تقارير وتحليلات

«هيومن رايتس ووتش»: إسرائيل تحشر الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر في أماكن مكتظة وتمنح أراض واسعة لليهود

قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقرير جديد إن سياسة تضييق الخناق على التجمعات السكانية الفلسطينية تتخطى الضفة الغربية وقطاع غزة، لتطال الفلسطينيين في البلدات والقرى الفلسطينية داخل إسرائيل، مؤكدة أن هذه السياسة تنحاز إلى مصلحة المواطنين اليهود ضد مواطني إسرائيل الفلسطينيين (ويُطلق عليهم أيضا “عرب الداخل” أو “فلسطينيو الداخل” أو “عرب الـ 48″(، وتقيّد بشدة إمكانية وصولهم الى الأراضي بغرض السكن وإتاحة نمو سكاني طبيعي.
ونوهت المنظمة الحقوقية الدولية في تقرير مهم أنه بعد عقود من مصادرة الأراضي والسياسات التخطيطية التمييزية، يعيش اليوم مواطنون فلسطينيون محبوسين في بلدات وقرى مكتظة لديها مجال ضئيل للتوسع.
من ناحية أخرى، تدعم الحكومة الإسرائيلية نمو وتوسع البلدات المجاورة ذات الأغلبية اليهودية، والتي شُيِّدَ كثير منها على أنقاض قرى فلسطينية دُمّرت عام 1948. مذكّرة أيضا بوجود”لجان قبول” تمنع الفلسطينيين من العيش فيها في العديد من البلدات اليهودية الصغيرة.
وفي هذا السياق يوضح إريك غولدستين، مدير قسم الشرق الأوسط بالإنابة في هيومن رايتس ووتش أن “السياسة الإسرائيلية، على جانبَيْ الخط الأخضر، تحشر الفلسطينيين في أماكن مكتظة، بينما تمنح أراضي واسعة للبلدات اليهودية”. منبها لكون “هذه الممارسة معروفة جيدا في حالة الضفة الغربية المحتلة، لكن السلطات الإسرائيلية تفرض سياسات الأراضي التمييزية داخل إسرائيل أيضا”.
وحسب التقرير الحقوقي تسيطر الدولة الإسرائيلية مباشرة على 93% من الأراضي، بما فيها القدس الشرقية المحتلة، منوها أن ما تعرف بـ”سلطة أراضي إسرائيل”، وهي مؤسسة حكومية، تدير هذه الأراضي التي تسيطر عليها الدولة وتوزعها. وينتسب نصف أعضاء مجلس إدارتها تقريبا إلى “الصندوق القومي اليهودي”، المفوَّض بشكل صريح بتطوير وتأجير الأراضي إلى اليهود دون أي فئة سكانيّة أخرى من السكان. وتقول المنظمة الحقوقية إن الصندوق يمتلك 13% تقريبا من “أراضي إسرائيل” والتي تُفوَّض الدولة باستخدامها “بغرض استيطان اليهود”.

مدن مختلطة

وحسب معطيات المنظمة العالمية فإن مواطني إسرائيل الفلسطينيين يشكلون 21% من سكان البلاد ( يشمل فلسطينيي القدس والسوريين في الجولان المحتل) غير أن منظمات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية قدّرت في عام 2017 أن الأراضي التابعة لإدارة البلديات الفلسطينية تشكل أقل من 3% من مجمل الأراضي في إسرائيل. ويعيش معظم الفلسطينيين في إسرائيل في هذه البلدات، رغم أن بعضهم يعيش في “مدن مختلطة” مثل حيفا وعكا.
وتقارن ” هيومن رايتس ووتش “بين بلدات فلسطينية وأخرى يهودية أو ذات أغلبية يهودية مجاورة في ثلاثة من الأقسام الإدارية الستة في إسرائيل تحضيرا لهذا التقرير، وقابلت 25 شخصا بين مسؤولي بلديات وسلطات محلية حاليين وسابقين، وممثلين عن مجالس التخطيط المحلية، وسكان، ومخطِّطين. كما زارت “هيومن رايتس ووتش ” أيضا جميع المواقع، وراجعت سجلات الأراضي والصور الجوية.
وتوضح المنظمة العالمية أنه منذ 1948، وعلى مر العقود اللاحقة، صادرت السلطات الإسرائيلية مئات آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين صودر الجزء الأساسي منها بين بدء الحكم العسكري الإسرائيلي على معظم الفلسطينيين في 1949، وانتهائه في 1966.
وتتابع ” خلال هذه الفترة، حبست السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين في إسرائيل في عشرات المناطق المحصورة وقيّدت حركتهم بشدة. كما استخدمت العديد من القوانين العسكرية والقوانين الجديدة لمصادرة أراضي الفلسطينيين الذين تحولوا إلى لاجئين أو مواطنين فلسطينيين مهجرين، عبر إعلان الأرض على أنها “أملاك غائبين”، والاستيلاء عليها ثم إعلانها تابعة للدولة”. وتقدر أن 350 من أصل 370 بلدة وقرية يهودية أنشأتها الحكومة الإسرائيلية بين 1948 و1953 قد شُيِّدَت على أراضٍ مصادَرة من فلسطينيين.
وتتنبه المنظمة الحقوقية الى أن سياسة الأراضي في السنوات الأخيرة لم تخفق في إبطال مصادرات الأراضي السابقة فحسب، بل زادت القيود في الكثير من الحالات على الأراضي المتاحة للنمو السكاني.
وتستذكر أن الحكومة الإسرائيلية سمحت منذ 1948، بإنشاء أكثر من 900 “بلدة يهودية”، دون أن تسمح بأي بلدة للفلسطينيين باستثناء قلة من القرى والبلدات الصغيرة التي تخضع لتخطيط الحكومة في النقب والجليل، ويدخل ذلك في جزء كبير منه في خطة الحكومة لتجميع البدو المتفرقين في البلاد.

مناطق خضراء

أدرجت السلطات الإسرائيلية البلدات والقرى الفلسطينية ضمن نظام التخطيط المركزي في سبعينيات القرن الماضي، غير أن عملية التخطيط لم تزد كثيرا من الأراضي المتاحة للأبنية السكنية.
وحسب التقرير الحقوقي صنّفت السلطات الإسرائيلية أجزاء كبيرة من البلدات والقرى الفلسطينية للاستخدام “الزراعي” أو مناطق “خضراء”، ومنعت المباني السكنية فيها، وشيّدت الطرقات والبنى التحتية بحيث تعيق التوسع. ويشير الى أنه في 2003، وجد تقرير بتكليف من الحكومة الإسرائيلية أن “العديد من البلدات والقرى العربية محاطة بأراضٍ مصنّفة مناطق أمنية، أو مجالس إقليمية يهودية، أو حدائق وطنية ومحميات طبيعية، أو شوارع سريعة، ما يمنع أو يعيق إمكانية توسعها في المستقبل”. وتؤكد المنظمة العالمية أن هذه القيود تخلق مشكلة الكثافة السكانية، وكذلك أزمة سكن في البلدات الفلسطينية.
ويقدّر “المركز العربي للتخطيط البديل” داخل أراضي 48 أن بين 15 و20% من المنازل في البلدات والقرى الفلسطينية غير مرخصة، بعضها بسبب رفض طلبات أصحابها، وغيرها لأن أصحابها لم يقدموا طلبات لعلمهم أن السلطات سترفضها بحجة أنها مخالفة لتخصيص وجهة الأراضي الساري مفعوله.
وحسب تقديرات المركز، يواجه بين 60 و70 ألف منزل خطر الهدم الكلي. وأدخل تعديل في 2017 على “قانون التخطيط والبناء” الإسرائيلي لعام 1965، المعروف أيضا بـ “قانون كامينتس”، “ليزيد ضبط وعقوبات مخالفات التخطيط والبناء”. حتى يوليو 2015، كان 97 % من القرارات القضائية الإسرائيلية بالهدم بالقوة متعلقة ببُنى موجودة في بلدات عربية فلسطينية.

لليهود فقط

في المقابل، وفي القضايا التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، أعطت إدارات التخطيط الإسرائيلية ما يكفي من الأراضي والتصاريح لتقسيم المناطق لبلدات مشابهة ذات أغلبية يهودية لتسهيل نموها.
وردا على أسئلة هيومن رايتس ووتش، نفت مسؤولة رفيعة في إدارة التخطيط الإسرائيلية أن تكون إسرائيل تضيّق على البلدات والقرى الفلسطينية. وقالت إن الإدارة وافقت على مخططات وتحضر غيرها حاليا لـ 119 من أصل 132 بلدة عربية فلسطينية.
وبحسب هذه المخططات الإسرائيلية وافقت السلطات على 160 ألف وحدة سكنية في هذه المناطق بين 2012 و2019، منها 42 ألفا في 2019، “وشرّعت آلاف البُنى الموجودة أصلا”.
وتستنتج “هيومن رايتس ووتش” أنه في حين أدت هذه الجهود إلى بعض التطوير العقاري لأغراض سكنية في بعض البلدات، لا يزال ينبغي فعل الكثير. منوهة أن العديد من المشاريع ينتظر الموافقة للتنفيذ، ولم تقم إدارة التخطيط الإسرائيلية إلا بالقليل، حتى يومنا، لتغيير واقع البلدات والقرى العربية الفلسطينية التي تخضع للتضييق.
ويسمح القانون الإسرائيلي لبلدات النقب والجليل، التي تضم ثلثَيْ الأراضي الإسرائيلية و 400 ألف وحدة سكنية، بالإبقاء على “لجان القبول” التي يمكنها رفض طلب السكن فيها بسبب “عدم ملاءمة مقدمّه للحياة الاجتماعية فيها” أو عدم المواءمة مع “النسيج الاجتماعي الثقافي”.
كما تسمح هذه السلطات عمليا باستبعاد المواطنين العرب الفلسطينيين من البلدات اليهودية الصغيرة، وتقدّر منظمة “عدالة” الحقوقية أنها كانت تشكل في عام 2014 حوالي 43 % من جميع بلدات إسرائيل، وإن كانت هذه النسبة أقل من نسبتهم في الدولة.
كذلك وجد البروفسور يوسف جبارين من معهد العلوم التطبيقية (التخنيون) في دراسة في 2015، أن أكثر من 900 بلدة يهودية صغيرة، ومنها الكيبوتسات، في مختلف أنحاء إسرائيل، يمكنها أن تحدد من يسكنها ولا تضم أي عربي فلسطيني.

حرمان البدو
ووثّقت هيومن رايتس ووتش في 2008 السياسات والممارسات الإسرائيلية التمييزية التي دفعت عشرات آلاف البدو الفلسطينيين في جنوب إسرائيل إلى العيش في تجمعات سكنية “غير معترف بها” وغير رسمية، حيث يواجهون خطر هدم منازلهم في أي لحظة. وفي 2010 وثقت التمييز في التخطيط في قرية عربية فلسطينية قرب تل أبيب. وتنوه “هيومن رايتس ووتش” أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحظر التمييز العرقي ويدين “الفصل العنصري”، ويحمي الحق بالمسكن اللائق.
ويفرض “الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”، الذي صادقت عليه إسرائيل، على الدول أن تضمن سياسات وقوانين تؤمن تدريجيا الحق بالمسكن اللائق لجميع فئات المجتمع.
كما قالت الهيئة المكلفة بتفسير الميثاق إنه “يجب ألا يخضع التمتع بهذا الحق لأي شكل من أشكال التمييز”، وإنه “ينبغي أن يكون من الأهداف الرئيسية للسياسة العامة زيادة إمكانية الحصول على الأراضي لصالح قطاعات المجتمع الفقيرة أو التي لا تمتلك أية أراض”.

حبس المواطنين العرب
وضمن استخلاصات المنظمة الدولية تؤكد أنه من أجل معالجة أزمة السكن بين العرب الفلسطينيين مواطني إسرائيل، ومصادرة أراضي البلدات والقرى الفلسطينية )التي تشكل ممارسة تاريخية(، على السلطات الإسرائيلية إعطاء الأولوية لحاجة الفلسطينيين إلى التوسع لدى تخصيص وجهة استعمال الأراضي. كما عليها تخصيص أراضٍ تابعة للدولة للبلدات العربية الفلسطينية وتوسيع هذه البلدات، وسد الثغرات القانونية التي تتيح التمييز عبر لجان القبول.
قال غولدستين: “سياسات الأراضي الإسرائيلية تعامل البلدات داخل حدودها بغياب فاضح للمساواة، بناءً على ما إذا كان سكانها فلسطينيين أو يهودا. بعد عقود من مصادرة أراضي الفلسطينيين، تحبسهم إسرائيل اليوم في بلدات مكتظة، في حين تعزّز ازدهار البلدات اليهودية المجاورة التي تقصيهم”.

جسر الزرقاء كمثال
وضمن الأمثلة العينية في التقرير تشير المنظمة الدولية الى واقع القرية العربية الفلسطينية الساحلية الوحيدة جسر الزرقاء في قضاء حيفا التي يبلغ تعدادها 14,700 نسمة. وتقول إن جسر الزرقاء هي مجلس محلي تبلغ مساحته حوالى 1,600 دونم، ومن أفقر بلدات إسرائيل، إذ ان 80% من سكانها تحت خط الفقر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى