تقارير وتحليلات

نيويورك تايمز: تدمير مرفأ بيروت أنهى لبنان والأيام المقبلة حبلى بالغضب

قال فيصل عيتاني، مدير مركز السياسية العالمية والبرفسور المساعد بجامعة جورج تاون، في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” إن الانفجار يوم الثلاثاء الذي دمر مرفأ بيروت ومعظم المدينة وأدى لخسائر فادحة بالأراوح هو نتاج تفكير العمل المعتاد وكأن شيئا لم يحدث.

وأضاف “كان أول عمل بالصيف تسلمته هو في مرفأ بيروت. وكان هذا نهاية التسعينات من القرن الماضي، وكنت شابا. وقضيت الأشهر الرطبة والحارة وأنا أدخل بيانات الشحن البحري كجزء من مشروع جديد طموح لتحويل المرفأ من النظام التناظري إلى الرقمي. ولم تكن عملية جميلة كما تتوقع من أحشاء البيروقراطية في الشرق الأوسط. ورغم الحر الشديد والرتابة كان هناك أمل”.

 

وكان المرفأ منشأة تحتية حيوية لإنعاش الاقتصاد بعد 15 عاما من الحرب. وكانت السجلات الرقمية هي جزء من المستقبل، ومحاولة لمنح شفافية ونظام للقطاع العام الذي يتعافى. فقد كان نفس المرفأ الذي اعتبر غير صالح للعمل أثناء الحرب الأهلية بسبب القوارب الغارقة والقنابل غير المتفجرة، باسثتناء منطقة كانت تسيطر عليها ميليشيا.

ويقول عيتاني إن لبنان الذي خرج من الأنقاض قد انتهى وخنقته الطبقة السياسية التي تسعى لمصالحها. وفي يوم الثلاثاء انتهى. فقد حدث انفجار هائل في مرفأ بيروت خلف وراءه أكثر من 100 قتيل (والعد متواصل) وجرح 4000 شخص ودمر بنايات في المدينة.

ويواجه لبنان اليوم نوعا جديدا من الكارثة والتي جعلته عقود من الحرب وعدم الاستقرار غير جاهز لها. وبالمظهر فكارثة المرفأ لم يشترك فيها المتهمون المعروفون- حزب الله، إسرائيل، الجهاديون الإرهابيون ولا حكومة الجارة في سوريا. والحقيقة تبدو أكثر كآبة وإثارة للقلق لأنها تتعلق بعقود من العفن على كل مستوى من مؤسسات لبنان التي دمرت مرفأ بيروت ومعظم المدينة وحيوات كثيرة. وبالضبط فالتفاهة وراء الانفجار تؤشر للعقاب والإهانة التي تعرض لها لبنان.

 

ورغم اتفاق المسؤولين اللبنانيين على ما حدث لكن من المتوقع ظهور أكثر من رواية “رسمية”. فهذا هو لبنان، بلد تقسمه السياسة والدين والتاريخ. ولكن ما نعرفه الآن عن سبب الحادث من روايات موثوقة هو انفجار 2.750 طنا من نترات الأمونيوم التي تم نقلها من سفينة غير مستخدمة عام 2014 وتخزينها في مخزن بالميناء. وفي يوم الثلاثاء أدى حادث لحام لإشعال مصنع للألعاب النارية بشكل تسبب بالانفجار الهائل.

ويقول الكاتب إن المرافئ هي ملكيات حقيقية للفصائل السياسية ومنظمات الجريمة والميليشيات. فهناك عدد من الأجهزة الأمنية المرتبطة بولاءات سياسية متعددة تدير قطاعات من عملياتها. كما أن التوظيف في البيروقراطية المدنية مرتبط بالمحاصصة الطائفية والسياسية. وهناك ثقافة إهمال مستشرية ووباء فساد وحرف للوم على البيروقراطية اللبنانية التي تشرف عيها الطبقة السياسية التي تتسم بالعقم والاحتقار للصالح العام.

 

ولا نعرف كما يقول عيتاني أي من هذا المزيج الذي أشعل القنبلة الموقوتة التي كانت تجلس في المخزن منذ ستة أعوام ومن قام بنقل الألعاب النارية قربها وسمح لأعمال غير مسؤولة لأن تدار قريبا منها. ولكن الكارثة رغم خطورتها هي نتاج تفكير التعامل مع الأمور وكأن شيئا لم يحدث.

فالبلد معتاد على الانفجارات وهو متعود على الكوارث الناجمة عن فشل الخدمات العامة، فأزمة النفايات تعود إلى عام 2015 وكارثة بيئية العام الماضي وانقطاع في التيار الكهربائي يستمر لعشرين ساعة في اليوم.

 

ويرى عيتاني أن تداعيات انفجار الثلاثاء ستكون أخطر من الضحايا المباشرين لها والدمار. فقد دمرت صومعة الحبوب التي يخزن فيها نسبة 85% من الحبوب التي يحتاجها البلد دمرت. وأكثر من هذا فلن يكون المرفأ قادرا على استقبال البضائع. ويستورد لبنان 80% من احتياجاته الاساسية بما في ذلك 90% من المواد التي تستخدم لصناعة الخبز، الطعام الرئيسي للسكان. وتصل نسبة 60% من هذا المواد إلى مرفأ بيروت. ويقول إن التوقيت لم يكن ليكون أسوأ، فالأزمة الاقتصادية المدمرة والتي يعاني منها لبنان منذ عدة أشهر. وانهار البلد حاليا، وهي مشكلة نابعة من سنوات سوء إدارة وفساد. وسيكون هناك مئات الألاف من الناس غير قادرين على شراء الوقود والدواء. فقد راقب اللبنانيون توفيرهم يتبخبر امام أعينهم واختفت معه قدرتهم الشرائية. وظهرت مفردات جديدة بين اللبنانيين لوصف حالهم حتى بين المتفائلين منهم مثل “انتهينا” “لا أمل”.

كما وضع فيروس كورونا ضغوطا عظيمة على النظام الصحي. وبعد انفجار يوم الثلاثاء كان الأطباء والممرضين يعالجون الجرحى في الشوارع ومواقف السيارات. وقد يضع الانفجار لبنان على طريق كارثة صحية وغذائية لم تمر عليها في الأيام السيئة أثناء الحرب الأهلية. وحذر الكاتب الطبقة السياسة وقال إن عليها أن تراقب خطواتها لأن الصدمة قد تتحول إلى غضب في الأسابيع المقبلة. ولكن العادات القديمة تموت بصعوبة كما يقول، خاصة أن الطبقة السياسية هذه لديها خبرة في حرف اللوم و”لا أتوقع عددا كبيرا من الاستقالات أو تحمل المسؤولية”.

وتساءل هل سيقود الإنفجار إلى ثورة؟ انتفاضة غضب؟ لكن أي دافع نحو الثورة عليه التنافس مع الدافع القبلي والولاء الطائفي والأيديولوجي. وهذا يصدق على الحقيقة، فرغم تقديم المؤسسة الرسمية رواية واحدة عما حدث في الميناء إلا أن البعض لن يصدقها “وعدم ثقتنا بالساسة تجعلنا غير قادرين على التوحد ضدهم”. ورغم وجود معوقات إلا أن هناك حاجة ماسة للإصلاح والمحاسبة أبعد من تحميل مسؤولين في الصف الوسط.

 

ومن الصعب تخيل حركة وطنية متماسكة للتغيير لأنها لم تتحقق، إلا أن الجوع وانهيار العناية الصحية قد يغير كل هذا. ويحتاج لبنان واللبنانيون لتدفق الدعم الخارجي لمنع حدوث نقص في المواد الغذائية أو كارثة صحية، ويأتي هذا الدعم من دول الشرق الأوسط وحول العالم مع أن هذا يوقف تدهور البلد. وسيزيد الدعم الإنساني من حس الإهانة والعجز. وكشف انفجار يوم الثلاثاء أن لبنان لم يعد البلد الذي يمكن للناس أن يعيشوا فيه حياة شريفة ومرضية. ويتذكر عيتاني أن مشروع الرقمنة للميناء قد تم في ذلك الصيف، لكن الفصائل التي لا تحب الشفافية وجدت طرقا للتحايل عليه و”اليوم لم يعد مهما، فقد دمر المرفأ وبالنسبة للبنانيين فسيكون همهم النجاة لا التقدم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى