ثقافة وفنونحوارات

الروائية الكويتية فوزية شويش السالم: الرواية.. أسئلة حائرة في مواجهة عالم غامض ومتوحش

يكفي أن تلتقي بها مرة واحدة فقط، لتكتشف عمق الإنسان الذي يكمن بداخلها، ويكفي أن تقرأ لها القليل من أي فن كتابي تمارسه، رواية أو شعر أو مقال، كي تتعرف علي حجم الإبداع الذي يقف خلف هذا الإنسان، ويشكل روحه التي تهب العالم من حولها الضوء والصفاء.

كل هذا سيبهك في النهاية معرفة يقينية بأن “الإبداع والإنسان” كيان واحد، لا ينفصمان، ولا تصح الحياة  إلا في امتزاجهما، وأن هذه الحياة الفنية الخالصة لا تتوفر لغير قلة من المبدعين، اختصهم شيء ما غامض ليكونوا منارات علي شواطئ مقفرة، يدلون علي الطريق بلا مقابل، ويكسرون شوكة الظلام ليعرف القادمون من بعد، أن الضوء مر من هنا، وأن الاحتماء بدفئه، وتمثله، ليس مستحيلا.

“فوزية شويش السالم” واحدة من تلك المنارات النادرة، التي أبرزت كتابات المرأة العربية، لتطفو أحلامها وآلامها علي سطح واقع لا يكل عن محاولات الردم والتغييب، وأضافت للمكتبة العربية ثمارا لا تخطئ جودتها عين القارئ الباحث عن المتعة والجمال والحقيقة، وحول مشوارها الفني الذي تكلل مؤخرا بصدور روايتها الجميلة “الجميلات الثلاث” كان لنا معها هذا اللقاء.

فوزية شويش السالم تجربة أدبية وفنية ممتدة في العمق، ومع ذلك يظل للبدايات سحرها الدائم، وعبقها الممتد علي طول التجربة، فكيف كانت تلك البدايات، ما الذي تواري منها، وما الذي لا يزال مستمرا حتى الآن؟

لا أظن أن هناك شيئا توارى من بداياتي، ربما قل أو تطور أو تحور، لكنه لم يختف ولم يتوار، لأني أشتغل كفنانة بروح تشكيلية، وهي الأساس أو الفرشة أو الصبة لكل ما أمارسه من كتابات، وبالتالي الفن هو كتلة واحدة في أساسياته، وهذا يعني أنني حين أكتب شعرا فهو ممتد من الصورة، وحين أكتب الرواية هي أيضا ممتدة من الصورة والشعر، وكذلك الحال عند كتابة المسرحية، أقصد أنني في النهاية لم أتخل لا عن الرسم ولا الشعر ولا المسرحية، كل ما عملته إعادة تجميع أو تدوير المواد إلى أصلها ومنبتها، وحدة الفن الذي لا يتجزأ، فأي شيء أعمله هو دمج لكل الجسم، أو لكتلته الفنية مع بعضها، أحيانا يكون هناك صوت منها طغى على الآخر، لكنه لم يلغه أو يمحوه بالتمام.

تنازعك كتابة الرواية والمسرحية والشعر، إضافة إلي الفن التشكيلي، فكيف توازنين بينهم، وأيهم الأقرب إلي وجدانك ومخيلتك الإبداعية؟   

يأتي التحول من رغبة داخلية يحركها ويثيرها شيء ما من الخارج، ربما تكون لقطة أو مواد أو حركة أو فكرة، تهجم عليّ، وتتشبث بي، وتسكنني لفترة لا أستطيع تحديدها، وأحيانا أكون بغفلة منها، أو لم أشعر بلحظة اقتحامها وتغلغلها بي، إلى أن تكبر وتتضح تفاصيلها، وتبدأ في البحث عن مخاضها، وهي عادة ما تحدد لي شكل مخاضها، فمثلا إن كان المثير على شكل مواد، فعادة ما يتحول إلى تشكيل فني، أو قد تكون حركة في الطبيعة تتولد منها قصيدة، أو فكرة تكبر لتتحول إلى شعر أو صورة، والرواية تتولد من الأسئلة في مواجهة هذا العالم الغامض المتوحش الشرس، وما ينتج عنه من تفاعلات تنعكس على أحاسيس الكاتب بمواجهتها بالكتابة، وغالبا تكون معالجتها عبر الرواية.

أما عن الشق الثاني من السؤال، فأنا في كل ممارسة فنية أكون في غاية السعادة، لأن العمل بها سواء كان تشكيليا أو شعريا أو روائيا هو متعة كبيرة، تتولد من اللعب معها، لكن من الممكن أن أقول، ربما تكون الرواية بمعمارها الصعب والضخم، المبني على مستويات مختلفة من التقنيات واللعب باللغة والشخصيات، هي الأكثر متعة، لأنها بلعت العوالم الفنية كلها، ومنحت الكاتب في المقابل إشباعا ونشوة أعمق وأكبر.

لكِ مقال ثابت بجريدة الجريدة الكويتية، كيف تتعاملين مع الكتابة الصحفية، وهل تجدين اختلافا بينها وبين الكتابة الإبداعية علي مستوي ممارسة فن اللغة؟

كتابة المقال فن “السهل الممتنع”، أي أنه بمجرد أن تتكون اللقطة الفنية الثقافية يبقى فقط كتابتها في الحال، بلغة سلسة وسهلة وموجزة وقادرة على الوصول لجميع قراء الجريدة أو أغلبيتهم، وهذا ما يتطلب السهل الممتنع، أي يكون سهلا في توصيل المادة، وبذات الوقت يحمل مضمونا جيدا، فلغة المقال تحمل اختلافا بسيطا عن الكتابة الإبداعية، فقط لتسهيل وصولها لكافة المستويات، لكنني لا أستسهل، ولا أفرط في قيمة مستواها الفني والجمالي.

الرسم في حياة فوزية شويش السالم مجرد موهبة لملء الفراغ الوقتي بين عملين إبداعيين، أم إبداع موازي لطرح المزيد من الرؤي التي لا يحتاج تجسيدها إلي اللغة؟

العمل التشكيلي كان ممارسة يومية بسبب أنه عملي الأساسي الذي أكتسب منه دخلي، لكنني بعد سنوات من العمل وإصابة في وتر الكف توقفت عن ممارسته، وأصبح العمل به كرغبة تجتاحني من وقت لآخر، وفي شكل أعمال شخصية للمتعة فقط، وأحيانا رؤية مواد صالحة للتشكيل تثير رغبتي في اللعب بها.

وهناك ملحوظة بالنسبة لي، أنه في حالة الكتابة عقلي يقفل تماما باب القدرة على التقاط الصورة التشكيلية لأي مادة كانت، لأنه انتقل إلى التأمل والتحليل والبناء المعماري اللغوي، وقفل على باب التشكيل، والأمر ذاته يحصل مع التحول إلى أي فن آخر، أقصد أنني لا أستطيع الجمع بين عملين مختلفين لضرورة التركيز الكامل.

إذا أردتِ اختصار حياتك في مفردة، فكيف ترينها، كلمة أم لون، ولماذا؟

إذا اختصرت حياتي في مفردة، ستكون “فنانة”، ولا أصلح لأي شيء آخر غيرها، وهي تجمع فتافيتي وشتاتي كله فيها، من تعاملي مع المحيط من حولي، أسرة وأصدقاء وعلاقات وتعاملات مختلفة، نظرتي إلى الدنيا كلها تأتي من عين الفنانة التي هي أصل وجودي وتكويني، وتتغلب عن كل ما عداها بما فيها أمومتي، الفنانة هي ذاتي، وهي الأصل، وما عداها كله موصول بي ولا يمثلني، أي ليس ذاتي وأناي الحقيقية.

15كتابا حتى الآن، ما بين الرواية والشعر والمسرح، كيف تنظرين لهذا المنجز الكبير الآن من حيث الرضا أو استمرار محاولة الوصول إلي آفاق جديدة ومختلفة، وهل ترينه مناسبا من حيث الكم لمسار رحلتك الإبداعية؟

عدد كتبي المنشورة 15 كتابا، 7 روايات، و3 مسرحيات، 4 دواوين شعرية، 1 سيرة شعرية هي “يوميات الغزو الصدامي للكويت”، إلى جانب عدد كبير من المقالات الثقافية المكتوبة عبر سنوات طويلة في الصحف والمجلات، وأيضا الكتابات البحثية التي شاركت فيها بعدد من الملتقيات والمؤتمرات الأدبية، أريد أن أنشرها في كتب عندما أجد الوقت الكافي للتفرغ لحصر اختياراتي منها، وستكون في كتابين وربما أكثر من ذلك.

أظن أن انتاج 17 كتابا في 22 سنة أمر جيد، وأنا من ناحية هذا العدد راضية، لأنه مع وجود مسؤولية بيت ورعاية أولاد ومتطلبات لحياة اجتماعية أسرية، فهذا الإنتاج يعتبر معقولا في ظل هذه الظروف المعرقلة لكثافة الإنتاج.

رواية “الجميلات الثلاث” مشحونة بالأحداث والتفاصيل والامتداد الزمني، هل كانت تداعب مخيلتك كعمل تاريخي، أم كسيرة ذاتية، وهل ترينها تاجا لنتاجك الإبداعي حتى الآن، بوصفها آخر منتج إبداعي لكِ؟     

“الجميلات الثلاث” هي مزيج من السيرة والحدث التاريخي، عبر أزمنة مليئة بتفاصيل تخص المنطقة العربية وأرض نجد، وحائل على وجه الخصوص، مع ارتباط أحداثها مع عائلتي عبر أحداث 150 سنة، من حائل إلى الدولة العثمانية، ثم عبر قطار الشرق السريع من إسطنبول إلى دمشق، وعودة إلى حائل مرة أخرى ثم البحرين والكويت، سيرة مزدحمة بالحكايات والمتغيرات السياسية والاجتماعية الكبيرة، قبل وبعد الحربين العالميتين.

الأحداث سكنتني منذ 24 سنة، حتى قررت إفراغها في رواية “الجميلات الثلاث”، وأكيد أنا سعيدة وفخورة بها كمنجز يكشف أحداثا تاريخية، مهمة وحقيقة، عن مدينة حائل، كما أنها تقدم “حائل” إلى لعالم بشكل حقيقي، ومن وجهة نظر مغايرة.

هل الرواية ديوان العرب الحديث حقا؟

أظن أن وضع الرواية الآن أصبح بالفعل ديوانا للعرب، بسبب توجه الجميع لكتابتها، وأيضا للإقبال الكبير لقراءتها، وانحسار كتابة الشعر والمسرح أمام تقدمها، لكن السؤال هو إلى متى سيدوم هذا الحال؟

كيف تري فوزية شويش السالم الرواية العربية الآن، وهل أنتِ راضية ـ كمبدعة ـ عن الآفاق التي تحلق فيها؟

هناك غزارة في الإنتاج، لكن أغلبها ضعيف في مستواه الفني والجمالي وجِدة وجودة المعنى، الكثير منها لا يأتي بالجديد، إنما هو تكرار لحكايات سبق أن قُرِأتْ ويعاد انتاجها بعد تغير طفيف في أحداثها، لكن مع هذا يمكن فرز بعض من الروايات المميزة والمختلفة، وبشكل عام الإنتاج الكبير هذا يُغني الرواية ويدفع أكثر لتميزها وتقدمها.

من وجهة نظركِ، ما هي أهم المعوقات التي تقف في طريق الرواية العربية للوصول إلي العالمية؟

أهم المعوقات التي تقف في طريق الرواية العربية، هي عدم الصدق والنزاهة في فرز الجيد منها، وتقديمه إلى العالم بكتابات صادقة حقيقية، بعيدة عن صداقات الشللية، والعلاقات المتبادلة للمنافع الشخصية التي تقدم وتؤخر، وتُبعد وتؤجل أعمالا جيدة لصالح أعمال أقل جودة، فقط حسب الرضا في العلاقات وتبادل المصالح، وهذا ينعكس تماما على اختيارات لجان الجوائز العالمية، ومدى نزاهتها في التقييم.

علاقتك بمصر عميقة علي مستوي العلاقات الشخصية، وممتدة في الزمن، حدثينا عن هذه العلاقة، ومدي تأثيرها في تجربتك الإبداعية؟

علاقتي في مصر تمتد جذورها منذُ طفولتي، ومن أول زيارة لها وقعت في حبها، وكأن سري كان مدفونا بها، كما يقولون في الكويت عن كل من يكون مجذوبا ومسحورا لشخص أو لمكان ما، وهذا بالفعل ما حدث معي ولا أدري ما هي مسبباته، تساءلت كثيرا، وحاولت فك شيفرة هذا اللغز، لكنني لم أكتشف سرها أبدا، ربما يكون العمق الإنساني بها هو سر ما يجذبني إليها، وربما أيضا بسبب وجود أغلبية أصدقائي بها، مما يعزز من مشاعر الحب تجاهها.

بلا شك “مصر” أثرت على تجربتي الإبداعية وأثرتها، بسبب صداقاتي مع الأدباء والشعراء والفنانين التشكيلين، كلهم أثروا وجداني الأدبي والفني، وربما الفني أكثر بسبب كوني في بداياتي كنت رسامة قبل التحول إلى الكتابة.

كيف ترين الجوائز العربية الأدبية الآن، بعدما أصبحت سمة هذا العصر؟

أتمنى أن تتسم الجوائز العربية بالمصداقية في اختياراتهم، وأن تتسم بالنزاهة، وبمستوى لجنة تحكيم تتكون من نقاد حقيقيين متخصصين بالنقد الروائي، وليس كما هو حاصل كانضمام أفراد في لجان التحكيم ليس لهم أية علاقة كنقاد متخصصين بمادة النقد الأدبي، ولا أجد أي معنى لتواجدهم، ولو تم التحكيم بهذه الطريقة فحينها ستصل الرواية العربية إلى العالمية.

ما الحلم الذي لم يتحقق بعد في حياة فوزية شويش السالم، حياتيا وإبداعيا؟

الحلم الذي لم يتحقق بعد، هو وصولي رواياتي إلى العالمية، وقد يكون تقصيري في الترويج لأعمالي هو السبب وراء ذلك، فأنا تنتهي علاقتي بالرواية بعد صدورها في كتاب، ولا يعود عندي اهتمام بعمليات الترويج والتسويق التي تلي ذلك، لا أحب أن أقوم بالمقابلات التلفزيونية، أو حتى من خلال الصحف والمجلات، وليس لي علاقات شللية مع المؤسسات الثقافية التي تزيد من الترويج للكاتب، عبر المقابلات والمشاركات في الندوات والملتقيات وغيرها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى