تقارير وتحليلات

هل ينجح نتنياهو في إسكات الاحتجاجات المتصاعدة ضده بالرشوة والقمع؟

غداة الهجوم الكاسح على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من قبل سابقه إيهود أولمرت الذي وصفه بالجبان والفاسد والمتردد، جدد الهجوم عليه وزير الأمن الأسبق موشيه يعلون وقال إنه يدير البلاد مثل رئيس عصابة. وبالتزامن تتصاعد التساؤلات هل هي بداية النهاية والسقوط، وهذه المرة نتيجة مفاعيل جائحة كورونا؟
وذكر يعلون في حواره المطول مع صحيفة “معاريف” العبرية أن إسرائيل تعيش أزمة قيادة حقيقية وخطيرة تتجلى أيضا في عدم ثقة الرأي العام في القيادة الإسرائيلية. وطالب يعلون بإقالة نتنياهو لعدم قدرته على مواجهة جائحة كورونا، ولتسببه بأزمة اقتصادية حقيقية في البلاد، خاصة وأنه قاد إسرائيل إلى ثلاث جولات انتخابية، كلفت الموازنة العامة أثمانا باهظة.
ويرى أنه في حال دخول إسرائيل في انتخابات برلمانية للكنيست، قريبا، فإن نتنياهو لن يصبح رئيسا للوزراء، بدعوى تحويل بلاده إلى حالة من الفوضى، وتردي الأوضاع الاقتصادية وسوء الأحوال الاجتماعية.
يشار إلى أن الآلاف من الإسرائيليين يواصلون التظاهر احتجاجا على سياسة نتنياهو، وهي المرة الثالثة خلال أسبوع واحد، في وقت استخدمت الشرطة الإسرائيلية المياه لتفريق المتظاهرين الذين تجمعوا أمام مقر إقامته، بعد تظاهرهم احتجاجا على فساده وفشله في مواجهة أزمة فيروس كورونا.
وفي هذا السياق قالت ميخا بيتمان محامية الدفاع السابقة عن نتنياهو، غن تكلفة إجراءات محاكمة لنتنياهو التي بدأت أول من أمس باهظة جدا. وتابعت: “هذه مبالغ ضخمة لا يمكن لشخص عادي أن ينفقها”.
وتحت عنوان “هل هي بداية نهاية عهد نتنياهو؟” يقول المركز الفلسطيني للشؤون الفلسطينية (مدار) إن هناك أكثر من سبب للاعتقاد بأن الأيام الراهنة ترسم أولى إشارات بداية نهاية عهد نتنياهو المستمر منذ أكثر من عقد، وذلك على خلفية التداعيات الاقتصادية – الاجتماعية المترتبة على أزمة فيروس كورونا التي بلغت آماداً حادّة.
ويرى أن أبرز هذه الأسباب هو انطلاق حملة احتجاج مُرشّحة للتتصاعد ضد هذه التداعيات، حتى إن كانت تعيد إلى الأذهان إلى حدّ كبير حملة الاحتجاج الاجتماعية التي شهدتها إسرائيل في صيف 2011 وفشلت في تحقيق مبتغاها، فهي أشدّ قسوة وعمقاً كونها متأتية عن حراك “جمهور يختنق ولم يعد قادراً على التنفس”، كما وصفتها صحيفة “هآرتس”، مؤكدة أنه من غير الممكن إسكاتها ولا حتى بواسطة الشرطة وعنفها.
ويستعيد الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت ما قاله البروفسور مانويل ترختنبرغ، رئيس اللجنة العامة التي عينها نتنياهو في أعقاب احتجاجات 2011 وخاصة إشارته إلى تدهور إسرائيل في الوقت الحالي إلى هاوية لا قاع لها، وإلى أنه من الواضح بلا أدنى شك أن التدهور لم يفرضه الواقع بل كان من صنع يدي الحكومة التي يقف على رأسها، وما بقي هو إمكان واحد: تغيير القيادة وبسرعة.

سفينة في بحر هائج

وعلى غرار تأكيد أولمرت ويعلون حول فقدان القيادة في إسرائيل، وصف تراختنبرغ رئيس الحكومة نتنياهو بأنه منقطع عن الواقع، وحتى متوحش، يخصص كل وقته لهدف واحد فقط: بقاؤه بأي ثمن. وبرأيه ليس هناك أمر أخطر من ذلك، والأكثر خطورة بأضعاف عندما يكون هذا الشخص هو الذي يصر على إدارة دفة السفينة في الأمواج الهائجة لأزمة غير أمنية هي “أخطر ما أُصيبت به إسرائيل على الإطلاق”.
وحسب شلحت لم يعد سرّاً أنه في مقابل هذا الوضع يتركز جهد نتنياهو، الذي يبدو منشغلاً أكثر من أي شيء آخر بمحاكمته بشبهات فساد، في تجيير أزمة وباء كورونا لمحاصرة الحريات الديمقراطية وتكريس الاستبداد السلطوي.
كما تشير إلى ذلك مراكز أبحاث مهمة في إسرائيل، تعرب في الوقت عينه عن تخوفاتها الشديدة من احتمال استغلال تفشي الوباء وتداعياته الصحية لتشديد قبضة الاستبداد السياسي السلطوي، سواء من خلال إعلان “حالة الطوارئ” في البلد، بما يبيح العمل الحرّ بموجب “أنظمة الطوارئ” الانتدابية، ثم تحييد الكنيست ورقابتها البرلمانية (سنّ قانون خاص في أوائل الشهر الحالي يعفي الحكومة من واجبها القانوني بالعودة إلى الكنيست للحصول على موافقته ومصادقته المسبقتين على قرارات وإجراءات حكومية تتعلق بفرض تقييدات على المواطنين بجريرة وباء كورونا) أو من خلال إقحام “جهاز الأمن العام” (الشاباك) غير المسبوق في عمليات الرصد والتتبع الإلكترونيين لجمهور المواطنين كافة، أو من خلال الدفع بالشرطة نحو تشديد قبضتها القمعية ضد أي فعاليات يفترض أن تكون جزءاً أساسياً لا يتجزأ من الحريات العامة ومن حقوق الفرد في دولة ديمقراطية حقيقية، مثلما حدث خلال التظاهرات الأخيرة التي جرت أمام مقر إقامة رئيس الحكومة في مدينة القدس، حيث انقضت قوات الشرطة على المشاركين في المظاهرة والاعتصام بالقمع والبطش والاعتقال.

محاصرة الجامعات

ويتنبه شلحت إلى أن نتنياهو في هذا المسعى ليس وحيداً، إذ تحيط به مجموعة من وزراء وأعضاء كنيست من الليكود، تعمل من أجل الهدف نفسه كما يتكشف باستمرار، وليس آخرهم وزير التعليم العالي زئيف إلكين الذي ارتبط اسمه مؤخراً بسلسلة من الإجراءات الرامية إلى الحدّ من استقلالية المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية على طريق تعميق تسييسها اليميني، ما تسبّب بصدامات متواصلة بين كبار مسؤولي إدارات الجامعات الإسرائيلية وبين هذا الوزير.
وداخل هذا كله انشغلت إسرائيل الأسبوع الفائت بموضوع آخر هو العنصرية ضد العرب على خلفية فيديو عنصري لأحد الفنانين الإسرائيليين بشأن نظرته إلى الأطفال البدو في النقب.
ويضيف “في هذا الصدد.. صادفنا مرة أخرى في سياق ردات الفعل على الحادثة المذكورة، إعادة إنتاج لأداة تحاول أن ترجع سبب العنصرية الشاطّـة في إسرائيل إلى تلكؤ المؤسسات الرسمية وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم في مكافحتها، أو إعادة إنتاج أداة أخرى تتمثّـل بعزو العنصرية إلى وضعية الانزياح العام نحو اليمين، مؤكدة أن هذه الوضعية لا تنفك تغلب على إسرائيل حالياً وتزداد حدّتها من يوم إلى آخر، وتشكل واحداً من أبرز مشاغل الكثير من الباحثين والمحللين”.
وفي أثناء ذلك يشير هؤلاء المراقبون في شبه إجماع، إلى أن بداية هذا الانزياح يمكن تحديدها في فترة صعود بنيامين نتنياهو إلى سدّة الحكم (1996)، غير أن مداه صار إلى تعمّق في فترة إيهود باراك أيضاً (1999- 2001).
ويرى شلحت أن من علائمه الواضحة توحيد خطاب “المركز السياسي” في إسرائيل المتّمثل بالأساس في حزبي الليكود والعمل، ترتباً – ضمن أشياء أخرى – على التوصيف المشوّه من جانب الإسرائيليين لما حدث في “كامب ديفيد” ومن ثمّ لمستحصلات “عملية التسوية” برمتها. وطبقاً لهذا الخطاب فإنّ “خيانة” الفلسطينيين مبدأ التسوية (الذي يحيل إلى “مبدأ” السلام)، لم تبق أمام إسرائيل سوى نتيجة واحدة : محاولة حل الصراع من خلال القوة، لأن ذلك يتسّق في صورة موازية، مكملة، مع غاية “حفظ البقاء” في وجه “أخطار وجودية” داهمة.

السبب الحقيقي للعنصرية

ويشدد على أن حصر تسويغ العنصرية في تخوم هذه الوضعية يظلّ أقرب إلى التفسير التبسيطي، كون ذلك يفارق العامل الأهم والأبعد مدى، وهو مبلغ انغراز العنصرية في العمق لدى الأغلبية الساحقة من الرأي العام الإسرائيلي، المؤدلجة بالفكر الصهيوني. يذكر في هذا الباب أن عالمة الاجتماع الإسرائيلية إيفا إيلوز أوضحت في مقالة مطوّلـة حلّلت فيها أسباب تحوّل إسرائيل إلى دولة عدوانية وعنصرية، خلصت فيها إلى استنتاج فحواه أن العنصرية باتت بنيوية.
وحاججت إيلوز الذين يبررون العنصرية الإسرائيلية بالقول إن العرب أو الأتراك يتعرضون أيضا للتمييز في فرنسا أو ألمانيا، وإن إسرائيل ليست أسوأ من مثل تلك الدول. ردا على ذلك قالت “إن العنصرية التي مصدرها السكان تختلف عن العنصرية التي مصدرها قوانين الدولة (أي البنيوية) وأكدت أنه عندما يرسخ مثل هذا التناسب يسهل تسويغ العنصرية. وتابعت “لكن ما يتعيّن الانتباه له هو أنه بعد مأسسة العنصرية والمصادقة عليها من جانب الكيان الأقوى ت الدولة – فإن القيم العامة ضد العنصرية تضعف كثيراً”. وبرأيها، بينما تبدو معارضة العنصرية وحماية حقوق الإنسان في إسرائيل كـ”مواقف يسارية متطرفة”، فإنها في الدول الليبرالية مجرد قيم أساسية مشتركة لليسار واليمين على حدّ سواء”.
ارتباك في أداء نتنياهو
وأدى اندلاع الموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا في إسرائيل، في وقت مبكر، خلافا للتوقعات إلى حالة إرباك شديد لدى نتنياهو، الذي يواجه طلبات متناقضة، بين الدفع نحو إغلاق شامل، أو جزئي، أو ترك السوق مفتوحة والتعايش مع كورونا. ولكن هذه الحالة أدت إلى حالة إرباك أشد في الشارع، انعكست بمظاهرات صدامية حادة كما شهدت تل أبيب والقدس الغربية. والاقتصاد الإسرائيلي بعد فتحه تدريجيا منذ منتصف مايو/ أيار الماضي، ما زال يغوص في أزمة واضحة جدا، عنوانها الأبرز الفوضى في البطالة، إذ أن مئات آلاف العاملين لم يعودوا إلى عملهم، ولا توجد أي إحصائية دقيقة في هذا المجال، في حين أن مخصصات دعم العاطلين عن العمل، أو الغالبية منهم الذين تم إخراجهم لإجازات ليست مدفوعة الأجر، هي أيضا تغوص في فوضى عارمة.
وبين هذا وذاك، فإن مئات آلاف المستقلين، أي المهنيين والحرفيين، أصحاب المصالح الصغيرة المتضررة، ومنها ما هو متوقف كليا عن العمل، لم يتلقوا المساعدات الضرورية لهم، وكل الوعود بتحويل مخصصات هزيلة لهم لم تنفذ بالكامل. وعلى خلفية كل هذا، بدأت حالة غليان متشّعبة في الشارع الإسرائيلي، مظاهرات لمجموعات عاملين، مثل الفنانين والعاملين في مجال الثقافة والمسرح وغيره، الذين وجدوا أنفسهم من دون أي مداخيل، وهؤلاء بغالبيتهم الساحقة يعملون كمستقلين. كذلك هناك قطاعات عاملين باتت تغرق تحت ضغط العمل بشروط سيئة، مثل جمهور العاملات والعاملين الاجتماعيين، الذين يخوضون إضرابا مطالبين بزيادة القوى العاملة، لمواجهة الآثار الاجتماعية لدى الجمهور، على خلفية تفشي كورونا، وكذلك بالنسبة للممرضات والممرضين الذين يطالبون بزيادة وشرعوا في خطوات احتجاجية أمس الإثنين.
وكما يبدو زاد من حالة الإرباك لدى نتنياهو، الذي خلافا لموقف المستوى المهني في وزارة المالية، قرر سوية مع وزير المالية يسرائيل كاتس، توزيع مليارات الدولارات على الجمهور دون تمييز بين شرائح فقيرة غارقة في فقر مدقع، وبين ميسورين وأغنياء. فقد قرر منح كل مواطن (217 دولارا)، وكل عائلة مع ولد واحد دون سن 18 عاما (580 دولارا)، وكل عائلة مع ولدين (696 دولارا)، وكل عائلة مع ثلاثة أولاد (970 دولارا) ووجهت لنتنياهو تهم محاولة شراء الذمم وإسكات الاحتجاجات المتصاعدة على فشله في مواجهة كورونا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى