ثقافة وفنون

التشكيلي الأمريكي دايفيد كيسلير David kessler .. المفهوم البصري وترويض الخامة انعكاس جمالي مختلف للإبداع

“أن يندمج الفنان مع خاماته يعني أن يبتكر لنفسه الحضور الأكثر تأثيرا ويُكسب مفاهيمه الأبعد إبلاغا وبالتالي فهو يتشكّل حسب القيمة المعنوية والتصورات المادية ما يُثري فعله ويحرّك منجزه”، بهذه الكلمات عبّر الفنان الأمريكي دايفيد كيسلر عن تفاصيله الفنية التي جعلته يبتكر لنفسه فضاءات جمالية من مواد غير مألوفة ليُكسبها سحر الذاكرة وانعكاس الطبيعة بتطويع المشاهد والملامح والعناصر والألوان والأبعاد والفراغ والوجود والذاكرة والحواس والذهنيات الطاغية بتوليفة تحتوي الكل الذي يفصّله  بالترتيب البصري ليسرد فيه رحلة إنسانية ملوّنة وشفافة مثل الماء في انسيابه ومثل مشاهد الطبيعة وهي تنسكب بتفاصيلها على حركة انسيابه.

 

يرى كيسلر أنه من المُهم له كرسام أن يتميّز بتقنياته التي تُبلور أسلوبه ليتماشى مع ما تنجزه أنامله وهي تنفلت من جمود الخامة لتمنحها حركة حيّة قادرة على التحليق مع خياله ومنافذه البصرية وهو ما يُلهم شغفه على الاحتواء الأكبر للطبيعة التي منها يختار مواضيعه ويستثير انسيابه اللوني، خاصة وأنه يركّز بجدية اندماج الخامة الصلبة على فكرة الماء وكل ما يثيره على السطح في الصورة وفي الوجدان والذاكرة.

 

 

ولد كيسلار سنة 1950 بالولايات المتحدة الأمريكية درس الفنون بجامعة أريزونا وتخرج منها سنة 1972 ليلتحق بجامعة سان فرانسيسكو للفنون الجميلة لاستكمال دراساته العليا تخرج سنة 1975، قدم عروضه الفنية داخل الولايات المتحدة وخارجها اقتنت أعماله عدة جهات ثقافية نذكر من بينها متحف بروكلين، متحف سكوتسدال للفن المعاصر، متحف الفنون بفنونيكس.

 

 

يبدأ المشروع الفني عند كيسلر بالفوضى المبنية على المحاكاة الداخلية والعناصر التركيبية ليتفاعل معها ويتجادل ويتصادم فيختار فوضاها ليترتّب في اندماجها المتكامل فيها وهو يغمس اللون في الضوء ويخضع لانكسارات الماء كما في الطبيعة محاولا اختراع الصور وملامستها في مشاهدها الحيّة والحقيقيّة من خلال اعتماده على سطوح الأليمينيوم بوصفه مادة جامدة استطاع أن يحوّلها إلى صورة واقعية تفاصيلها حداثية معاصرة ومُدهشة مُتفاعلة بانسجام متناسق.

 

 

إن الأعمال التي يقدّمها كيسلر تبدو في عبقرية إنجازها مُدهشة لأنها تحاكي ثنائية اللون والحركة بالمنهجية المتفاعلة مع الخامة وطريقة الإنجاز حيث يعكسها على الانفعالات الضوئية التي تتماوج معها في تراكيبها المتكاملة لتُهيّئ المفاهيم الحسيّة والذهنية لاستقبال الصورة.

فهو يفعّل المفهوم التركيبي مع حضور جمالياته وكأنه يحاكي رؤى ما بعد الحداثة في الفن من خلال دمج الابتكار مع التجريد والانطباعية وتكثيف التفعيل بينها من خلال التماهي في الكلاسيكيات والحداثة ليفتح باب الابتكار والتجريب ويطرح الخيال مع الألوان والجماليات، فكيسلار يصف تقنياته وأسلوبه والخامة التي يعمل عليها بقوله “إن الأليمينيوم ينعكس مع اللون والضوء فيشع وبالتالي فإن السطوع المُحدث على سطح الخامة يتكامل مع الرؤية الجمالية لفكرة الصورة كما يثير فيها الحركة التي من خلال تفاعلها تصنع تجريدها وتختار تفاصيلها الغامضة من جمالياتها التلقائية، بالتماوجات التي تنساب بليونة وتتشكل حسب الأبعاد ومدى رؤية المشهد واستيعابها.”

 

 

يعتمد كيسلار على آلة الحفر الكهربائية فيصقل من خلالها الصور والمشاهد بإحداث خطوط وخدوش كما يقوم بحفر السطح من أجل إثارة العمق وتكثيف الفراغ الذي يقوم بملئه باللون والظلال وكأنه يخترع جغرافيا لطبيعته خاصة وأنه يستثير خفتها بنعومة ويصقل حدّتها الثقيلة بالأسلاك وقطع الحديد والبلاستيك هذه الخامات المضافة التي يتحكّم بها في فراغه ويعدّل بها المقاييس والأحجام والهندسة والأبعاد والحركة والتوازن بينها.

 

 

إن المسطّح الذي يبدو خامة معدنية جامدة يحمّله كيسلار الديناميكية الجمالية التي تمنحه سلاسة الاندماج الكثيف مع التصوّرات والمشاعر فالعملية التي يخوضها فنية هي تصنيعية أشبه بالليثوغرافيا التي تختلق المادة لتُعبّر بالأشكال والمشاهد والمقاييس التي تتعمّق في الخيال بالصورة وتخترقها بالحركة والصدى والصوت والشفافية التي تتخلّل مفاهيمه وهو يمزجها ويدفع بالمشاهد لقبول الخامة بعواطفه الذهنية التي تقرأ المشاهد وتستوعبها كحقيقة مُنظّمة وطبيعة مُشكّلة لها صداها المتفاعل مع المعدن بدقّة التوازن في الرؤية ثلاثية الأبعاد هذه الرؤية التي تستدرج مخيّلة المتلقي نحو الطبيعة بأصواتها وجمالياتها.

 

 

يحاول كيسلار أن يُثبّت ألوانه المائية ويتحكّم فيها من خلال الضوء فهو يلجأ لتلك الألوان حتى تكون طيّعة مع الخامة وتتمازج أكثر في تدرّجاتها الأقرب للطبيعة ولفكرة الانعكاس في السطح فهو يعادل بين الأليمينيوم وحركة أسلوبه ليتمازج فيها بوضوح مع زوايا اللوحة في تناقضاتها المكانية والزمنية والحسية والذهنية بين الضوء والعتمة والظهور والسطوع والعمق ليكون الفعل الفني أقرب للحقيقة ويحافظ على بريقه مع الألوان لأن الكثافة المُتعمّدة لها دورها في مزج الألوان مع الأبعاد الثلاثية في رؤى العمل المنجز.

 

 

*الأعمال المرفقة:

متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية

Farhat Art Museum Collections

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى