ثقافة وفنون

رمزية المرأة في تجربة التشكيلية العراقية ليلى كبة .. قيم الهوية والانتماء من الأسطورة إلى الواقع

رمزية المرأة في تجربة التشكيلية العراقية ليلى كبة Leila kubba

قيم الهوية والانتماء من الأسطورة إلى الواقع

 

بين عالم المرأة الأسطورة وعالم المرأة الواقع تقف الصورة والفكرة في صدام معبّر عن تفاصيل كثيفة الحركة والتأثيرات المتفاعلة مع الرمز والدلالة، العاطفة والانتصارات الحقيقية، لتتحدى البقاء وتبحث عن مقوّماته الأساسية، من خلال الحكمة والبساطة، الجمود والانعتاق من الأطر والمساحات، المعاني والتشكيلات.
إنها الروح الجادة في البحث والتنقيب، التي تشتغل بها التشكيلية العراقية ليلى كبة وهي تخزّن واقع وطنها في مرايا الذات وانشغالات الأحداث وتوّتراتها مع تواتر الصور والملامح والحكايات، من أساطير التكوين إلى واقع الصراع الدائر في محيط مليء بالألوان والتشكيلات منحها طاقة بحث مرئيّة في عمق التاريخ، تحاكي ازدواجية الهوية التي تربطها بالعراق الإمارات اليونان الولايات المتحدة الامريكية وسويسرا، إنه ترحال الأمكنة وما فرضه من تطورات عمق جمالية لم تبعدها عن ذاتية انتمائها بقدر ما ساعدتها على أن تحرّر ملامحها وأمكنتها وتأصّل قضيّة توافق روحها مع التراب الأول للانتماء والتكوين الأصيل للأرض بكل ما تعنيه وتختزنه من طبيعة وجغرافيا وتاريخ وآثار وانسان.

*ليلى كبة عمل من مجموعة متحف فرحات

ففي كل مرحلة وتجربة وتخطيط حملت فلسفة ورؤية وفي كل خطوة انشغلت بذاكرة تستعيد عمقها البسيط وبساطتها المعقّدة بالتفاصيل بالأخيلة والصور بالآمال والانتظارات التي لخّصت تعلّقها بالعراق في مفهوم الإنسانية الشامل وعلامات الانتماء الخصوصية.
تعتبر ليلى كبة مفهوم المرأة في أعمالها حاملا رئيسيا لرمزية تلقيها لأبعاد التعبير الواقعي من منطلقه الدلالي بين التعبيرية المجرّدة وإثارات الفكرة في علامات التوظيف جسدا وتشكيلا وتقنية لونيّة في اللوحة بوصفها كيانا له عالمه وفضاءاته يحتاج تسليط الضوء على المعاني التي تشغل تلك الصورة وتتوافق مع فكرتها الأساسية “العراق”.

*ليلى كبة عمل من مجموعة متحف فرحات

فهي لم تتناول رؤيتها للمرأة كعالم من الثراء الباذخ ماديا وإيروتيكيا في تفاصيل أيقونية وتصورات حالمة من عمق الإرث الأدبي والشعري والاستشراقي، بل قارنت تلك الصور والمشاهد وألبستها الواقع لتتدحرج نحو دراما المعايشة اليومية لتفاصيل المرأة العراقية لتكوّن فلسفتها البصرية التي استطاعت أن تسلّط الضوء على جماليات خاصة بها وعلامات مميّزة لها في صمودها وعراقتها في شموخها مثل نخيل العراق في انسيابها وعمقها وعطائها مثل دجلة والفرات في تجدّدها مثل واقع الوطن في خصوبتها ومزاجها وتضامنها ومقاومتها وحتى انكسارها الذي لا يرضخ إلا للسطوع والمجد.

إن تركيز ليلى كبة على النساء لا يعدّ تصنيفا ولا تمييزا بقدر ما هو بحث ينتاب شغفها في تتبّع أثر الأنوثة في اللون والفكرة والقضية والعاطفة.
وما اندفاعها إلا خوض في قضية المكان وتأثير واقعه على نساء مختلفات الواقع من معاناة الحروب إلى نفسييات المجتمع والعادات لتفتح ذاكرتهن صفحة صفحة وتترك انفعالات المفهوم تتسرّب لتقرأ ولتجادل الفراغ بالتصوّر وبفكرة المحاكاة البصرية بالصورة والمشهد والاندماج.

ففي الخطوط وحركة اللون وتقنية الكولاج ومداها الأفقي والعمودي في التسرّب التدريجي بين اللون والفراغ بعمق انفعالي، تختلق كبة ازدواجيتها الأسلوبية بين التأثر الغربي التشكيلي والأسس الجمالية في توظيف اللون والشكل والملامح وبين التصور الشرقي المبالغ في عواطف ذلك اللون وحسياته ودلالته سواء في تكثيف الألوان الداكنة مع الألوان الباردة أوفي تواتر التدرج الضوئي عليها لخلق ظلال ونور تبتكر المساحة العميقة من خلال متابعة الفراغ والغوص في التشكّل عه لتوسّع فكرة البقاء والحياة واستمرارية الخصب والعطاء والوظيفة التي حبى بها الكون الأنوثة في الواقع والذاكرة في التكوين والحضارة في الرمز والأسطورة.

وهذا التشكيل الذي تثيره ليلى كبة لا يقع اعتباطيا من حيث التوظيف الأسطوري لفكرة الانثى في ملاحمها وخلق صلة بينها وبين المرأة العراقية وبالتالي فإن توظيف الأسطورة مع الواقع يبعث الحياة فنيا وجماليا في التشكلات التعبيرية لنسائها وهن يتماهين في الحضور ويتوارين حينا ليظهرن أكثر جاذبية وقوة وصمودا في أمثولة الخلود والذاكرة وحنينها الذي يرشح ألوانا.

في تجربة الأسطورة تواجه نساء كبة المحنة بالخلاص في عمق الانوثة الخارقة فيها، حيث اعتمدت على أيقونة الآلهة الأسطورية في المفاهيم الخالدة مثل إنانا وأفروديت وعشتار ثم شهرزاد وكهرمانة، حتى تترك لها المجال لتتفرّد بالحركة وتمنح الفضاء قدرة على الإثارة والغرائبية المتعلقة بالأمكنة المألوفة في الواقع والملامح التي تتشابه معه لتكون أكثر صلابة وتطويعا وهي تتشكّل سابحة في عظمة الحضور في تراث يحمل الحنين إلى اللون والقوة إلى المنجز لتبدو النساء رغم آلامهن صامدات وشامخات رغم التعثّر والترقّب الألم والمعاناة، فهي تستثير الواقع بصريا لتحمله إلى أقصى الفوضى ولترتّب حاضر نسائها لتستمر بالفكرة أبعد من الرؤية وأعمق في المفهوم.

تستحضر ليلى كبة الذاكرة الحضارية لتنتشل المرأة من ركام الواقع وكأنها تستفز المشهد إلى أبعد من المرئي وظله القاتم بل إلى اللامرئي في حكمة الانتظار والعدم، تستنطق فلسفة المعايشة وحكمة الترحال وحنين الأمكنة لتحرّك العين لتثير الحس في اللون وتنسجم مع كل توظيف وتدريج وتبادل فراغي مع المساحة والأشكال والخطوط وتوازناتها الثقيلة والخفيفة.

*الاعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections

مجموعة من الاعمال الخاصة بالفنانة ليلى كبة Leila kubba

.

ويرى الفنان فاخر محمد إنه على الرغم من الغربة الطويلة التي عاشتها الفنانة وتأثرها بالفنون الغربية، إلا ان مجمل أعمالها المعروضة تحمل الهوية العراقية،
وأشاد محمد ببعض الاعمال المعروضة لجهة بنائها الانشائي التي جمعت بين الرسم والخط العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى