تقارير وتحليلات

هل استغلت السلطة وإسرائيل الأوضاع الاقتصادية لدفع الناس للثورة على «حماس»؟

دائماً ما كانت أخبار غزة تحتل شاشات الفضائيات العربية والعالمية، فنشاهد كيف يواجه الشعب المقاوم الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، فما بين مشهد هرولة العشرات لإنقاذ ضحايا القصف، وما بين بيانات حركات المقاومة التي تخرج لتعلن إفشالها «العدوان»، يطل علينا الآن مشهد جديد على منصات التواصل الاجتماعي، لكنه هذه المرة مشهد استقطابي داخلي، يذكرنا بالسنوات الأولى للانقسام الفلسطيني عام 2007.

على مدى الأيام الماضية، تناثرت الفيديوهات والأخبار عن تظاهرات ملّت من الوضع الاقتصادي الذي خلّفه الحصار المفروض على القطاع أكثر من عقد من الزمان، تطوّر -على ما يبدو- إلى مواجهات بين «حكومة حماس» وبعض المتظاهرين الغاضبين.

انقسمت وجهات النظر على الساحة الفلسطينية تجاه المظاهرات التي شهدتها مناطق متفرقة في القطاع غزة؛ احتجاجاً على «تردي الأوضاع المعيشية والغلاء»، وللمطالبة بتوفير فرص عمل للشباب ودعم الفقراء.

فريق من المراقبين يرون التظاهرات نتيجة طبيعية للواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه القطاع، وعدم وجود أفق لتحسين هذه الأوضاع؛ في حين يعتقد آخرون أن أطرافاً أمنية تتبع للسلطة الفلسطينية وحركة «فتح»، الخصم السياسي لحركة «حماس»، التي تحكم غزة، استغلوا الظروف الاقتصادية الصعبة لدفع الناس للضغط على «حماس».

 

وتظاهر المئات من الفلسطينيين، خلال الأيام الماضية، بدءاً من يوم الخميس 14 مارس 2019، في مناطق متفرقة من قطاع غزة، بدعوة من حراك شعبي يحمل اسم «إسقاط الغلاء» و»بدنا نعيش»؛ احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية.

ويعاني سكان القطاع، المقدَّر عددهم بأكثر من مليوني نسمة، أوضاعاً متردية للغاية، جراء حصار إسرائيلي وانقسام سياسي داخلي متواصل منذ عام 2006، حيث فازت حركة «حماس» بأغلبية كبيرة في انتخابات المجلس التشريعي.

الأجهزة الأمنية واجهت المسيرات بالقوة

وذكرت مصادر محلية وفصائل فلسطينية ومؤسسات حقوقية أن «الأجهزة الأمنية في القطاع تصدَّت للمسيرات بالقوة، واعتقلت عدداً من المتظاهرين». ويوم الخميس، قال المتحدث باسم الشرطة في غزة (تديرها حركة حماس)، أيمن البطنيجي، إن «الشرطة تعاملت في منطقة دير البلح وسط القطاع، مع مجموعة من المواطنين عملوا على إغلاق طرق وإشعال إطارات سيارات».

وأضاف البطنيجي في بيان، أن «الشرطة أعادت الهدوء والنظام، كما تم توقيف بعض المخالفين»، حسب تعبيره.

مصدر بحركة «حماس»، رفض الكشف عن اسمه، قال: إنَّ تعامل الأجهزة الأمنية مع الحراك، الجمعة الماضي، كان «خشناً» بالفعل، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية بغزة تعقد مراجعات لما حصل، لكنه في الوقت نفسه لا يرى أن الأجهزة قد تجاوزت حدودها، لأنها لم تتسبب في جرح أحد أو إراقة دماء، كما أن من واجبها ضبط الأمن في القطاع المسلح، والحيلولة دون الانفلات الأمني.

ويرى المصدر أنه حتى أفراد الأجهزة الأمنية الذين قمعوا الاحتجاج يعانون أيضاً عدم تسلم رواتبهم منذ وقت طويل؛ ومن ثم فحالهم حال المحتجين الذين خرجوا، مشيراً إلى أن الحراك كان بريئاً ويطالب بالفعل بحقوق الغزيين الذين يعانون الحصار الموشك على الانفجار، لكن أطرافاً بالفعل قامت باستغلال الحراك وركوب الموجة، ودفع البعض للتحريض على المقاومة وسلاحها.

وأضاف أن مسيرة حراك «بدنا نعيش» التي خرجت في مدينة جباليا شمال القطاع الجمعة 15 مارس 2019، لم تتعرض لأي أذى، لأنها كانت سلمية وانتهت بسلمية، لكن الحال كان مغايراً في المسيرة التي خرجت في منطقة دير البلح جنوب القطاع، والتي تخللتها أعمال شغب وإغلاق للطرق وإشعال الإطارات.

الأوضاع المتردية في القطاع فجّرت الحراك

يقول المحلل السياسي طلال عوكل لوكالة الأناضول، إن «المظاهرات الشعبية دافعها الوحيد هو الأوضاع الاجتماعية والمعيشية الصعبة في قطاع غزة».

ويضيف عوكل: «مستويات الفقر والبطالة بالقطاع وصلت إلى أرقام قياسية، ولا يوجد أي أفق لتحسن هذه الأوضاع».

وأشار إلى أن «المسيرات الشعبية وإن كانت تأتي لمصلحة خصوم حركة حماس السياسيين، فإن ذلك كان غير مقصود، ولا أعتقد أن لهذا الحراك الشعبي حسابات سياسية أو يحمل أجندة جهات أخرى».

واعتبر أنَّ تعامل الأجهزة الأمنية في غزة (تديرها حركة حماس) بـ «القوة» مع المسيرات «يقوم على حسابات خاطئة، لأن استخدام الأساليب الخشنة في التعامل مع الناس لا يمكن أن يؤدي إلى حلول، بل يقود إلى مزيد من التدهور».

وتوقّع المحلل السياسي أن يتصاعد الحراك الشعبي، في حال لم يتم التخفيف من الأعباء المعيشية والاقتصادية للناس بالقطاع.

ويعتقد عوكل أن الحل يكمن في توقف الأجهزة الأمنية عن ملاحقة المتظاهرين وقمعهم، وأن تجلس الأطراف الوطنية بعضها مع بعض، لتبحث آليات واضحة وحقيقية لتحسين الظروف الاقتصادية في غزة، وبذل جهود لإنهاء حالة الانقسام القائمة.

لكن المظاهرات قد تتسع إذا لم يتم تدارك الأزمة

ويتفق المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى إبراهيم مع عوكل في أن دوافع الحراك الشعبي «اقتصادية» وليست سياسية.

وقال إبراهيم إن «هذا الحراك يأتي في سياق الاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة بغزة ومواجهة الغلاء، وهي بداية لانفجار طالما حذرت منه الأمم المتحدة والأطراف الفلسطينية والدولية».

وأضاف: «البطالة والفقر وغياب أي أفق لتحسُّن الأوضاع بعد 12 عاماً من الحصار، تؤجج مشاعر الشباب وتدفعهم للمطالبة بحقوقهم».

وأشار إلى أن المتظاهرين يعتقدون أن حركة «حماس» هي المسؤولة عن تحسين أوضاعهم، باعتبارها تحكم غزة، لذلك خرجوا لمطالبتها بحقوقهم وبتحسين ظروفهم الاقتصادية.

وعن مستقبل المسيرات، رأى أنه إذا لم يكن هناك حوار مجتمعي لتخطي الأزمة الراهنة وتحسين أوضاع غزة، وإذا استمرت الأجهزة الأمنية في التعامل بقوة مع المتظاهرين، فإن «المسيرات سيتسع نطاقها ولن تتوقف عند هذا الحد».

والسلطة تحرّض.. «بدأت ثورة الجياع على حماس وسندعمها»

وكانت كل من حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية في رام الله قد هاجمت حركة «حماس» وطريقة تعاملها مع مسيرات الجمعة، ووصف القيادي في «فتح» والناطق باسمها أسامة القواسمي الحراك بـ «ثورة الجياع» التي تنتفض على «حماس»، داعياً إلى دعم الانتفاضة ضدها، مشيراً إلى أن حركته ستتبنى ذلك.

وقال في مقابلة مع التلفزيون الرسمي التابع للسلطة: «رسالتنا لأبطالنا الميامين الثائرين على الميليشيات في غزة، هي أن الطريق إلى القدس يبدأ من الثورة على الاستبداد، وأننا في حركة فتح نقف معكم تماماً، وسنبقى دائماً الأوفياء»، مضيفاً: «شعب عرفات وسميح المدهون يثور الآن في غزة»، على حد تعبيره.

 

كما نشر حساب يحمل اسم الناطق الرسمي باسم الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، اللواء عدنان الضميري، صوراً مغلوطة لحالات تعذيب، قال إنها وقعت في غزة، لكن عند البحث والتحقق، تبين أن الصور كانت قديمة ووقعت في دول عربية أخرى، ليحذفها «الضميري» لاحقاً.

ويرى مصدر في حركة «حماس» أن هناك مخططاً يهدف إلى دفع الناس للثورة على الحركة في غزة، تصاعد منذ عام 2017 تحديداً، وذلك من خلال سياسة الحصار والضغط المتواصل من قِبل السلطة الفلسطينية في رام الله، التي قطعت رواتب الموظفين وجوّعت القطاع إلى جانب إسرائيل، مستشهداً أيضاً بتصريحات للقيادي الفتحاوي عزام الأحمد في ذلك الحين، والتي قال فيها إنه يؤيد «قطع الهواء عن غزة».

كما كان رئيس الوزراء الحالي والقيادي الفتحاوي، محمد اشتيه، قد صرح حينها للتلفزيون الرسمي بأن السلطة ترفض أن تقوم مصر «بتنفيس» الحصار عن غزة وتعطيل إجراءات السلطة بمعاقبة «حماس»، المتمثلة في قطع الرواتب عن الموظفين في غزة وتشديد إدخال الوقود للقطاع.

 

وإسرائيل تحتفي بـ «الانتفاضة الشعبية على حماس»

في السياق، أشاد صحفيون وسياسيون إسرائيليون بالمظاهرات التي خرجت في غزة واحتفوا بها، واعتبروها «انتفاضة شعبية ضد حركة حماس القمعية التي تحكم القطاع».

إذ أشاد أوفير جندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي للإعلام العربي، في تغريدة، بالحراك ومطالبه، واتهم «حماس» بأنها «باعت غزة لإيران وصرفت المليارات على الإرهاب».

في حين علق وزير الداخلية الإسرائيلي السابق والمرشح عن حزب الليكود حالياً، جدعون ساعر، بالقول إن «أهل غزة يستحقون حياة كريمة، وإن ذلك لن يكون تحت حكم الحركة القمعية الحمساوية التي تخدم إيران».

كما قال عضو الكنيست عن حزب «البيت اليهودي» الجنرال المتقاعد موتي يوغيف، في تغريدة على تويتر: «أشدُّ على أيدي سكان قطاع غزة الذين يحتجون على منظمة حماس الإرهابية القاتلة والقاسية».

في حين نشر الإعلامي الإسرائيلي إيدي كوهين مقطع فيديو يقول فيه إن شرارة الثورة على «حماس» في غزة قد انطلقت، وإن سياسة الضغط والحصار ستولّد الانفجار.

فهل تكون محاولة لإثارة الفوضى؟

يرى الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة، أن «المسيرات في قطاع غزة ترتبط بسببين: الأول يتعلق بحالة الضغط والحصار الاقتصادي والظروف المتردية التي زادت صعوبة، إثر العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية في رام الله خلال العامين الماضيين، مثل قطع رواتب الآلاف من موظفيها وإحالة مثلهم إلى التقاعد».

وقال عفيفة لـ «الأناضول»، وهو مدير قناة الأقصى التابعة لحركة «حماس»، إن «هناك مجموعة من المتظاهرين متضررون بالفعل من الأوضاع المعيشية الصعبة، وخرجوا بالمسيرات ليُسمعوا صوتهم للمسؤولين».

والسبب الثاني لهذه المسيرات، وفق عفيفة، يرتبط بتحريك الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، التي تديرها حركة «فتح»، الخصم السياسي لحركة «حماس».

وأضاف أن تلك الأجهزة الأمنية تحرك مجموعات في غزة، لإثارة الشارع وبث حالة من الفلتان، من أجل الضغط على حركة «حماس» لتستسلم لشروط الرئيس محمود عباس، وحركة «فتح» المتعلقة بإقصاء الحركة من المشهد السياسي الفلسطيني.

«حماس».. «التعامل مع الفوضى سيكون حاسماً، ونريد إنهاء حالة الاحتقان»

يقول عفيفة إن «حماس مهتمة بالحفاظ على الأمن في غزة، لذلك ستعمل على تقييم الحالة الراهنة؛ فإذا كانت المسيرات في إطار مطلب جماهيري فإن الحركة ستدعمها، ولكن إذا تحولت إلى وسيلة للفوضى، فإن التعامل معها سيكون حاسماً».

ورأى عفيفة أنه «يمكن احتواء المشهد إذا نجحت تفاهمات التهدئة التي تجريها الفصائل الفلسطينية مع إسرائيل منذ أشهر، لأنها ستعمل على تحسين الأوضاع بغزة».

لكنه قال: «إذا فشلت التهدئة فإن الحراك الشعبي لن يقتصر على المسيرات، وسيتسع باتجاه الاحتلال»، في إشارة إلى تصاعد «مسيرات العودة» المتواصل قرب حدود غزة منذ نهاية مارس 2018، أو اندلاع تصعيد عسكري مع إسرائيل.

في السياق، علق القيادي بـ «حماس» أحمد يوسف قائلاً إن هذا الحراك «شعبي بامتياز، وليس فئوياً أو تابعاً لأي تنظيم»، مُرجعاً سبب عدم تفهُّم البعض لطلبات الحراك، إلى أن «القادة والمسؤولين الفلسطينيين لم يتعودوا مثل تلك التحركات الشعبية».

ونقل موقع «دنيا الوطن» عن يوسف قوله إن «الحراك لا يستهدف حركة حماس، أو المقاومة الفلسطينية، كما يدَّعي البعض، ولم ينتقص أحد منهم المقاومة وأساليبها، بالعكس كلهم مع المقاومة، التي تدافع عن شعبها، فالأمر ليس ضد المقاومة، بل علينا الاعتراف بأن هنالك سياسات خاطئة، كانت في جباية الضرائب من المواطنين».

وذكر يوسف أنه على ثقة بأن قيادة «حماس» ستجلس وتستمع للنداءات، وستستجيب لها، إذا ما جاءت في إطار وسياق وطني، وجاءت بحوارات مُكثفة، تنهي هذا الاحتقان الحاصل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى