تقارير وتحليلات

ناشيونال انترست: العدو الأكبر للصين ليست أمريكا وأنما فساد الجيش

حتى في الجيش الأمريكي لا يمكن الحد من هذه المشكلة التي تواجه كثيراً من الجيوش بهذه الجرأة، ولكن يبدو أن مشكلة الفساد في الجيش الصيني أصبح لا يمكن الصمت عليها، لدرجة دفعت بكين لاتخاذ إجراءات صارمة لمحاربتها.

كان بعض المحللين الغربيين، الباحثين عن أدلةٍ على استراتيجية الصين المتعلقة بالأمن القومي، ينتظرون الورقة البيضاء الجديدة الخاصة بمبادئ سياسة الدفاع الصينية بشغفٍ كبير.

وتُحدِّد الورقة الخاصة بالعام الجاري 2019 (بعد صدور آخر ورقة في عام 2015)المبادئ العامة لسياسة الدفاع الصينية. وتُعلن صراحةً الوجه الجديد للجيش الصيني، الذي أصبح يحظى بالقدرة على خوض حروبٍ سيبرانية، وقيادةٍ وتحكُّم أكثر مرونة، وعمليات بحرية بعيدة المدى. ومن المفارقات وجود تشابه كبير بين قدرت الجيش الصيني وقدرات نظيره الأمريكي لدرجة أننا إذا غيَّرنا بعض الأسماء والأرقام الواردة في الورقة، لاعتقدنا أنها وثيقة تخطيطٍ من الجيش الأمريكي أو مركز أبحاثٍ أمريكي.

ولكن اللافت أن الورقة تتحدث بصراحة عن أكبر مشكلة في الجيش الصيني تعتبرها عائقاً أمام تطوره.

المشكلة الأوضح هي الفساد، الذي أدى إلى معاقبة العديد من كبار الضباط على بعض الجرائم، مثل بيع الترقيات مقابل رشاوى، حسبما ورد في تقرير لمجلة “ناشيونال انترست” الأمريكية.

كيف يتم التعامل مع مشكلة الفساد في الجيش الصيني؟

تقول الورقة: «تُشدِّد القوات المسلحة الصينية الضوابط السياسية والقواعد، وتحقِّق في انتهاكات جسيمة وقعت ضد ضوابط الحزب الشيوعي الصيني وقوانين الدولة، وتتعامل معها بحزم.

وتعاقِب القوات المسلحة الصينية على الفساد، في التزامٍ صارم بنظام الحزب الشيوعي الصيني وقواعد الانضباط والقوانين ذات الصلة، وتُصحِّح أي خطأ مقصود في مشروعات البناء الرئيسية وشراء المعدات والمواد.. وتعمل على إجراء تدقيقٍ شامل، وتكثيف الفحص المالي للمجالات والمشروعات والصناديق الرئيسية، وإجراء عمليات تدقيق صارمة على الالتزامات المالية للضباط الذين يشغلون مناصب قيادية.

وتبذل جهوداً نشطة لمراقبة استخدام الأموال المُخصَّصة للجيش، وإجراء تدقيقٍ شامل على عملية استخدامها، والدمج بين الجهود المدنية والعسكرية في عملية التدقيق».

هل يواجه الجيش الأمريكي مشكلة مماثلة؟

صحيحٌ أنَّ الجيش الأمريكي لا يخلو من العيوب، التي تتضمَّن الوصولية، ووضع أسعار غير حقيقية ومبالغ فيها للمعدات العسكرية، والكذب بشأن قدرات بعض الأسلحة، وتنقُّل الموظفين باستمرار بين وزارة الدفاع وشركات الأسلحة.

لكن من الصعب تخيُّل أنَّ وزارة الدفاع الأمريكية قد تُصرِّح علانيةً بأنَّ الفساد يمثِّل عائقاً رئيسياً أمام كفاءتها العسكرية.

وكذلك، فالجيش الأمريكي يعاني مشكلات سلوكية، مثل إدمان الكحول، والتحرش الجنسي الذي قضى على المسيرة المهنية للعديد من كبار الضباط. لكنَّ هذه المشكلات تُعَدُّ صغيرةً بالمقارنة مع المشكلات السلوكية التي يعانيها الجيش الصيني.

إذ تقول الورقة: «تبني القوات المسلحة الصينية نظاماً قانونياً عسكرياً ذا خصائص صينية، وتمضي قدماً في تحقيق تحوُّلٍ أساسي في كيفية سير شؤون الجيش.. فهي تعزز الوعي القانوني عن طريق حملات التواصل والتثقيف العامة، وتُنشئ آلية دعمٍ متعلقةٍ بالاستشارات والخدمات القانونية وتُحسِّنها، وتُعزِّز الإدارة القائمة على القانون في الجيش.

وتسعى القوات المسلحة الصينية جاهدةً إلى إدارة القوات بطريقةٍ أشد صرامة من جميع النواحي. إذ طبَّقت القواعد واللوائح العسكرية تطبيقاً كاملاً، واستعادت وحسَّنت الآلية التقليدية المتمثلة في استخدام الأبواق للتواصل والقيادة، وأجرت فحوصات متعلقة بالسلامة لتحديد المشكلات المحتملة ومعالجتها، وشدَّدت إجراءات حفظ النظام في الحاميات العسكرية، وعزّزت إدارة المركبات العسكرية بتدابير مستهدفة، ووضعت آليةً مخصصة للإخطار المنتظم بشأن حفظ النظام في الحاميات العسكرية».

من جيش بدائي لقوة أصغر وأكثر تقدماًَ

وصحيحٌ أنَّ الورقة لم تذكر شيئاً مفاجئاً إلى حدٍّ كبير؛ فلا يخفى على أحد أنَّ الصين تتحوَّل من جيشٍ بدائي هائل منخفض التقنية، إلى قواتٍ أصغر حجماً لكنَّها أكثر مرونةً وأعلى من الناحية التقنية.

ومع ذلك، ذكرت الورقة بعض النقاط التي تزعج الدول الغربية، وجيران الصين الآسيويين. إذ ستواصل الصين إبدال الطائرات والسفن القديمة بنماذج أكثر تطوراً.

وتُركَّز كذلك على آفاق بعيدة، مشيرةً إلى أنَّ الجيش الصيني سيعالج «أوجه القصور في عملياته الخارجية والدعم المتعلق بها، وسيقيم قواعد بحرية في مناطق بعيدة عن الصين، وسيطور المرافق اللوجستية الخارجية، وسيعزز القدرات المتعلقة بإنجاز المهام العسكرية المتنوعة».

وهذا هو الهدف الرئيسي للجيش الصيني

ولا يزال الجيش الصيني يُركِّز على تايوان. إذ تقول الورقة: «الصين لديها عزمٌ شديد وقدرة قوية على حماية سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها، ولن تسمح أبداً بانفصال أيّ جزءٍ من أراضيها عنها على يد أي شخص أو أي منظمة أو أي حزب سياسي، بأي وسيلة وفي أي وقت.

لن نتردد في استخدام القوة، ونحتفظ بخيار اتخاذ جميع التدابير اللازمة. وهذا ليس موجَّهاً على الإطلاق إلى مواطنينا في تايوان، ولكن إلى تدخُّل القوات الخارجية، والعدد الصغير للغاية من الانفصاليين الذي يطالبون بـ»استقلال تايوان» وأنشطتهم. وسوف يدحر الجيش الصيني بحزمٍ كل من يحاول فصل تايوان عن الصين، وسيحمي الوحدة الوطنية بأي ثمن».

ومع ذلك، فوراء ستارة الصواريخ الأسرع من الصوت وطائرات الشبح، هناك جيشٌ يخشى الفساد وعدم الانضباط.

لذا تقول المجلة الأمريكية «يجب احترام الجيش الصيني، لكن ينبغي عدم الخوف منه».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى