقة ذات مزيج غني من الطوائف العرقية والدينية، لكن ما يكمن وراء ذلك يحمل أهميةً كبيرةً أيضاً، وهو مخزونات النفط والغاز الهائلة في مدينة كركوك وما حولها، والتي من ضمنها أول حقل نفطي مكتشف في العراق.

يريد إقليم كردستان العراق ، الذي يدَّعي أحقيته في كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها، نظراً لأن غالبية سكان تلك المناطق من الأكراد، ضمَّ تلك المناطق إلى المنطقة الكردية.

وقد قاومت الحكومات المتعاقبة في بغداد ذلك بشدة، مدركةً أنَّ حكومة إقليم كردستان تستطيع استخدام نفط كركوك لتمويل إقامة دولة كردية مستقلة قادرة على الاستمرار والبقاء. لذلك يُمكن أن يتحوَّل ذلك النزاع إلى نزاعٍ حول وحدة الأراضي العراقية.

لا ينبغي حدوث ذلك، يجب أن تكون للمنطقة الكردية حدودٌ داخلية مُتفَق عليها مع بقية العراق، بغضّ النظر عن الوضع السياسي النهائي لتلك المنطقة، بالنظر إلى تعيينها في الدستور العراقي، بوصفها منطقة اتحادية.

وما دامت استطاعت بغداد وأربيل إيجاد صيغة لتقاسم عائدات النفط العراقي، من ضمنها العائدات المُشتقَّة من كركوك، فإن موقع تلك الحدود يصبح أقل حساسية سياسياً.

ما يجعل مسألة تقسيم المنطقة بين بغداد و إقليم كردستان العراق أمراً صعباً

في الواقع، اكتشفت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق في دراستها للمناطق المُتنازَع عليها، أنَّ العديد من الناس في تلك المناطق سيُفضِّلون وضع «محايد وسطي» لتلك المناطق، من شأنه الحفاظ على تنوعهم وحالة التناغم بين الطوائف.

سيتطلَّب ذلك سلسلة من ترتيبات تقاسم السلطة المحلية والأمن المشترك، فضلاً عن صفقةٍ شاملة لتقاسم العائدات بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق .

داخلياً، يتنامى الدعم لتجديد محاولة إيجاد تسوية للمسألة الحدودية، إذ أعرب الرئيس العراقي الجديد، برهم صالح، عن نيته لمعالجة تلك المسألة، وزار برلمانيون من قائمة تحالف «سائرون» الفائزة في الانتخابات التشريعية بزعامة مقتدى الصدر المنطقة الكردية لبدء مناقشات. هم سيكونون بحاجةٍ إلى دعمٍ خارجي.

يساعد المناخ الإقليمي أيضاً في دعم هذا الجهد، عندما استعاد الجيش العراقي المناطق المتنازع عليها من قوات إقليم كردستان العراق ، في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017، حظيت الحكومة الاتحادية العراقية بدعم إيران وتركيا والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، الذين حذَّروا جميعهم علناً حكومة إقليم كردستان، بعدم المضي قدماً في استفتاء استقلال كردستان العراق، ذلك الاستفتاء الذي نُظِر إليه باعتباره خطوة نحو تفكّك العراق.

تجسَّد دعمهم لوحدة أراضي العراق سابقاً في دعمهم للجهود المبذولة لإحضار بغداد وأربيل إلى طاولة المفاوضات، بشأن مسألة المناطق المتنازع عليها، وينبغي لهم فعل ذلك مرة أخرى.

ويعقّد من مهمة الأمم المتحدة المكلفة بالملف

لذلك ينبغي على الرئيس القادم لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، جانين هينيس بلاشيرت، بافتراض أنَّه تولَّى هذه المهمة، البدء في اختبار الحالة السياسية، وزيادة عدد الموظفين المُكرَّسين لهذه القضية، وتطوير استراتيجية لمعالجتها.

في هذه الأثناء، ينبغي للأمم المتحدة المساعدة في كسر حدة التوتُّرات بين بغداد وإقليم كردستان العراق ، الناجمة عن التداعيات الضارة التي أعقبت استفتاء الاستقلال الكردي، إذ فرضت الحكومة الاتحادية العراقية وإيران إجراءات عقابية ضد المنطقة الكردية، بحظر الرحلات الدولية ومنع نفط كركوك من التدفُّق عبر خط الأنابيب الكردي إلى تركيا.

تراجعت الحكومة العراقية عن بعض تلك التدابير، لكن المحادثات بشأن التدابير المتبقية لا تزال مستمرة، وتستطيع الأمم المتحدة رعاية تلك المحادثات حتى تصل إلى نتيجةٍ نهائيةٍ ناجحة.

بعد ذلك، ينبغي لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بدء مفاوضات تركز على التوصل إلى «مكاسب سهلة المنال»، مثل آليات الأمن المشتركة في المناطق المُتنازَع عليها، التي من شأنها منع داعش من استغلال الفجوات الأمنية بين الأطراف العسكرية المتنافسة.

في نهاية المطاف، ينبغي لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق تحويل تركيز الجانبين لمناقشة المسائل الكبيرة المُتمثِّلة في تقاسم العائدات ووضع المناطق المُتنازَع عليها.

لم يخفت الطموح الكردي حتى الآن في دمج المناطق المُتنازَع عليها في إقليم كردستان العراق ، وكذلك تصميم بغداد على عدم التنازل عن تلك الأراضي.

تُعَدُّ احتمالية حدوث نوبة عنف جديدة مجرد مسألة وقت تبدو حتمية، لذا يكون التفاوض على تسويةٍ سياسية خطوة معقولة الآن، نظراً إلى أنَّ المناخ المحلي والدولي يساعد على إطلاق مبادرة جديدة بقيادة الأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى