تقارير وتحليلات

هل يعود سباق التسلح النووي من جديد؟ إليك كل ما تريد معرفته عن معاهدة الصواريخ النووية التي انسحبت منها موسكو وواشنطن

قررت روسيا السبت 2 فبراير 2019، تعليق العمل بمعاهدة القوى النووية المتوسطة المدى التي تعود إلى الحرب الباردة بعد أن اتخذت أمريكا قراراً مشابهاً، ليبدأ العالم مرحلة توتر جديدة قد تضاعف من سباق التسلح بعد التخلي عن واحدة من أهم المعاهدات التي حالت دون وقوع حربٍ نووية.

وتدهورت علاقات موسكو بالغرب إلى أدنى مستوى بسبب عدد من القضايا منها ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا ومزاعم بتدخلها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبأنها وراء هجوم بغاز أعصاب في بريطانيا.

واشنطن التي قررت الجمعة تعليق الاتفاقية تركت الباب موارباً، وقالت إنها قد تعيد النظر في أمر انسحابها إذا عادت روسيا للالتزام بالمعاهدة التي تحظر على الدولتين نشر صواريخ برية قصيرة ومتوسطة المدى في أوروبا.

وقال بوتين خلال اجتماع بثه التلفزيون مع وزيري الخارجية والدفاع السبت «أعلن الشركاء الأمريكيون أنهم علقوا مشاركتهم في المعاهدة وبالتالي نحن نعلقها أيضاً».

روسيا تبدأ في بناء صواريخ جديدة

وأضاف بوتين أن روسيا ستبدأ العمل على بناء صواريخ جديدة بما في ذلك صواريخ أسرع من الصوت كما طلب من الوزيرين عدم البدء في محادثات لنزع السلاح مع واشنطن متهماً إياها بأنها تتلكأ في الاستجابة لمثل تلك الخطوات.

وتخشى دول أوروبية من أن يؤدي انهيار المعاهدة إلى سباق تسلح جديد وإلى احتمال نشر جيل جديد من الصواريخ الأمريكية النووية في القارة.

وحثت الصين السبت الولايات المتحدة على حل خلافاتها مع روسيا عبر الحوار.

واتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمريكا خلال الاجتماع مع بوتين بانتهاك معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى واتفاقات أخرى متعلقة بالحد من التسلح، مثل معاهدة الحد من الانتشار النووي.

وقال بوتين إن روسيا لن تنشر أسلحتها في أوروبا ومناطق أخرى إلا إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك.

ومع اتخاذ موسكو موقفاً مماثلاً فقد أضحت آمال الحفاظ على المعاهدة بعيدة تماماً، بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” لأمريكية.

لكن ما هي تفاصيل تلك المعاهدة التي أبرمت قبل نحو 3 عقود، إليك تفاصيلها:

ما هي معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى وكيف جرى التوصل إليها؟

جاءت المعاهدة لتحُلَّ أزمة حدثت في ثمانينيات القرن الماضي حين نشر الاتحاد السوفيتي صاروخاً في أوروبا يحمل اسم SS-20، ويمتلك ذلك الصاروخ القدرة على حمل ثلاث رؤوسٍ نووية. وردت الولايات المتحدة بنشر صواريخها الجوالة وصواريخ بيرشنج 2 في قواعدها بأوروبا.

وبحلول الوقت الذي تفاوض فيه الرئيس رونالد ريغان مع الزعيم السوفيتي ميخائيل غورباتشوف على اتفاقية حظر الأسلحة عام 1987، أصبحت الصواريخ متوسطة المدى تُرى بمثابة الزناد الذي سيُشعل الحرب النووية نظراً لقصر مدة طيرانها التي قد تصل إلى 10 دقائق فقط.

وأثار هذا الأمر تحديداً مخاوف القيادة السوفيتية التي يُمكن أن تُدمَّر بضربةٍ مُفاجئةٍ قبل أن تتمكن من إصدار أوامرها بشن ضربةٍ انتقامية. وفي استجابةٍ جزئيةٍ لهذا القصور، طوَّرت موسكو نظام «اليد الميتة» لإطلاق ترسانتها باتِّجاه الولايات المتحدة دون أمرٍ من القيادة، استناداً إلى أجهزة الحاسوب التي تُترجم الإشعاعات وأجهزة استشعار الزلازل.

وحظرت المعاهدة الصواريخ الأرضية الجوالة والباليستية التي يتراوح مداها بين 311 ميلاً (500 كم) و3,420 ميل (5,503 كم). لكن المعاهدة لم تشمل الأسلحة التي تُطلَق من الجو أو البحر، مثل صواريخ توماهوك الأمريكية وكاليبر الروسية الجوالة التي يُمكن إطلاقها من السفن والغواصات والطائرات، رغم أنها تمتلك القدرة على الطيران لمسافاتٍ مماثلة.

 

عرض المسؤولون الروس صواريخ كروز أرضية قالوا أنها تمتثل لمعاهدة الأسلحة النووية

هل خرقت روسيا بنود المعاهدة حقاً؟

يبدو أن ذلك هو ما حدث، بحسب المعلومات التي جمعتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. إذ اتَّهمت الولايات المتحدة روسيا، إبان أزمة عام 2014 في أوكرانيا، بخرق المعاهدة عن طريق نشر أسلحةٍ نوويةٍ تكتيكيةٍ محظورةٍ صُمِّمَت لإرهاب أوروبا والدول السوفيتية السابقة التي توافقت مع الغرب.

وأخبر أوباما شخصياً في خطاب أرسله إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقناعة الولايات المتحدة بخرق الروس للمعاهدة، لكنه يرغب في حل المسألة عبر الحوار من أجل الحفاظ على الاتفاق.

وقال الروس إنهم لم يخرقوا المعاهدة. لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إن موسكو تنشر صاروخاً محظوراً يُسميه الغرب SSC-8، وهو عبارةٌ عن صاروخٍ أرضيٍ جوالٍ يُشكِّل تهديداً للدول الأوروبية.

والشهر الماضي، عرض المسؤولون الروس نسخةً جديدةً معدَّلةً من ذلك الصاروخ أمام الجمهور الأجنبي للمرة الأولى في محاولةٍ لدحض الاتهامات التي تقول إن السلاح يخرق المعاهدة.

وقال الفريق ميخائل ماتفييسكي، قائد قوات الصواريخ والمدفعية بالجيش الروسي، إن العرض كان يستهدف إبراز ما تُكِنُّه روسيا من «شفافيةٍ متزايدةٍ وإلتزامنا بمعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى» وعرض التعديلات الجديدة.

وقال مسؤولو إدارة ترامب، الذين كانوا أول من أشار إلى انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدة العام الماضي، إن العرض لم ينجح في تهدئة مخاوفهم.

هل الصين ملزمةٌ باحترام معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى؟

لا، وربما أثار ذلك مخاوف إدارة ترامب أكثر من عدم التزام روسيا.

وفي الوقت الذي يخلق خلاله الجيش الصيني مساحة نفوذٍ أكبر في منطقة غرب المحيط الهادئ، تمنع معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى الولايات المتحدة من نشر صواريخها القصيرة والمتوسطة المدى في الأراضي القريبة من الصين كسلاح ردع.

ولهذا السبب وأسبابٍ أخرى، وصف ترامب وجون بولتون، مستشاره للأمن القومي، معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى بأنها معاهدةٌ عفا عليها الزمن.

ما هي الخطوة التالية بالنسبة لأوروبا؟

كان القادة الأوروبيون ضمن أكبر مُعارضي الانسحاب من المعاهدة. ورغم اتفاقهم مع الولايات المتحدة على أن صواريخ روسيا متوسطة المدى الجديدة تُهدِّد أمن أوروبا، لكنهم يرون أن الحل يكمن في إعادة التفاوض وليس إلغاء المعاهدة.

وقالت مارغو والستروم، وزيرة خارجية السويد، في تصريحٍ نشرته على تويتر يوم الجمعة في أعقاب الإعلان إنها «قلقةٌ للغاية على عملية الحد من انتشار الأسلحة النووية إثر إعلان الولايات المتحدة تعلَّيق معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى. ويكمُن السبب الرئيسي (لذلك الانسحاب) في عدم التزام روسيا. ويجب عكس اتجاه موجة تقليل التعاون في ما يتعلَّق بنزع الأسلحة واستكشاف أساليب جديدة للتقدُّم».

وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، في خطابها الذي ألقته خلال اجتماعٍ لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع في بوخارست برومانيا، إن أوروبا استفادت استفادةً كبرى من المعاهدة، مضيفة: «ما زلنا نأمل في إيجاد وسيلةٍ للحفاظ عليها وتطبيقها بالكامل».

صواريخ الباليستية الروسية

وتمتلك أوروبا أسباباً مُقنِعةً للتخوُّف من انهيار المعاهدة. وشدَّدت روسيا، في سعيها لإثارة المخاوف الأوروبية، على مخاطر بناء الصواريخ النووية.

وقال قسطنطين كوساتشوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الاتحاد الروسي (مجلس الشيوخ)، إن الانسحاب يُمثِّل انتصاراً لـ»صقور واشنطن الذين يتزعمهم جون بولتون» تقع عواقبه مباشرةً على الأمن الأوروبي.

ونقل فلاديمير شامانوف، رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان الروسي، كلماته المشؤومة إلى أوروبا قائلاً: «يجب أن نُعدِّل خططنا المتعلَّقة باستخدام كافة أسلحة وفروع الجيش، لذا ستجد أوروبا نفسها في وضعٍ حرج».

كيف يُتوقَّع أن ترد روسيا؟

قبل تحرُّك الولايات المتحدة للانسحاب من المعاهدة، رأى بوتين وجنرالات روسيا أنهم ليسوا مضطرين للرد بنشر صواريخ جديدة لأن تسليحهم الحالي يكفي لضمان إلحاق كارثةٍ نوويةٍ بالولايات المتحدة.

واقترح بوتين، في خطابٍ ألقاه لوزارة الدفاع أواخر العام الماضي، أن ترد روسيا بالإسراع في نشر الأسلحة المحظورة الآن بموجب المعاهدة، وهو ما تقول الولايات المتحدة إن روسيا نفَّذته بالفعل.

ويوم الجمعة، اقترح الجنرال فيكتور ييسين، القائد السابق لهيئة الأركان العامة الروسية، أن روسيا سترد بالمثل في حال نشرت الولايات المتحدة صواريخها قصيرة المدى في أوروبا، لكنها قد لا تفعل ذلك في حال اكتفت الولايات المتحدة بنشر صواريخها في منطقة المحيط الهادئ.

وقال لوكالة Interfax الروسية: «من السهل على روسيا أن تصنع صواريخ جديدةً قصيرة المدى. وستزداد التوترات في حال نشروا صواريخهم في أوروبا».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى