تقارير وتحليلات

هل يساعد ترامب “القاعدة” على النهوض من جديد؟

بعد 19 عاماً من هجمات 11 سبتمبر الإرهابية، هل ما زال تنظيم القاعدة يهدد الأمن القومي الأمريكي بشكل يستحق تركيز الموارد الأمريكية لمواجهته؟

هناك إجماعٌ طفيفٌ على أن القاعدة تمثل تهديداً خطيراً لأمريكا بين الباحثين والمسؤولين الاستخباراتيين والعسكريين وصُنَّاع القرار الذين يدرسون تنظيم القاعدة. لكن قلةً قليلة من الخبراء في الحركات السلفية الجهادية هم مَن يصرفون الأنظار عن القاعدة.

لذا حين أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في برنامج Fox & Friends الحواري أن “القاعدة ليست سوى ظلٍّ لما كانت عليه في السابق”، أصاب ذلك المراقبون بالدهشة والقلق، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Affairs الأمريكية.

من خلال تصوير القاعدة باعتبارها مصدر إزعاجٍ أكثر من كونها تهديداً، ساعد بومبيو إدارة ترامب في تصدير الحجة من أجل سحب القوات الأمريكية من أفغانستان وإبرام السلام مع طالبان. ولسوء الحظ، قد تكون التقييمات ذات الدوافع السياسية خطيرةً للغاية، وتشخيص بومبيو للقاعدة يعكس تفكيراً بالتمني في أفضل الأحوال، وسذاجةً في أسوئها، حسب التقرير.

إذ يتعيَّن على الولايات المتحدة أن تستبدل نظَّاراتها الوردية وأن تعتمد تقييماً رصيناً لمسار القاعدة، ولعلاقة هذا التنظيم الدائمة مع طالبان.

التنافس مع تنظيم داعش

إن التقييم الدقيق للقوة التنظيمية للقاعدة لابد أن يضع في الاعتبار النهوض الأخير والمثير للتنظيم. قبل أربعة أعوام فحسب، قُضِيَ على قيادة القاعدة، وتدهورت قدراتها بشدة نتيجةً لجهود مكافحة الإرهاب الأمريكية في أفغانستان وباكستان وسوريا واليمن. ووجَّهَ صعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ضربةً أخرى للقاعدة.

فبمجرد انفصال الحلفاء المخلصين والموالين في أفغانستان والعراق والفلبين والصومال وسوريا عن القاعدة، انضمَّ الكثير منهم إلى منافستها الرئيسية داعش.

ومع توافد المقاتلين الغربيين والأجانب إلى تنظيم الدولة الإسلامية، فقدت “القاعدة” مكانتها باعتبارها العلامة التجارية الجهادية المُفضَّلة في العالم.

القاعدة تشهد نهوضاً في كثير من المناطق المضطربة/رويترز

لكن منذ عام 2017، وبينما ركَّز الاهتمام الدولي على تنظيم الدولة الإسلامية، عمل تنظيم القاعدة بجدٍّ لإيقاف التدهور المتواصل الذي يشهده.

حسَّن التنظيم علاقاته مع سماسرة النفوذ المحليين من بلاد الشام إلى شبه القارة الهندية، ودَمَجَ الأهداف المحلية والعابرة للحدود في محاولةٍ لتعزيز التماسك وتوسيع قواعد الدعم. والآن يبدو أن هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها، إذ أعادت القاعدة تأسيس شبكتها في جنوب آسيا وسوريا، وظهَرَت بهيئةٍ أكثر وحدةً من ذي قبل. ولقد أصبحت كذلك أكثر مهارةً في تحقيق التوازن بين الأهداف العابرة للحدود والأولويات الإقليمية، من خلال العمل على المستوى المحلي في الصومال وسوريا واليمن ومنطقة الساحل الإفريقي بينما تحافظ على تركيزها على مواجهة الغرب.

ورغم أن القاعدة قد مُنِيَت بخسائر بشرية بعد أن سَلَبَ تنظيم الدولة الإسلامية أعداداً كبيرة من المُسلَّحين في مختلف المناطق التي عمل بها التنظيمان، فقد واصَلَت القاعدة مسارها تحت قيادة أيمن الظواهري وعملت على تنمية العلاقات مع المُجنَّدين المُحتَمَلين الذين يركِّزون بشكلٍ أكبر على المظالم الضيقة المُختارة التي تعاني نزاعاتٍ أهلية.

وفي كلٍّ من منطقة القرن الإفريقي والساحل، وطَّدَ مقاتلو القاعدة علاقاتهم مع القيادة المركزية للتنظيم وظلوا متجاوبين مع اتجاه هذه القيادة. هناك أيضاً أدلةٌ متزايدة على أن بعض فروع القاعدة على الأقل تجتذب مرةً أخرى مقاتلين أجانب.

هل ما زال تنظيم القاعدة يهدد الأمن القومي الأمريكي؟

من الصحيح أن القاعدة لم تعد تمتلك نفس القدرة على تخطيط وتنفيذ تلك الهجمات الإرهابية العابرة للحدود التي نفَّذتها في السنوات السابقة على الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. لكن ادِّعاء إدارة ترامب بأن القاعدة في حالة تدهور نهائي يتجاهل المرونة التي تتمتَّع بها تلك الجماعة العنيدة، علاوةً على أن هذا الادِّعاء يفشل في تفسير العزيمة السياسية لدى تلك الجماعة.

وفقاً للأمم المتحدة، يظلُّ المنتمون لتنظيم القاعدة في سوريا واليمن يركِّزون على مهاجمة الولايات المتحدة (وتواصل قوات مكافحة الإرهاب الأمريكية التركيز على استهدافهم). وتمكَّنَ التنظيم حتى من ضرب الولايات المتحدة في موطنها. ففي ديسمبر/كانون الأول 2019 نفَّذَ طيَّارٌ من القوات الجوية السعودية له صلة بالقاعدة، وكان في الولايات المتحدة من أجل التدريب العسكري، هجوماً على قاعدةٍ بحرية أمريكية في بينساكولا بولاية فلوريدا، ما يؤكِّد التزام القاعدة باللعبة الطويلة أثناء العمل على تسهيل وتوجيه هجماتٍ إرهابية مباشرة على الأراضي الأمريكية.

دعمٌ متواصل من طالبان

بالإضافة إلى تعزيز المنتمين إليها عبر أرجاء العالم، يبدو أن تركيز تنظيم القاعدة ينصبُّ على الاستفادة من البيئة المتساهلة بشكلٍ متزايد في أفغانستان، حيث يمكن لحليفتها القديمة، حركة طالبان الأفغانية، استعادة السلطة السياسية.

رحَّبَت القاعدة باتفاق السلام المُبرَم في الدوحة في فبراير/شباط الماضي بين الحكومة الأمريكية وطالبان، واصفةً إياه بأنه “اعترافٌ من العدو بهزيمته”. ويمثِّل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أهميةً خاصة في الدعاية التي يدشِّنها تنظيم القاعدة، والتي تصوِّره باعتباره نقطة تحوُّلٍ في تاريخ الجهاد.

وتصرُّ إدارة ترامب على أن حركة طالبان الأفغانية سوف تلتزم باتفاق الدوحة وتقطع علاقتها بالقاعدة. لكن طالبان لم تنبذ القاعدة علانيةً، ولم تتَّخِذ أيَّ إجراءٍ ملحوظ للتصدي للقاعدة أو غيرها من التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود داخل أفغانستان. وفي الواقع، تجنَّبَ مُمَثِّلو القاعدة بشكلٍ واضح منذ الاتفاق مجرد ذِكر القاعدة عندما ضُغِطَ عليهم لتوضيح موقفهم من التنظيم.

وبعيداً تماماً عن التبرُّؤ من مقاتلي القاعدة، صوَّر قادة طالبان أنفسهم، في محادثاتٍ غير رسمية مع مجموعة إدارة الأزمات الدولية، باعتبارهم “مسلمين مُضطهَدين أُجبِروا على ترك بلدانهم بسبب معتقداتهم”. ووفقاً للأمم المتحدة، وَعَدَت حركة طالبان تنظيم القاعدة بشكلٍ خاص بمواصلة دعمها.

وعلى الرغم من تعليقات بومبيو، لا تزال القاعدة تشكِّل تحدياً كبيراً للسياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكيَّين. لكن قدرة واشنطن على الاستجابة كانت مُقيَّدةً منذ فترةٍ طويلة بالاضطرابات المحلية.

لقد سيَّسَت الإدارة الحالية تقييمات تنظيماتٍ مثل القاعدة بغرض المبالغة في المكاسب التي حقَّقَتها في مكافحة الإرهاب، وتبديد التساؤلات المُثارة حول عملية الانسحاب من أفغانستان. وهناك قلقٌ متزايد، جزئياً بسبب تكثيف المعارضة المحلية للالتزامات العسكرية المفتوحة، من أن سحب القوات أمرٌ عشوائي. هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لا يتعيَّن عليها الانسحاب من أفغانستان، لكن واشنطن بحاجةٍ إلى أن تكون أكثر شفافيةً بشأن التحديات التي تشكِّلها القاعدة والتنظيمات المشابهة.

وأخيراً، على الولايات المتحدة أن تكون أكثر واقعيةً حيال المسار السياسي الذي تتَّخِذه طالبان. وكما تشير أحداث الشهور القليلة الماضية، فإن علاقات طالبان مع القاعدة أعمق مِمَّا تودُّ الإدارة الاعتراف به، والسياسة الخارجية إزاء أفغانستان بحاجةٍ إلى أن تستعد إلى احتمالية أن تواصل طالبان دعمها للقاعدة على مستوى ما.

“القاعدة” قد تجد عدواً جديداً

لا يمكن للولايات المتحدة أن تتحمَّل الإبقاء على أعدادٍ كبيرة من القوات في هذا البلد بصورةٍ غير مُحدَّدة، لذا ستكون بحاجةٍ إلى إيجاد طريقةٍ لاستخدام العصا والجزرة لتقويض دعم طالبان للقاعدة. وسيتطلَّب هذا دبلوماسيةً مُتعدِّدة الأطراف مع حلفاءٍ وخصوم، بالأخص تلك البلدان في المنطقة التي لديها مصلحة راسخة في منع أفغانستان من أن تصبح مصدراً للإرهاب الدولي.

وأحد الأسئلة العالقة بالنسبة لصُنَّاع السياسات هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستبقي الجماعات الإرهابية مثل القاعدة هدفاً رئيسياً لها حتى في الوقت الذي تتنازل فيه عن موقعها المتميِّز على المستوى العالمي.

من المؤكَّد ان الولايات المتحدة قد انتقلت من هيمنةٍ عالمية بلا منازع إلى بلدٍ يتراجع عن التزاماته الخارجية ويكافح من أجل إدارة الاضطرابات المحلية المتتالية المُتعلِّقة بجائحة كوفيد-19 والاحتجاجات ضد العنصرية ووحشية الشرطة.

وفي غضون ذلك، أصبحت الصين قوةً صاعدة ذات حضورٍ في كلِّ مكان، لاسيما من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي تربط الصين عن كثبٍ بالمناطق التي يسيطر عليها الجهاديون في وسط وجنوب آسيا. وإضافةً إلى ذلك، ظهرت بكين في الدعاية الجهادية بوحشيتها ضد سكَّانها من المسلمين الإيغور. تتقدَّم الصين باعتبارها فرصةً للاستهداف من قِبَلِ القاعدة، لكن في الوقت الحالي تظلُّ قيادة التنظيم تركِّز على مواصلة القتال ضد الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى