تقارير وتحليلات

هل يمكن عزل ترامب من رئاسة أمريكا؟

تجدد الحديث داخل الولايات المتحدة الأمريكية عن إمكانية عزل الرئيس دونالد ترامب من منصبه، واكتسبت الأصوات الداعمة لتلك العملية زخماً في الأسابيع القليلة الماضية، عقب فوز الديمقراطيين بالأغلبية في الكونغرس بعد انتخابات التجديد النصفي.

زاد الجدل  بطبيعة الحال مع شهادة مايكل كوهين، المحامي السابق للرئيس، أمام «لجنة استخبارات مجلس النواب» والتي شهدت فصلاً جديداً أكثر صخباً.

شهادة كوهين، الذي كان يتولى تنفيذ أعمال سرية لحساب ترامب، أمام اللجنة بالكونغرس الأمريكي، سلطت الضوء على عدد من المخاطر القانونية التي قد يواجهها ترامب.

فقد قال كوهين بين ما أطلقه من اتهامات، إن الرئيس الجمهوري سدد له أموالاً دفعها لإسكات امرأتين قبل انتخابات الرئاسة عام 2016، وإن ترامب كان على علم مسبق بأن موقع ويكيليكس الإلكتروني يعتزم نشر رسائل بريد إلكتروني مسروقة تضر بمنافِسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون.

التفاصيل كثيرة ومثيرة والضجيج يكاد يصم الآذان، فهل يعني ذلك إمكانية «عزل ترامب» فعليا؟!

ما هي الأسباب التي تدعو إلى السير قدماً في عملية العزل؟

ينص الدستور الأمريكي في هذه النقطة على إمكانية عزل الكونغرس الرئيس أو نائبه أو القضاة الفيدراليين، فى حال «الخيانة، الفساد، أو جرائم أخرى وجنح كبرى».

ما هي خطوات العزل؟

الخطوة الأولى هي تعيين محقق خاص، للتحقيق في ادعاءات تورط الرئيس في أمر أو أمور غير قانونية أو مخالفة للدستور، حيث لا يجوز التحقيق مع الرئيس بالطرق القانونية المعتادة، لتمتعه بحصانة منصبه.

إذا ما توصلت نتيجة التحقيقات إلى وجود «خطأ» في أفعال الرئيس أو ثبوت صحة الاتهامات، تبدأ مراحل عملية العزل.

الإجراءات في هذه الحالة تنطوي على مرحلتين: الأولى في مجلس النواب (الكونجرس)، وتبدأ بإجراء تصويت على مواد الاتهام الموجهة إلى الرئيس بشكل تفصيلي.

إذا صوتت أغلبية بسيطة (أي 218، حيث إن عدد أعضاء الكونجرس 435) بالموافقة على لائحة الاتهام، تبدأ عملية «العزل».

هذا لا يعني فصل الرئيس من منصبه مباشرة، فهذه المرحلة تشبه مرحلة توجيه النيابة لائحة الاتهام إلى المتهم، وهي الخطوة التي تسبق تحويل المتهم إلى المحاكمة.

الخطوة التالية أو «المحاكمة»، تتم في مجلس الشيوخ برئاسة القاضي رئيس المحكمة الدستورية العليا، ولا بد من تصويت أغلبية الثلثين (67 صوتاً من 100 هم عدد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي)، كي يتم إبعاد الرئيس من منصبه، ويتولى نائبه ساعتها إكمال مدة الرئاسة.

متى يتم تنفيذ قرار العزل؟

الدستور الأمريكي لم يحدد إجابة قاطعة لهذا السؤال، وبما أنها ستكون المرة الأولى في التاريخ، فلا أحد يعرف قطعياً متى وكيف سيتم التنفيذ.

«لكن البديهي أن ذلك سيتم فوراً حال تمت الإدانة»، طبقاً لـ «دونالد ديباتس» رئيس قسم الدراسات الأمريكية بجامعة «فيلاندرز» في معرض تعليقه على المطالبات المتزايدة بعزل ترامب، وذلك في تقرير لموقع «إيه بي سي» الأمريكي الأربعاء 6 مارس 2019.

أين يقف قطار ترامب على طريق «العزل»؟

يعد تعيين رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، روبرت مولر، محققاً خاصاً في الاتهامات بوجود دور روسي فاعل في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016 والتي فاز فيها ترامب، الخطوة الفعلية الأولى في عملية العزل. ولا يزال مولر يواصل تحقيقاته، وآخرها استجواب محامي ترامب الخاص (كوهين).

صحيح أن مولر لم يعلن بعدُ موعد توصله إلى نتائج، ولكن يبدو أن الأمور لا تبشر بخير بالنسبة للرئيس. ففي مقال له الخميس 7 مارس  2019، طرح جي. تي. سميث (قانوني مخضرم عمل مساعداً للنائب العام الحالي إيليوت ريتشاردسون عام 1973) سؤالاً موحياً، وضعه عنواناً للمقال: «ماذا لو توصل تحقيق مولر لنتائج تتطلب إجراء شجاعاً؟».

المقال باختصار يطرح التساؤل عن إمكانية محاكمة ترامب جنائياً في حال توصلت التحقيقات إلى أدلة دامغة على تورطه في كل أو بعض الادعاءات (التواطؤ مع روسيا للفوز بالانتخابات، أو دفع أموال لسيدات أقام معهن علاقات و/ أو عرقلة سير التحقيقات.. إلخ).

في السياق ذاته، بعد نجاح رشيدة طليب (أمريكية مسلمة من أصل فلسطيني) في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس كنائبة ديمقراطية، لم تضيع وقتاً وقدمت فوراً طلباً للبدء في إجراءات عزل ترامب.

 

وترى طليب أن هناك أسساً قوية لبدء عملية عزل ترامب، قبل حتى أن ينتهي مولر من تحقيقاته.

فهل يعني ذلك أن إمكانية عزل ترامب أصبحت وشيكة؟

الواقع يقول إن الإجابة الأقرب هي: «لا».. ففي حالة توصل مولر إلى أدلة على تورط الرئيس في «خطأ»، ستحال القضية إلى الكونغرس، ويمكن أن تتم الموافقة على لائحة الاتهام، حيث الأغلبية البسيطة مضمونة في ظل سيطرة الديمقراطيين بعد التجديد النصفي.

عندها تصل القضية إلى المحاكمة أمام مجلس الشيوخ الذي يسيطر الجمهوريون (حزب ترامب) على 53% من أصواته، في حين يحتاج قرار الإدانة 67 صوتاً.

«لا يهم في هذه الحالة تحديداً من يسيطر على المجلس الأدنى (الكونغرس)، بل المجلس الأعلى (الشيوخ)»، طبقا للدكتور ديباتس.

 

 هل يكون ترامب الرابع أم الأول؟

كان الرئيس أندرو جونسون أول من تعرض لمحاولات العزل عام 1868، حيث صوت الكونغرس بالأغلبية على لائحة الاتهام، ولكن مجلس الشيوخ لم يصدق على إدانته بفارق صوت واحد.

عام 1974، كان الرئيس ريتشارد نيكسون قاب قوسين أو أدنى من العزل والإدانة، بسبب فضيحة «ووترغيت«، ولكن نيكسون استقال، مستبقاً التصويت الذي بدت نتيجته محسومة وقتها.

جاء الدور على الرئيس بيل كلينتون عام 1998، حيث واجه تحقيقاً خاصاً، بسبب فضيحة علاقته غير الشرعية مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، وصوّت الكونغرس بأغلبية الثلثين على لائحة الاتهام، التي تضمنت «الحنث باليمين وعرقلة سير العدالة»، ليصل الأمر إلى المحاكمة في مجلس الشيوخ، ولم تتم الإدانة، ليكمل كلينتون رئاسته.

السؤال الآن، هل يكون ترامب الرئيس الرابع الذي يتعرض لمحاولات العزل أم يكون الأول الذي يتم عزله وإدانته فيغادر البيت الأبيض؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى