تقارير وتحليلات

هل ينهار الاقتصاد الفلسطيني تحت ضربات الاحتلال وكورونا؟

تسببت أزمة تفشي وباء كورونا بضربة قاسية للاقتصاد الفلسطيني الهش بالفعل، قد تقوده نحو الانهيار التام إذا لم يتم إنقاذه دولياً بشكل عاجل. فالاقتصاد الفلسطيني لم يكد يخرج بعدُ من أزمة المقاصّة التي شهدتها الأسواق المحلية في فبراير 2019 وحتى أكتوبر من العام ذاته، حتى أضافت أزمة كورونا عالمياً وفلسطينياً ضغوطات إضافية عليه.

أزمة سيولة

الحكومة الفلسطينية تواجه اليوم تراجعاً حاداً في الإيرادات المالية، ناتجاً عن إجراءات اتخذتها لمنع تفشي الفيروس محلياً، تتمثل في إعلان حجر منزلي إجباري شامل نتج عنه توقف عجلة الإنتاج وتراجع حاد في القوة الشرائية.

وباعتبار الصين المُصدِّر الأول للأراضي الفلسطينية، فقد تعرضت الحركة التجارية لأزمة كبيرة بالأراضي الفلسطينية. يقول رئيس الغرفة التجارية الفلسطينية، عبدالغني العطاري، إنه يجري البحث الآن في القطاع الخاص الفلسطيني مع وزارة الاقتصاد عن بديل حتى لا يكون السوق فارغاً.

وبديل الصين كما يرى العطاري هو تركيا، إذ أنها أقرب سوق قوي لفلسطين جغرافياً، وتتميز بسهولة الاستيراد، وقد توجَّه بالفعل بعض التجار إليها من أجل الاستيراد، كبديل للصين.

ووفق بيانات ميزانية فلسطين 2019، بلغ إجمالي إيرادات الحكومة 12 مليار شيكل (3.42 مليار دولار)، بمتوسط شهري 286 مليون دولار، 95% منها مصدرها الضرائب والجمارك والرسوم التي يدفعها المواطن والمؤسسات المحلية.

بينما بلغ إجمالي نفقات الحكومة قرابة 13.5 مليار شيكل (3.81 مليار دولار) خلال العام الماضي، بمتوسط شهري 317 مليون دولار، بينما يتم سد الفجوة بين الإيرادات والنفقات من خلال المنح المالية والاقتراض.

أزمة رواتب خانقة

كان سبب الأزمة السابقة هو رفض الحكومة الفلسطينية في 2019 تسلم أموال المقاصة -بعد قرار إسرائيلي باقتطاع جزء منها، يمثّل مخصصات الأسرى وذوي الشهداء- الأمر الذي تسبب في صرف أنصاف رواتب موظفي الحكومة الفلسطينية، وطالت الأزمة مختلف مرافق الاقتصاد المحلي.

والأحد الماضي، توقع رئيس الوزراء محمد اشتيه، تراجع الإيرادات المالية بنسبة 50% خلال الفترة المقبلة، بسبب تراجع عجلة الإنتاج والقوة الشرائية، وبالتالي هبوط الاستيراد.

يعني ذلك أن الإيرادات المالية التي تتوقعها الحكومة لن تتجاوز 143 مليون دولار شهرياً في أفضل الأحوال، خلال الفترة المقبلة، تمثل نسبتها 45% من إجمالي النفقات.

لذلك، لمّح اشتيه إلى احتمالية عدم تمكن حكومته من صرف 100% من رواتب الموظفين العموميين (133.2 ألف موظف)، اعتباراً من راتب أبريل/نيسان 2020، بسبب الضائقة المالية.

وقال في مؤتمر صحفي تابعته الأناضول الأحد: “هذا الشهر (مارس) سنصرف 100% من رواتب الموظفين، ولا نعلم كيف ستكون الأمور مستقبلاً،  لذا أدعو المواطنين إلى التروّي في نفقاتهم”.

فترة حرجة للغاية

ووفق بيانات الميزانية الفلسطينية، تعد أموال المقاصة (تمثل إيرادات الضرائب والجمارك على السلع الواردة من الخارج)، المصدر الأبرز لدخل الحكومة بنسبة 65% من إجمالي الإيرادات.

وتبلغ قيمة أموال المقاصة الشهرية وفق بيانات ميزانية فلسطين 2019، نحو 690 مليون شيكل (195 مليون دولار)، وهي أموال تجبيها إسرائيل نيابة عن الفلسطينيين، كأحد تفاهمات بروتوكول باريس الاقتصادي، وتُحول إلى الخزينة الفلسطينية بشكل شهري.

إلا أن تراجع القوة الشرائية في السوق الفلسطيني، وتوجُّه المستهلكين لضبط الإنفاق بسبب مخاوف فقدانهم وظائفهم وضبابية المشهد الاقتصادي، تظهر أن إيرادات المقاصة ستتضرر على نحو حاد خلال الفترة المقبلة.

تسريح مرتقب للموظفين

بدأ مستشارون قانونيون بنشر تصوراتهم لواقع سوق العمل والخلافات القانونية التي قد تطرأ خلال الفترة المقبلة، بسبب إعلان حالة الطوارئ وغلق المنشآت والمؤسسات.

ويشير البند (38) من قانون العمل الفلسطيني، أن المؤسسات التي تغلق أبوابها قسراً لمدة شهرين متتالين مجبرة على دفع أجور العاملين لديها خلال فترة 60 يوماً، بعدها سيكون لأرباب العمل الحق في خيار تسريح الموظفين.

حتى نهاية 2019، بلغت نسبة البطالة في السوق الفلسطيني قرابة 25.5% بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهي نسبة مرشحة للارتفاع خلال الشهرين المقبلين في حال بقاء حالة الطوارئ قائمة.

لذا، ستكون الحكومة الفلسطينية أمام أزمة سيولة، وعجز عن دفع أجور موظفيها بنسبة 100% وأزمة بطالة مستفحلة، وتراجع في قدرة القطاع الخاص على قيادة الاقتصاد الفلسطيني.

ومع تراجع سلسلة الإمدادات عالمياً قد تبدأ أسعار بعض السلع الرئيسية في الارتفاع لما بعد الربع الثاني 2020، وفق السيناريو الحالي، خاصة سلع الطحين والأرز والسكر، ويظهر ما يسمى بالركود التضخمي، أي ارتفاع أسعار وطلب ضعيف.

لذلك، طلبت الحكومة الفلسطينية من مؤسسات دولية ومحلية دراسة توقعات حالة الطوارئ وتفشي فيروس كورونا على السوق المحلي، لاتخاذ قرارات لتخفيف ضرر أثر الفيروس على الأسواق المحلية. وبحسب مصادر وكالة الأناضول من المرتقب أن يعلن الجهاز المصرفي الفلسطيني، الأسبوع المقبل، عن تدخل كبير لمساندة الحكومة عبر فتح خط تمويل للشهور القادمة، بقيمة إجمالية تتجاوز 400 مليون دولار.

مواجهة كورونا

يأتي ذلك مع ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا محلياً في الضفة وقطاع غزة إلى 134 حالة، تماثل منهم للشفاء 18، وسُجلت حالة وفاة واحدة.

وكان رئيس الوزراء الفلسطيني، قد أعلن الأسبوع الماضي، أن الحكومة ستوقع عقود توظيف مع 51 طبيباً جديداً، ما بين أخصائي وطب عام وممرضين ومساعدين في مختلف التخصصات الطبية، لمقابلة الوباء بجاهزية أكبر.

وأضاف: “بدأنا بدراسة الآثار الاقتصادية لهذه الأزمة مع البنك الدولي، وفريق من الوزارات ذات العلاقة، والإعداد لما بعدها لإعادة إنعاش الاقتصاد، من خلال العمل على تخصيص مبالغ عبر البنوك مع توفير ضمانات للقروض”.

“نعمل مع المانحين والجهات ذات العلاقة من أجل برنامج قادر على تحريك عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل، وإنعاش قطاعات إنتاجية.. سنطلب من البنوك خفض الفوائد على القروض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة”.

وتتخوف الحكومة الفلسطينية اليوم من حمل آلاف العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل للفيروس، بعد إغلاقها المنافذ مع الخارج. وقال اشتية حول ذلك: “خلال أسبوعين سيعود 35 ألف عامل يبيتون في إسرائيل إلى بيوتهم في الضفة الغربية، أخذنا كامل الإجراءات، لكن مطلوب منهم الحجر المنزلي”.

وسجلت إسرائيل نحو 5591 إصابة بالفيروس حتى صباح الأربعاء. والثلاثاء الماضي، طلب اشتية من جميع العمال الفلسطينيين في إسرائيل العودة إلى منازلهم حماية لهم وحفاظاً على سلامتهم، على ضوء التطورات الخطيرة والمتتالية في إسرائيل وتفشي الفيروس بشكل كبير. وتواجه السلطة الفلسطينية الفيروس، وسط شح في وفرة أجهزة التنفس الصناعي وشرائح الفحص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى