تقارير وتحليلات

متى ستجتاز شرطة إسرائيل دورة أساسية في “حرية الاحتجاج”؟

حاولت حكومة إسرائيل اغتيال مظاهرة اليسار ضد الضم. وإن ليّ أذرع بين الشرطة والمنظمين انتهى هذه المرة بفوز المنظمين، وأجريت المظاهرة في نهاية المطاف السبت في ميدان رابين. ولكن اضطر الذين نظموا المظاهرة إلى استثمار جهود كبيرة لمواجهة فظاظة الشرطة التي تعتبر إحباط المظاهرات وسيلة شرعية، هذه الحقيقة مقلقة ومثيرة للغضب، وبالأساس خطيرة.

في البداية تم فرض منع كاسح لإجراء الاعتصام، وبعد ذلك تم تقييد عدد المشاركين فيه، ورفضت الشرطة بشكل حازم إغلاق الشوارع حول الميدان، الأمر الذي كان سيمكن من ارتفاع عدد المشاركين، وكل ذلك بسبب كورونا بالطبع. تحول الوضع إلى مهزلة عندما طلبوا من المنظمين التخفيف من نشر موضوع المظاهرة في الشبكات الاجتماعية من أجل عدم قدوم عدد كبير جداً. ووصلت الذروة عندما أعلنت الشرطة أنها ستلغي التصريح للمظاهرة بسبب الشعبية التي راكمها الحدث في الشبكات الاجتماعية. وكانت هناك أيضاً مرحلة طلبت فيها الشرطة نقل المظاهرة إلى مكان آخر، ربما متنزه اليركون أو حديقة تشارلز، وهو ما رفضه المنظمون تماماً، وفقا لصحيفة “هأرتس” العبرية.

شرطة تتعامل بهذا الشكل مع متظاهرين أقلية سياسية هي شرطة لا تعرف مكانها أو دورها. لا يوجد شك بأن وباء كورونا يتفشى، وهذا الأمر يحتاج إلى اتباع وسائل حذرة: تباعد اجتماعي ووضع الكمامات، ولكن وبسبب تفشي الوباء في وقت تخطط فيه الحكومة لإخراج العملية السياسية الأكثر أهمية منذ 1967 إلى حيز التنفيذ، كان على الشرطة أن تفهم بأن دورها هو مساعدة المنظمين لإجراء المظاهرة مهما كانت كبيرة، وتلبية مطالب وزارة الصحة. أحد أهداف الشرطة هو التمكين من القيام باحتجاج سياسي والدفاع عنه. وهذه المهمة تكون هامة بأضعاف في الوقت الذي يهدد فيه الوباء بإسكات نقاش عام مهم لا مثيل له.

لذلك، لا يمكن التملص من الانطباع القائل بأن السلوك الوقح مرتبط بهوية المتظاهرين، ومن حقيقة أن الأمر يتعلق بمظاهرة ضد سياسة الحكومة، مظاهرة الأقلية يكثر العرب في أوساطها. هل يمكن لشخص أن يتخيل الشرطة وهي تتصرف بهذا الشكل وتعرض للخطر القيام باعتصام لمؤيدي نتنياهو؟ لا يدور الحديث عن نظرية مؤامرة، ولا أعتقد أن القيادة العليا في الشرطة أرادت المس بالمظاهرة لأسباب سياسية مباشرة أو أيديولوجية. ولكن في زمننا، عندما يكون نتنياهو رئيس الحكومة، وأمير أوحانا وزيراً للأمن الداخلي، حينئذ يسهل على ضباط الشرطة المس بمتظاهري اليسار، لأنه لن يحدث ضرر ما لهؤلاء الضباط، بل ويمكن أن تساعدهم أفعالهم هذه على مواصلة طريقهم. وهكذا فإن روح العصر تقود إلى هذا الوضع الذي لا يصدق، والذي يلغي فيه رجال شرطة ترخيص إجراء مظاهرة بسبب التوسع في النشر عنها. وفي المرة القادمة سيطلبون أن يضاف إلى الإعلان جملة “لكن، لا تأتوا بجموعكم”.

على الشرطة أن تفهم بأن المظاهرة حدث سياسي، وعليها ألا تحدد مكانها، ويحظر عليها أيضاً التدخل بأي شكل من الأشكال الطريقة التي يختار فيها المنظمون دعوة الجمهور للمشاركة فيها. وإذا ظهر للشرطة بأن أشخاصاً سيأتون أكثر مما يستوعبه الميدان، حينها مطلوب منها إغلاق الشوارع حول الميدان. هكذا يفعلون في مجتمع منفتح في وقت معروف للاعتصام، وفي ميدان هو موقع المظاهرات الوطني الأهم.

على القيادة العليا لشرطة إسرائيل أن تجتاز وبسرعة دورة أساسية في موضوع حرية الاحتجاج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى